رمشة من عينيه الزرقاويتين خلف نظارته الطبية الأنيقة هي فقط ما يحتاجه مصطفى فهمي من وقت للإجابة على سؤال حول ماذا فعل خلال ثلاثة عقود في أدغال إفريقيا قاده لدخول دولة الفيفا؟ من قلب العاصمة المصرية في القاهرة في مكتب أنيق يحمل بابه لافتة كبيرة كتب عليها "السكرتير العام" وبين جدران مليئة بشهادات التقدير التي تحمل اسمه عزل فهمي نفسه لمدة 30 عاما حتى أصبح المصري والعربي والإفريقي الوحيد الذي يتولى رئاسة قطاع المسابقات بالاتحاد الدولي لكرة القدم. ثواني قليلة هي كل ما يحتاجه فهمي في حوار مطول مع FilGoal.com للإجابة على أسئلة حول مشاكل الكرة المصرية والاتهامات الدائمة للاتحاد الإفريقي بالإضافة إلى ما هي طبيعة منصبه الجديد؟ ويقول فهمي "لا يمكنني التصريح بتفاصيل مهام منصبي لأنني لم أبدأ العمل بعد، ولكن القطاع هو المشرف على جميع مسابقات الفيفا من كؤوس العالم لجميع الأعمار أندية ومنتخبات". ويتولى قطاع المسابقات متابعة تقارير اللجان المنظمة للبطولات التي ينظمها الفيفا من أجل تقويمها والخروج بأفضل النتائج التنظيمية من كافة الجوانب. وفي الوقت الذي تحاصر فيه النزاعات القضائية اتحاد الكرة المصري على مناصب الرئاسة أو العضوية خاصة بين نجوم الكرة، يختار الفيفا وجها غير مألوفا للجماهير المصرية ليتولى منصب رفيع لقيادة دولة الفيفا. رمشة العين لم تكف فهمي للإجابة على الأسئلة فقط، ولكنها كانت كافية للموافقة فعليا على تولي المنصب الهام بحسب وصفه "سألوني هل أنت مهتم بتولي تلك المهمة؟ وأجبت بالطبع مهتم". الإجابات الدقيقة والسريعة ل"الباشمهندس" كما يطلق عليه جميع العاملين في الكاف ليست لمجرد خبرته وبراعته الإدارية، ولكنها تعكس نشأته وتربيته وسط عائلة أرستقراطية في مصر بالإضافة إلى جذور فرنسية. ويقول نجل مراد فهمي السكرتير العام الأسبق للاتحاد الإفريقي والمصري "جدتي كانت فرنسية، وتعلمت في مدارس فرنسية حتى التحقت بكلية الهندسة في منتصف السبعينات". وتابع "شغفي بالكرة ورغبة جدتي التي كانت تعيش في مصر أن اتقن الفرنسية دفعها للاشتراك لي في صحيفتي فرانس فوتبول وليكيب منذ أن كنت صبيا". أعاد الرجل الأشقر رأسه للخلف وتحسس شعره الأبيض المصفف بعناية ليتذكر عندما كان شابا تعكس خصلات شعره الذهبي شعاع شمس القاهرة التي تعرف فيها على جاك فيرا مدير تحرير فرانس فوتبول أثناء كأس الأمم الإفريقية عام 1974، قبل أن يطالبه الصحفي الفرنسي بالعمل كمراسل للصحيفة طوال فترة دراسته الجامعية، وهو ما قام به بالفعل لمدة أربعة أعوام.
