نقابة الأطباء تتابع واقعة عيادة قوص.. وتناشد بتحري الدقة في تناول المعلومات    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 9 يونيو 2025 بعد آخر انخفاض    سعر الذهب اليوم الإثنين 9 يونيو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 9 يونيو 2025    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    ترامب يوجه وزيري الأمن الداخلي والدفاع ل تحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين    زيلينسكي: بوتين يسعى لهزيمة أوكرانيا بالكامل    الخارجية الفلسطينية تثمن جهود المتضامنين الدوليين على سفينة كسر الحصار وتطالب بحمايتهم    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    رئيسا الإمارات وأنجولا يبحثان هاتفيًا سبل تعزيز علاقات التعاون    مسيرة دولية من 32 دولة تنطلق نحو غزة للمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي ووقف الإبادة الجماعية    السجن 25 يوما لضابط إسرائيلي رفض الخدمة لمعارضته حرب غزة    ركلات الترجيح تهدي البرتغال لقب دوري الأمم الأوروبية على حساب إسبانيا    استاد السلام يستضيف مباريات الدور النهائي من كأس عاصمة مصر    باتشوكا يتقدم على الأهلي بهدف كينيدي    البرتغال تتفوق على إسبانيا بركلات الترجيح وتتوج بلقب دوري الأمم الأوروبية    بسبب شارة القيادة.. ليفاندوفسكي يعلق حذائه دوليًا    كريستيانو رونالدو يغادر مباراة البرتغال وإسبانيا مصابًا    الزمالك يقترب من خطف نجم بيراميدز.. إعلامي يكشف مفاجأة    "وراك يا أهلى فى كل مكان".. المتحدة للرياضة وأون سبورت تطلقان حملة للمشجعين لدعم الأهلى    خالد شوقي.. مبادرة لجمع كيلو ذهب دعما لأسرة البطل الشهيد: سبيكة وفاء لروح السائق الشجاع    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    «ارتفاع تدريجي في الحرارة».. طقس المنيا الإثنين 9 يونيو 2025    بينهم ربة منزل وطفلاها.. إصابة 12 شخصًا إثر تصادم سيارة وموتوسيكل بالفيوم    إصابة سائق وطالب، في حادث تصادم سيارة ملاكي، بتوك توك، بمركز بني مزار بالمنيا    وفاة شخص وإصابة 11 آخرين إثر انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا..بالاسماء    ارتفاع عدد مصابي حادث تسمم داخل مطعم بالمنيا إلى 33 شخصا..بالاسماء    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    خلاف غير مقصود.. توقعات برج الحمل اليوم 9 يونيو    بحضور عدد من الوزراء.. الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    إلغاء حفل الفنان لؤي بالإسكندرية بسبب انقطاع الكهرباء    تعرف على عقوبة قيادة الأطفال المركبات بدون رخص    هجوم روسي مكثف بطائرات مسيّرة يستهدف كييف ومناطق أوكرانية أخرى والدفاعات الجوية تتصدى    جولات ميدانية مفاجئة وإشادات وزارية بأداء المنشآت الصحية في المنوفية    بعد وفاة طفل في قنا بلدغة عقرب.. 6 نصائح وإسعافات سريعة لإبطال مفعول السم    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    الجاهلية المعاصرة.. الخشت: هذه شروط المراجعة الفكرية للعناصر التكفيرية    الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار تحرم المصريين من الأضحية فى زمن الانقلاب    الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    نصائح لتجنب الإمساك خلال فترة العيد    فضيلة الإمام الأكبر    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 14 - 02 - 2016

قال الرئيس إنه طلب وضع كتاب عن المواطنة يصلح للتدريس لكل الطلاب والتلاميذ، مسلمين ومسيحيين، فتذكرت هذه القصة.
