دون التأثير على الانتخابات.. حريق بقطعة أرض فضاء بجوار لجنة بقسم ثالث المحلة    وزير التموين يجتمع برئيس تنمية التجارة لمناقشة خطط التطوير.. تفاصيل    وزيرة التنمية المحلية تلقي كلمة مصر أمام المؤتمر العام ل "اليونيدو" في الرياض    تظاهر العشرات في بيروت استنكارا للاستباحة الإسرائيلية اليومية للأراضي اللبنانية    رئيس الوزراء البولندي: الاتحاد الأوروبي أصبح أقرب إلى حسم قضية الأصول الروسية المجمدة    إصابات الأهلي.. فحص للسعيد.. تألق مصري.. محاضرة توروب.. ومباريات مصر| نشرة الرياضة ½ اليوم    الأعلى للإعلام يعاقب عبد العال    قرار جديد بشأن 71 متهمًا في خلية التجمع الإرهابية    فيلم قصير عن مسيرة المخرج خالد جلال فى قرطاج المسرحى قبل انطلاق ندوته    خلال جولة تفقدية.. محافظ بني سويف يتابع حالة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    أحمد المسلماني يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    وزير الداخلية: استنفار أمني يضمن انتخابات تليق باسم مصر.. والعملية الانتخابية تسير بشكل منتظم (فيديو)    «بعد ضجة البلوجر سلمى».. نصائح مهمة تحميكي من التشتت وتثبتك على الحجاب    مظهر شاهين: برنامج «دولة التلاوة» نجح فى أن يعيد القرآن إلى صدارة المشهد    روني يهاجم صلاح ويطالب سلوت بقرار صادم لإنقاذ ليفربول    إصابة 9 عمال زراعة في تصادم سيارة وتوكوتك ببنى سويف.. بالأسماء    وزير التعليم يلتقى ممثلين من إيطاليا لتوقيع برتوكول لإطلاق 89 مدرسة تكنولوجية    ننشر قرار زيادة بدل الغذاء والإعاشة لهؤلاء بدايةً من ديسمبر    مسلم يفجر مفاجأة ويعلن عودته لطليقته يارا تامر    يسرا ودرة يرقصان على "اللي حبيته ازاني" لحنان أحمد ب "الست لما"    نقابة الموسيقيين على صفيح ساخن.. النقيب مصطفى كامل: لا أحب أن أكون لعبة فى يد عصابة كل أهدافها الهدم.. وحلمى عبد الباقى: فوجئت بتسجيل صوتى يحتوى على إهانات وكلمات صعبة عنى ولن أسكت عن حقى    تنميه تعلن عن تعاون استراتيجي مع VLens لتعجيل عملية التحول الرقمي، لتصبح إجراءات التسجيل رقمية بالكامل    الرئيس التنفيذي لهونج كونج يشكك في جدوى العلاقات مع اليابان بعد النزاع بشأن تايوان    الأمن السورى يمدد حظر التجول فى حمص    ضبط 1038 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص فى ترعة على طريق دمياط الشرقى بالمنصورة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فاجتهد ان تكون باب سرور 000!؟    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية.    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    إصابة 8 عمال زراعة بتصادم سيارة وتوكوتك ببني سويف    تشابي ألونسو: النتيجة هي ما تحكم.. وريال مدريد لم يسقط    اليوم.. إياب نهائي دوري المرتبط لكرة السلة بين الأهلي والاتحاد    المرأة الدمياطية تقود مشهد التغيير في انتخابات مجلس النواب 2025    الداخلية تواصل عقد لقاءات مع طلبة المدارس والجامعات للتوعية بمخاطر تعاطى المواد المخدرة    استقبال 64 طلبًا من المواطنين بالعجوزة عقب الإعلان عن منظومة إحلال واستبدال التوك توك بالمركبات الجديدة    رغم بدء المرحلة الثانية…انتخابات مجلس نواب السيسي تخبط وعشوائية غير مسبوقة والإلغاء هو الحل    وكيل الأزهر يستقبل نائب وزير تعليم إندونيسيا    كأس العرب - حامد حمدان: عازمون على عبور