مشكلات مزمنة لا تخلو منها الموازنة العامة للدولة ومنها التعامل مع الإدارات المحلية وهو ما يستوجب إلقاء الضوء على هذه المشكلات للبدء فى خطوات الإصلاح فى الوقت المناسب. وتثير مخصصات المحافظات فى الموازنة العامة للدولة العديد من القضايا المرتبطة بمعايير التخصيص، والأهم من ذلك، علاقة تلك المعايير بقضية التنمية وعدالة التوزيع ومتطلبات الاستثمار فى المحافظات المختلفة. فمشكلة إدارة الموازنات المحلية فى مصر يمكن تقسيمها إلى شقين: الشق الأول متعلق بطريقة إعداد هذه الموازنات، حيث يقتصر دور المحليات على مجرد تقديم المقترحات والآراء فى شكل مشروعات للدولة الذى يكون الدور الرئيسى فيه للحكومة المركزية سواء على مستوى وزارات المالية والتخطيط والتنمية المحلية ومجلس الوزراء أو على مستوى مجلس الشعب الذى تكون موافقته فى النهاية على هذا المشروع بمثابة قانون لا يمكن للمسئولين المحليين أن يدخلوا عليه أى تعديل بدون موافقة الحكومة المركزية. أما الشق الثانى متعلق بتنفيذ الموازنة، حيث إنه لا يحق للمسئولين المحليين أن ينقلوا من بند فيه فائض إلى بند فيه عجز دون الحصول على موافقة الحكومة المركزية، كما أن فائض الحساب الختامى لهذه الموازنات المحلية يعود للخزانة العامة للدولة وبالتالى فإن الوحدات المحلية تجتهد سنويا فى صرف كل المخصصات المالية بغض النظر عن احتياجها حتى لا تعود إلى خزانة الدولة، وهناك أمثلة كثيرة اعتدنا أن نراها طوال السنوات الماضية مثل رصف طريق ثم تكسيره ثم إعادة رصفه، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأخر وصول الاعتمادات الحكومية من الحكومة المركزية إلى الوحدات المحلية يتسبب فى تعثر تنفيذ بعض المشروعات. وعلى الرغم من توالى بعض المحاولات التى تكشف عن مجهودات بذلت فى وزارة التنمية المحلية لوضع خطة استراتيجية للتحول إلى اللامركزية إلا أنها كالعادة راحت أدراج الرياح لعدم توافر الإرادة السياسية، فقد تم إنشاء لجنة دائمة لتسيير اللامركزية المالية فى 2010 تابعة لوزارة المالية لكنها لم تتخذ إلا إجراءات طفيفة متمثلة فى نقل بعض اعتمادات الإنفاق الجارى من الوزارات إلى مديريات الخدمات فى المحافظات مثل نقل تلك الاعتمادات للإنفاق على التغذية المدرسية وخامات تشغيل التعليم الفنى من وزارة التربية والتعليم إلى مديريات التربية والتعليم بالمحافظات. لقد أصبحت هناك حالة من التوافق بين جميع الأطراف المعنية -الحكومة والأحزاب السياسية ومجلس الشعب ومرشحى الرئاسة- على حتمية توسيع سلطات الوحدات المحلية فى الحصول على إيراداتها الذاتية وأن يكون لكل منها موازنة مستقلة يتم إعدادها على المستوى المحلى، وترشيد الإنفاق العام، وتطوير القدرات الفنية والإدارية للعاملين وإعداد الدراسات الفنية والاقتصادية وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار وتنظيم الجهود الذاتية الخاصة بالأفراد والقطاع الخاص ودعم اللامركزية المالية من خلال توسيع صلاحيات الوحدات المحلية فى فرض الضرائب والرسوم فى إطار ضوابط مركزية. توفير الموارد المحلية تفتقر المحليات إلى حق الاستفادة المباشرة من مواردها نظراً لأن عائد تلك الموارد يصب فى الحكومة المركزية التى تقوم بإعادة توزيع الاستثمارات وفقاً للمشروعات ذات الأولوية لسياسة التنمية بالدولة، ولذلك ينادى الكثير بإلغاء المركزية فى دورة إعداد الموازنة ومنح المحليات الحق الأصيل فى تحديد تقديرات الإيرادات وأولويات تحديد تقديرات الإنفاق المتناقلة بين بنودها دون إعاقة من الحكومة المركزية، والسماح للمحليات باستغلال الوسائل المعتادة لتوفير الموارد مثل فرض الرسوم والضرائب المحلية والاقتراض المحلى والمركزى بما يحقق الاستقلالية لوحدات الإدارة المحلية مع الالتزام بضوابط تتعلق بالسقف التمويلى وضمان خدمة الدين من الموارد المحلية دون مساندة من الحكومة المركزية. وتظل الاستفادة من تجارب الدول التى حققت قصص نجاح فى ظروف مشابهة أمراً لا مفر منه لكيلا نعيد اختراع العجلة من جديد، مع الوضع فى الاعتبار أنه لا يوجد نظام واحد يناسب الجميع، وأن فى النهاية يجب أن نخرج بتجربة مصرية خالصة. دروس من التجربة الهندية تعد تجربة الهند من التجارب الرائدة فى مجال التنمية المحلية فى البلدان النامية حيث عملت على استقلال الوحدات المحلية وتدعيم النظام المحلى تدعيما مباشرا عن طريق إثارة الجهود الذاتية وإعطائها وزنا إيجابيا فى التنمية المحلية، وتنقسم الموارد المالية الذاتية فى الهند إلى موارد تدخل فى اختصاص الولايات (المحليات) وأهمها: الضرائب على الأراضى الزراعية، والدخل الزراعى، والضرائب على حيازة أراضٍ زراعية، وعلى أراضى البناء والمبانى، وضرائب المبيعات والمشتريات، ورسوم الإنتاج على المسكرات والمدخرات، وضرائب الملاهى، ورسوم الدمغة ومصاريف التسجيل، وتكون حصة الولايات من الضرائب المركزية. تقدم الحكومة المركزية فى الهند للولايات إعانات قد تكون مشروطة أو غير مشروطة، وفى كل الأحوال نجد أن لحكومات الولايات الحق فى استخدام الإعانات غير المشروطة، وعلى وجه الخصوص التى تقدمها الحكومة المركزية لها كيفما تريد، وهناك نوع ثالث من الإعانات يجرى بين مساهمة الحكومة المركزية وبين مساهمة الولايات نفسها وفى مشروعات معينة حيث تكون الإعانة المركزية مشروطة بقيام حكومة الولايات بتقديم نسبة يتفق عليها من الأموال اللازمة للمشروع. وتوضع الميزانية الأولية قبل بدء السنة ويصوت عليها لزوما من المجلس المحلى المنتخب قبل شهرين من السنة التى تسبق سنة تطبيقها ويتم التعديل سواء فى النفقات أو الإيرادات عن طريق ميزانية إضافية يجب التصويت عليها قبل منتصف السنة التى تطبق فيها.