الحب الحقيقى هو شعورك تجاه ذلك الإنسان الوحيد القادر على أن يجعلك تعيساً.. عبارة فلسفية صادمة كنت أتأملها بغضب يطاول الرفض.. ببراءة مشاعر ما زالت تتفتح للحياة.. حتى طرق ذلك الساحر الأبواب، وليته ما فعل.. فسهرت تنادمنى «ثومة» فى لياليها الألف (وآه منه الهوى).. وجالست القمر نسمع ألحان جارته الساحرة «فيروز» خلف تلال الأحلام (ونحن والقمر جيران).. تهادى وجدانى مع شراع مسافر زاده الخيال يمسك دفة أنغامه ببراعة «عبدالوهاب».. اقتنيت عقداً غالياً من شجون «حليم» (والهوى هوايا).. وانتظرت وليلى شمعة سهرانة فى ليلة حب أتدثر بدفء صوت «نجاة» (وأنا باستناك) أدمت مشاعرى همسات العاشق الحزين صلاح جاهين (بعشق زى الداء).. أجفلت بخجل من جرأة «نزار» ووقاحة «أدونيس».. أبحرت لجزر الأحلام فوق بيانو بحار عاشق مجنون يعرف كل النجوم، ولكن لا يعرف السكون، إنه ريتشارد كلايدرمان.. ثم أفقنا من سذاجة البدايات وأوهامها.. لندرك معانى أكبر للحب وأبعاداً أكثر رحابة تبدأ بالذات العلية سبحانه وصوفية العشق الإلهى.. مروراً بكل قيم الجمال والفضيلة.. فالحب الحقيقى قيمة مطلقة بلا أى هدف لغير ذاتها.. لا تسبقه شروط ولا تليه مكاسب.. فلو اختزلنا ما دون ذلك من علاقات وأحاسيس نعيشها ونرضخ لها طول الوقت.. سنجد أن الحب الحقيقى غريب.. شريد.. بل نادر فى هذا العالم.. نلصق اسمه ونبتذله بمشاعر لا ترقى لآفاقه الرحبة.. فالحب المشروط فاقد لأهم معانى وجوده.. (إن جميع أنواع ما يدعون أنه حب، يكون لها سبب إما طمع أو قرابة أو اتفاق مذهب أو نيل وطر، إلا اتصال النفوس وامتزاج الأرواح، وكل أنواع الحب السابق تنتهى بانتهاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها حاشا محبة العشق الصحيح).. هكذا عرف «ابن القيم» الحب. لأعود بعد كل تلك السنين أنظر إلى تلك المقولة اللعينة التى ظلت تطاردنى عبر الأيام بعين أنضجها مر التجارب قبل حلوها لأرى ما لم تدركه عين البراءة الغريرة.. فكثيرون هم من يستطيعون إسعادك بجميل الصحبة.. بحسن الفِعال.. بطِيب الكلام.. ولكن رحيلهم لا يفتك بك وإن افتقدتهم.. إذن فالألم هو معيار الحب.. فيكون الاكتشاف أن أجمل شعور نقيسه بأسوأ شعور.. فمن يسعدك كثيراً هو من يستطيع أن يتعسك كثيراً.. تلك هى ضريبة الحب الفادحة.. فما أكثر من قد يمسحون دموعنا ولكن وحده الحبيب من يُبكينا.. ألم يُذهب الحب عقل قيس بن الملوح.. ويتركه يهذى فى الصحراء.. ألم يقتل روميو وجوليت.. ليخلداه بذكرى مغلفة بطعم المأساة. والحب يمر بكل مراحل الحياة لأنه سر الحياة، يتنفس.. يعيش.. يزدهر.. يمرض وأيضاً يموت.. يبدأ بلا موعد أو علة.. وهج مفاجئ.. انشغال مبهم الأسباب.. سعادة غير مسبوقة.. شوق وتوق وولع وهيام وافتقاد قد يصل حد الهزيان، والبوح بالدمع فى وحدة لا يدركها إلا أنت.. حتى لو حولك كل البشر.. وها أنا أقف على عتبة سنين العمر أتساءل.. أفكر.. لأدرك كم أحببته.. لم تبكنى تباريح غرام ألمت بى مثلما له.. لم تفارقنى أحلام يقظة ساذجة ما زالت تكابدنى وأكابدها مثلما به.. أهرب إليها من قلة حيلتى تجاه حبيبى الذى أضنانى هواه.. وأرهق وجدانى.. فإلى متى نظل نجرع آلام العشق فيك يا وطنى؟.. إلى متى نهيم بك شوقاً.. نذوب حنيناً.. ونفنى حزناً؟.. ألا يرق فؤادك لحبيب يفديك بعمره وحياته؟.. ألم يكفك كل من ماتوا من أجل عينيك؟.. من قدموا أرواحهم قرباناً بين يديك؟.. تدلل كيفما شئت.. وتمنَّع.. وافرح بتعاستنا فهى دليل حبنا الكسير حزين النداء نقدمه كل يوم على أكفان الشهداء.. ولكن أرجوك.. لا تكن حبيباً مبالغاً فى قسوته، لا يعرف كيف يسعدنا ولكن كيف يبكينا.. كيف يقتلنا.. يقتل أحلى ما فينا.. أحلى من فينا.. لا تتركنا نموت عشقاً بلا ثمن.. فمن العشق ما قتل.