فهمي الأنيق ورغم أنه تعرف على فيرا – أحد مؤسس دوري أبطال أوروبا - عن طريق والده ولكن فهمي الإبن يرفض اتهامات البعض بمساعدة الأب ليصبح سكرتير عام الكاف قائلا " ساعدني فقط أن أتعرف على العديد من الشخصيات". وتابع "كدت أن أعمل مهندسا للبترول في خليج السويس، ولكن سيمبا رئيس الاتحاد الإفريقي عام 1978 هو من طالبني بالعمل في الكاف رغم تقاعد والدي". أدغال إفريقيا بنظرة قلقة من اتهامات دائمة للمصريين يؤكد فهمي أن إخلاصه في عمله وخدمته لبلاده من منصبه يفصل بينهما خيط رفيع مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يعلن ما يقوم به لخدمة بلاده في الكاف أو الفيفا لما يقتضيه الأمر من حساسية كبيرة. تغيرت ملامح الرجل الهادئ نحو الغضب عندما سؤل حول سر الاتهامات الدائمة بالرشوة داخل الكاف بالإضافة إلى مجاملة مصر قبل أن يبتسم ابتسامة ساخرة قائلا "من يقول هذا الكلام يبحث عن مصلحة شخصية". وتابع بحزم "البعض يطالب بنقل الاتحاد الإفريقي من مصر لخلاف حول مباراة مع الفراعنة، والآخرون يتهمون الأشخاص لمجرد الحصول على مناصبهم أو مزيدا من الشهرة". واستطرد "مصر نفسها ترى أن الاتحاد الإفريقي يضطهدها، وهو ما يؤكد أن الكاف يتعامل بنزاهة مع الجميع". وأكد فهمي فضل مصر على الاتحاد الإفريقي منذ إنشاءه مستشهدا بعيسى حياتو الرئيس الحالي للكاف قائلا "طالما قال الكاميروني أن مصر ونيجيريا لم يتأخرا يوما عن طلب للاتحاد لذلك يكن لهم كل الاحترام". كما رفض تسمية البعض للكاف باتحاد "حياتو" مؤكدا أن الرجل يبذل أقصى ما لديه منذ توليه المسؤولية وأحدث طفرة كبيرة منذ توليه مسؤولية رئاسة الاتحاد عام 1988 بدءا من زيادة فرق إفريقي في المونديال وإقامة كأس الأمم بانتظام يمشاركة 16 فريقا. فالمهندس الذي تدرج في المناصب داخل الاتحاد الإفريقي حتى وصل إلى منصب السكرتير العام خلفا لعبد الوهاب سليم عام 1982 بالانتخاب من قبل اللجنة التنفيذية والجمعية العمومية يعد شاهدا حيا على كافة خبايا الكرة في إفريقيا. ويؤكد فهمي أنه بذل أقصى جهده طوال ما يقرب من 30 عاما من العمل في الكاف مستشهدا بالتطور الكبير الذي شهدته الكرة في إفريقيا منذ بداية الثمانينات، رغم اعترافه بالسلبيات "الإجبارية" للقارة السمراء.
بلاتر وحياتو ويقول فهمي "ضعف اقتصاد البلدان الإفريقية وصعوبة التنقل في بين أرجاء القارة هما أكبر سلبيات الكرة في إفريقيا، وهو ما يحرمنا من تنظيم أفضل للبطولات أو مباريات الأجندة الدولية". وأضاف "مشكلة الملاعب أيضا متواجدة ولكنها بدأت في التحسن بفضل مشروع النجيل الصناعي الذي يتبناه الاتحاد الدولي ويمنحه للبلاد الفقيرة". الكرة المصرية يؤمن الرجل صاحب المظهر الأوروبي أن مشاكل الكرة المصرية ليست في أعضاء اتحاد الكرة المصري أو الجمعية العمومية، ولكنه شًخص أمراض الكرة المصرية في ثلاث كلمات "العيب في النظام". ويؤكد فهمي "أعضاء اتحاد الكرة شخصيات محترمة وحققوا نجاحات كبيرة، والجمعية العمومية لا تجد تعددية للاختيار بينهم، والمشكلة تكمن في عدم وجود نظام يسير عليه الجميع". وتابع "مهما بلغت مجهودات الأفراد لن يستطيعوا العمل بدون نظام محدد، والكفاءات الإدارية زهدت عن العمل في الكرة المصرية مما يضع الاتحاد تحت ضغوط دائمة". وضرب فهمي المثل باتحاد الكرة المصري في الستينات الذي كان يرأسه الفريق عبد الحكيم عامر ويضم بين أعضاءه ثلاثة وزراء قائلا "هل يقبل الآن وزير أن يتولى منصب رئيس اتحاد الكرة؟ بالطبع لا". واستطرد "لم يكن أحد يجرؤ على مهاجمة اتحاد الكرة، واللوائح كانت تطبق على الجميع". وعن الحل لمشكلة تأجيل مباريات الدوري بسبب مشاركات الفرق في بطولات إفريقيا قال فهمي "تونس تطبق لائحة قوية ولا تسمح بتأجيل المباريات مهما حدث، حتى لو اضطر الفريق لخوض مباراته بالناشئين لعدم عودة فريقه الأول من رحلة إفريقية". صرامة الرجل وتفكيره المستنير يعززان تواجده ضمن صفوة إداريي الكرة في العالم ترى ماذا سيكتشف فهمي في دولة الفيفا؟.