ليبيا والتأهل لمرحلة المجموعات    إندونيسيا: إصابة 3 أشخاص ونزوح أكثر من 500 شخص جراء ثوران بركان سيميرو    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بمنتصف التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية    طريقة عمل سبرنج رول بحشو الخضار    الوزراء: مصر في المركز 65 عالميًا من بين أفضل 100 دولة والأولى على مستوى دول شمال إفريقيا في بيئة الشركات الناشئة لعام 2025    رئيس الطائفة الإنجيلية يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب: المشاركة واجب وطني    البرهان يهاجم المبعوث الأمريكي ويصفه ب"العقبة أمام السلام في السودان"    كيفو: محبط من الأداء والنتيجة أمام ميلان.. وعلينا التركيز أمام هجمات أتلتيكو مدريد المرتدة    أحمد صيام يعلن تعافيه من أزمة صحية ويشكر نقابة المهن التمثيلية    بانوراما الفيلم الأوروبي تعلن برنامج دورتها الثامنة عشرة    وزير الصحة يستعرض المنصة الرقمية الموحدة لإدارة المبادرات الرئاسية ودمجها مع «التأمين الشامل»    الرعاية الصحية بجنوب سيناء تتابع خطة التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب    أسباب ونصائح مهمة لزيادة فرص الحمل بشكل طبيعي    رئيس حزب الجبهة الوطنية يدلى بصوته في انتخابات النواب 2025    سعر صرف الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 24 -11-2025    الدفاع الروسية: تدمير 3 مراكز اتصالات و93 مسيرة أوكرانية خلال الليل    مسلم: «رجعت زوجتي عند المأذون ومش هيكون بينا مشاكل تاني»    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    تامر حسني يعود إلى مصر لاستكمال علاجه.. ويكشف تفاصيل أزمته الصحية    فون دير لاين: أي خطة سلام مستدامة في أوكرانيا يجب أن تتضمن وقف القتل والحرب    موعد مباريات اليوم الإثنين 23 نوفمبر 2025| إنفوجراف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 17 - 10 - 2015

تعانى مصر مشكلة عدم إدراك المواطنين، بل والعديد من مسئولى الدولة عمّا يعتصر الدولة من قضايا وأزمات مائية طاحنة. هناك نقص كبير فى مياه الرى فى معظم نهايات الترع المصرية، وهناك نقص ومعاناة فى مياه الشرب فى العديد من مدن وقرى المحافظات المختلفة شمالاً وجنوباً، وتتعاظم الأزمة وتصل أقصاها فى مدن وقرى الشريط الساحلى للبحر المتوسط، وهناك فجوة غذائية ضخمة فى مصر تزيد على 7 مليارات دولار سنوياً، وهى قيمة الفرق بين ما نستهلكه وما ننتجه من غذاء، كنتيجة رئيسية لعدم توفر مياه للزراعة. مصر تعيد استخدام ما يقرب من 15 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحى والزراعى بعد خلطها بالمياه العذبة لتغطية عجز المياه فى مصر والناتج عن زيادة الطلب على المياه عمّا هو متاح من موارد. فى مصر يتم رى عشرات الآلاف من الأفدنة بمياه الصرف الصحى مباشرة فى العديد من محافظات مصر. وأزمة المياه تعوق استكمال مشاريع زراعية عملاقة أنفقت عليها الدولة عشرات المليارات من دم الغلابة، مثل مشروع ترعة الحمام وامتداد ترعة الحمام، ومشروع وادى النقرة، ومشروع ترعة السلام، ومشروع توشكى. وتفشت فى مصر مشاكل تلوث مياه الترع والمصارف نتيجة لكثرة تدوير (إعادة الاستخدام) المياه الشحيحة، وعدم معالجة نسبة كبيرة من مياه الصرف الصحى والصناعى، بالإضافة إلى السلوكيات السيئة من بعض المواطنين وإلقاء المخلفات فى المجارى المائية.