والمسألة تمتد بالنسبة لى إلى عديد من سنوات خلت، عندما كان حفيدى يردد بصوت شبه مرتفع آية يحاول جاهداً أن يستوعبها دون أن يفهم حرفاً منها: «من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس من الجنة والناس»، وسألته هل يفهم المعنى؟ فنفى، وحاولت أن أشرح له معنى الآية، لكنه تململ قائلاً: «المِس» مبتسألش فى ده، «المِس» عايزانا نحفظ وبس. واتصلت بمدرّسة الدين وهى ذاتها مدرسة اللغة العربية، فقالت بذات التململ: «منهج الوزارة هو حفظ قصار السور». وحاولت إقناعها بأن الأهم هو أن يحفظ التلميذ ما يفهمه حتى يقترب من القرآن ويحبه ويلتزم بتعاليمه بوجدان وصفاء. فزاد تململها، وقالت والله ده مش شغلى، حضرتك كلم الوزير. وبالفعل كان من حسن الحظ أيامها يوجد وزير مستنير ومنفتح على تطوير أساليب التعليم، لكن الأمر لم يكن سهلاً. المهم شكوت لوزير التربية والتعليم، وكان الدكتور حسين كامل بهاء الدين، فشكا لى قائلاً: هناك الكثير الذى يستحق التغيير ودعانى لمقابلته، فذهبت وقد جمعت معى عدة آيات قرآنية كريمة سهلة الحفظ، وسهلة التأثير فى عقل التلميذ، فتكون هداية ورحمة، مثل:
■ «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».
■ «وليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء».
■ «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، صدق الله العظيم.
وعشرات غيرها من الآيات، فأمسك بالورقة، وقال: إن عشنا للسنة الجاية نحاول، وأضاف لكن المسألة أكثر تعقيداً.
■ وقال إنه يتألم كلما يتذكر حصة الدين فى المدرسة، حيث يحشد الفراش التلاميذ المسيحيين، صائحاً: «المسيحيين يتلموا فى فصل كذا فنحفر بذلك خندقاً بين التلميذ المسلم وزميله المسيحى». وسألته هل من حل آخر؟ فقال الآخر هو الأسوأ أن نجمع التلاميذ المسلمين فى فصول، والتلاميذ المسيحيين فى فصول مستقلة فيتسع الخندق، ويقام عليه سور عازل. ويتأكد لكل منهم أنه غير الآخر، وأن ثمة شيئاً عزيزاً فى قلوبهم يفصلهم عن بعضهم البعض. ثم يمتد الحوار، لنكتشف ما هو أسوأ، فالذى يدرس الدين الإسلامى مدرس اللغة العربية «وثمة سؤال اعتراضى: هل يوجد مسيحى يدرس اللغة العربية؟»، والذى يدرّس الدين المسيحى مدرس الرياضيات أو الكيمياء بشرط أن يكون مسيحياً طبعاً. وهنا نجد أنفسنا أمام من لا يعرف إلا النزر اليسير من أمر الدين وتعاليمه، ومقصود هذه التعاليم، وتفسير الآيات وتأويلها إن تحتم التأويل وأسباب التنزيل وآراء الفقهاء وتضاربها، وفى الناحية الأخرى نجد مدرس كيمياء قد لا يعرف ولو بأقل قدر تعاليم المسيحية أو حقائق اللاهوت المسيحى أو كيفية تفسير جوهر المسيحية. وهنا وهناك يكون الجهل بحقائق الدين سبيلاً لإخفاء عدم المعرفة بأبسط أوجه الاتفاق وأوجه الخلاف عبر ستار من الطعن فى الآخر، فقلة المعرفة وضحالتها تؤدى بأصحابها إلى تحويل دروسهم ربما إلى جمل حماسية وربما متشددة أو حتى متعصبة ينسى فيها المدرس المسلم وذاك المسيحى دوره التعليمى الصحيح، ويتناسى أو لعله لا يعرف أسس التسامح والمشتركات بين الدينين، وربما كان هو نفسه لا يؤمن بمثل هذا التسامح ولا يتقبل الآخر، وفيما كنت أستعد لدعوة عدد من المثقفين المستنيرين للبحث عن حل لهذه الإشكالية اقتحمت مكتبى سيدة باكية تشكو من أن ابنها، الطالب بالإعدادية، يرفض الذهاب إلى المدرسة، لأن مدرس اللغة العربية يتقصده باللوم والتقريع