وشبكات مصر المائية من ترع ومصارف زراعية تعانى من تعديات هائلة على جسورها، واستبحارات (زيادة كبيرة) فى قطاعاتها المائية نتيجة للتطهير الميكانيكى الجائر، وتعانى تدهوراً شديداً فى منشآتها من قناطر وكبارى وأفمام وهدارات وسحارات وبرابخ ومحطات الطلمبات نتيجة لسوء الصيانة والإهمال. وتعانى الشبكات المائية من استخدامها كمصرف للتخلص من النفايات من المخلّفات السكانية والزراعية والصناعية السائلة والصلبة. هل هناك من يصدق أنّ الترعة التى نشرب من مياهها نلقى فيها مخلفاتنا الصلبة والسائلة، هل وصلت أخلاقياتنا إلى هذا الحضيض من السلوكيات وإلى درجة الانتحار بأيدينا. إنّ الشبكات المائية من أهم البنيات الأساسية فى الوطن، وتزيد أهميتها عن الطرق وشبكات مياه الشرب والصرف الصحى والصناعى، وعن المدارس والمستشفيات، ولكنها لا تحظى بالاهتمام أو العناية الكافية من الدولة والمسئولين، ولا يتم توفير الميزانيات الكافية لصيانتها وحسن تشغيلها. لقد ورثنا هذه الترع والمصارف من آبائنا وجدودنا سليمة وجيدة، والآن نترك لأبنائنا تركة ثقيلة نتيجة لتراكمات من الإهمال والفساد وسوء الإدارة. وكانت وزارة الموارد المائية والرى قد بدأت عام 2010 فى إعداد مخططات لإعادة تأهيل شبكتى الرى والصرف بثلاث محافظات بالوجه البحرى وبالاستعانة بمكاتب استشارية محلية، وذلك كتجربة رائدة يتم تعميمها لبقية محافظات مصر فى حال نجاحها. ولكن توقفت هذه الدراسات التى كانت تهدف إلى المحافظة على هذه البنية القومية الهامة ورفع كفاءة الشبكة وتقليل فواقدها المائية. إن استمرار إهمال شبكتى الرى والصرف سيؤدى إلى زيادة مستمرة فى الفواقد المائية، وإلى تفاقم مشاكل نهايات الترع فى مصر، واستمرار مظاهر التلوث الكبيرة التى تعانى منها الترع والمصرف.
وبالرغم مما تعانيه مصر من شح مائى، نرى مظاهر متعددة للإسراف المائى يصل إلى حد كبير، فنجد زيادة هائلة فى مساحات زراعات الأرز، ليتم تصديره لمكاسب مالية محدودة وضيقة، ثم نتحدث عن الشروع فى بناء وحدات لتحلية المياه بمليارات من دم الغلابة من المصريين، ونتحدث عن تطوير الرى فى الدلتا والوادى بتكاليف تبلغ عشرات المليارات. هل تعلم الحكومة بزراعة الأرز فى الوادى الجديد وفى الأرض الصحراوية، ياللعجب هذا المحصول الذى يزرع أصلاً فى البرك المائية نزرعه فى الصحارى المصرية، أين الحكومة وأين الترشيد الذى تتغنّى به. هل عالجت الحكومة المظاهر السلبية المنتشرة فى أحيائنا من رش للشوارع بالمياه وغسيل العربات بالخرطوم ورى الحدائق الخاصة وغيرها من مظاهر الإسراف المائى فى دولة تقاسى من مظاهر الشح المائى وتنفق المليارات المهدرة فى معالجة هذه المياه لأغراض الشرب بينما نهدرها على الأرض. هل تعلم الدولة أنّ هناك مئات الآلاف من الأراضى المستصلحة «وضع يد» تسرق المياه من الأراضى الزراعية المرخصة، ودون رادع أو عقاب. وهل تعلم الحكومة أنّ هناك آلاف الأفدنة من المزارع السمكية المخالفة تستهلك كميات هائلة من المياه وأحد الأسباب الرئيسية لنقص المياه فى نهايات الترع، وليس هناك من رادع أو محاسب. هل تعلم الدولة عن أصحاب الفيلّات والقصور على طريق مصر إسكندرية الصحراوى وطريق الإسماعيلية الصحراوى وحمامات السباحة بل والبحيرات الصناعية من المياه الجوفية، وبالطبع لا يدفعون لها رسوماً، بينما تحصّل الرسوم من فقراء الشعب المصرى عن عدة أمتار مكعبة يستهلكونها شهرياً. هل تعلم الحكومة عن ملاعب الجولف التى تستهلك كميات هائلة من المياه لرياضة لا يعرف شكلها أو نظامها السواد الأعظم من المصريين، ولا يسددون رسوماً عن المياه التى يستخدمونها لرى هذه الملاعب الغنّاء. وهل تعلم الحكومة أنّ هذه الاستخدامات الجائرة أدت إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية فى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى بما يصل إلى 20 متراً بالإضافة إلى تملح مياهها، ممّا يهدد المزارع القائمة هناك والتى تكلفت عشرات المليارات وتنتج مايقرب من نصف الصادرات الزراعية المصرية ويعمل بها عشرات الآلاف من المهندسين والمزارعين والعمالة المدربة.