والتهكم أمام طلاب الفصل، فهو غير قادر، ولعله غير راغب فى حفظ قطعة نصوص وردت فى كتاب القراءة عبارة عن صفحة كاملة من آيات من القرآن. والولد المسيحى يتعرض كل صباح لتهكم المدرس، فما إن يدخل الفصل حتى يسأله: «حفظت الآيات وإلا أنت لسه مسيحى؟» ويضحك المدرس، ويضحك التلاميذ والفتى يرفض الإجابة ويكتفى بالبكاء. طلبت منها أن تحضر الابن وبدأت أشرح له أن القرآن هو بذاته قمة فى البلاغة، وأن حفظ القرآن ليس مجرد واجب دينى، وإنما هو وعى باللغة وتعمق فى فهمها، ومضيت قائلاً: مكرم عبيد مثلاً، وهنا انفجر الفتى: «مين مكرم عبيد؟ الأستاذ مستقصدنى ويتهكم على وأنا المسيحى الوحيد فى الفصل، وكل يوم الصبح يضحّك الفصل علىّ»، وطعنتنى فكرة أن هذا المدرس الجاهل والجهول يستخدم القرآن الكريم بدلاً من أن يكون سبيلاً للهداية والتراحم إلى أداة تعذيب لفتى مسيحى. وتحدثت مع مدير المدرسة تليفونياً، فكان رده أصل المدرس ده «سخيف»، ولما عاتبته، صاح إحنا بندرس كتاب الوزارة واللى مش عاجبه يشتكى للوزارة. ومرة أخرى فتحت الموضوع مع الوزير الصبور والمستنير، وقلت له: هل هناك ما يمنع أن يتضمن كتاب القراءة ولو سطراً واحداً من الإنجيل مثلاً «هأنتذا ترى القشة فى عين أخيك، ولا ترى الخشبة فى عينك»، وبهذا لا يكون التلميذ المسيحى هو الآخر المتعرض للتهكم الغبى، ووافقنى معالى الوزير، وفى مواجهة المد المتأسلم فى مدارس الوزارة ومواجهة السكوت عنه كانت كوارث عدة. مثلاً أمر الوزير بتنقية مكتبات المدارس من كتب التأسلم، وخاصة بعد أن علم بشراء كميات كبيرة من كتب سيد قطب «معالم فى الطريق»، و«فى ظلال القرآن» من دار نشر شهيرة كانت ولم تزل توالى حتى الآن طبعها. وأن هذه الكتب تسللت إلى مكتبات المدارس، فصدرت التعليمات، ثم ذهبت لجنة للمعاينة فى بعض المدارس لتجد كتب التأسلم متربعة على الأرفف وروايات نجيب محفوظ وكتب طه حسين وعلى عبدالرازق والعقاد وكتابى عن حسن البنا، وعن الإخوان توجد فى لفائف تمهيداً لإعدامها. وباختصار أصبحت الاستنارة مشاكسة ومواجهة التأسلم خروجاً على سياسة الدولة، وبهذه المناسبة تلقيت رسالة من د. وسيم مجدى تقول: «إذا تحدثنا عن ضرورة توافق العملية التعليمية مع متطلبات المواطنة، خاصة فى فصول التعليم الأساسى، فإننا بحاجة إلى خط واضح وموحد فى تطوير المناهج وأسلوب التدريس بما يستهدف تعويد التلاميذ على التفكير العلمى والبعد عن الخرافات وتعليم التلميذ أن يربط النتائج بأسبابها المنطقية وتدريس مادة خاصة بحقوق الإنسان مع التأكيد أن الحقيقة، فيما عدا حقيقة وجوده سبحانه وتعالى، هى حقيقة نسبية، ومن ثم تكون ضرورة احترام الآخر وتعويد التلاميذ على التسامح مع الآخر المختلف فى الدين أو فى الرأى. وكذلك الاهتمام بالتعليم الأساسى باعتباره بداية تكوين العقل الجماعى وتكوين الحس الوطنى واحترام الآخر وحقوق المواطنة والتأكيد على المساواة بين المرأة والرجل وبين المسلم والمسيحى. وكذلك الاهتمام بوضع مناهج جديدة لعلم التاريخ تؤكد المواطنة المشتركة والانتماء الوطنى».
ورحل الوزير.
ثم تذكرت ذات يوم الأم الباكية وابنها، فكلمتها تليفونياً، فصرخت فى وجهى: «إنت لسه فاكر، منكم لله، الولد هج سافر كندا عند عمه وأنا رايحة له، وخليهم يشبعوا بيها»، وتظل مكالمتها الباكية تطاردنى، فهل نتلقن الدرس؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.