ويتحدث المسئولون فى الدولة الآن عن إنفاق مليارات لاستصلاح ملايين الأفدنة على المياه الجوفية. هل راجع المسئولون الدراسات الهيدروجيولوجية الخاصة بالخزان الجوفى النوبى فى الصحراء الغربية منذ بداية استغلاله فى الستينات من القرن الماضى وحتى الوقت الراهن. هل يعلم هؤلاء المسئولون ما حدث من انخفاض حاد فى مناسيب المياه الجوفية لهذا الخزان، وبصفة خاصة فى واحات الداخلة والخارجة وباريس والفرافرة وبما يزيد على مائة متر خلال الخمسين عاماً الماضية. هل يعلم المسئولون أنّ هذا الانخفاض الحاد فى مناسيب المياه الجوفية كان نتيجة زراعة مساحات لا تتجاوز عشرات آلاف من الأفدنة، فما بال الحال إذا ما تم زراعة ملايين الأفدنة التى يتشدق بها المسئولون. هل يعلم المسئولون عن مشاكل الصرف الزراعى المتراكمة فى مناطق الواحات وتراكم هذه المياه على شكل بحيرات مالحة نتيجة للزراعات المحدودة الحالية، وهل تصور المسئولون كيف سيكون الحال إذا ما تم التوسع فى هذه الزراعات. وهل يعلم المسئولون الانخفاض الحاد فى مناسيب المياه الجوفية فى مناطق الظهير الصحراوى لمحافظات بنى سويف والمنيا وأسيوط وتملح العديد منها نتيجة للاستخدام الجائر لهذا المورد المحدود وغير المتجدد. أى مساحات نتوسع فيها وأى دراسات نعتمد عليها أم مجرد إهدار أموال فى الحفر التجريبى بحثاً عن مياه هنا أو هناك.
هل يأخذ المسئولون فى الاعتبار أننا نتفاوض مع إثيوبيا على سد النهضة، والذى يهدد حصة مصر المائية وتقول للعالم إننّا نعانى من مشاكل الشح المائى، ولدينا عجز مائى يزيد على عشرين مليار متر مكعب نتغلب عليه من خلال إعادة استخدام مياه الصرف وضخ المياه الجوفية. هل من الحكمة أن نتحدث فى نفس الوقت عن التوسع فى مليون ونصف مليون فدان جديدة، بل ونصدر الأرز. ماذا نحاول أن نقول للعالم حولنا هل نحن نكذب عليهم أم نتجمّل أم نكذب على أنفسنا. هل نحفظ أموالنا المحدودة وننفقها على إعادة تأهيل شبكتى الرى والصرف ومعالجة مياه الصرف الصناعى والصحى لنجنب شعبنا أمراض الفشل الكلوى والسرطان، أم نستمر فى سياسة: «بشرّوا ولا تنفرّوا»، و«كلّه تمام»، والتى دفعت مصر ثمنها من لحم ودم أبنائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.