نجح فى بناء دولة من العدم، وغيّر تأكيدات الكثيرين حول فشل دولته الصغيرة بعد خروجها من الاتحاد الماليزى، وحوّلها إلى واحدة من أنجح الدول الآسيوية، وبعد أن كانت دولة تُعانى من التبعية أصبحت دولة مستقلة، لم تكن أمامه المليارات ليطور دولته، لكنه نجح فى استغلال كل الإمكانيات التى أتيحت له لكى يجعل من «سنغافورة» دولة يفخر بها شعبها، ليرددوا نشيدها بكل فخر «إلى الأمام سنغافورة».. إنه مؤسس سنغافورة الحديثة «لى كوان يو»، الذى جعل أصغر جمهورية فى العالم أغنى دولة فى العالم. كونه أول رئيس لوزراء «سنغافورة» بعد خروجها من الاتحاد الماليزى، فقد تعرض لهجوم عنيف، وتوقع الكثيرون فشله، لكن «كوان» -خريج جامعة «كامبريدج» ببريطانيا- وضع خطة متقنة لإنقاذ سنغافورة وبنى عليها أسس نجاح الدولة، فبدأ بالاعتماد على السياحة لإنعاش الاقتصاد وحل مشكلة البطالة، وبعدها انتقل تدريجياً إلى النهوض بالتعليم، وتحديد النسل وبناء مصانع فى جميع المجالات. «البقاء للأكفأ».. واحدة من أشهر المقولات المأثورة عن «لى كوان يو»، فقد اعتمد عليها للنهوض بالاقتصاد فى «سنغافورة»، وأصبحت فيما بعد نقطة التميز الحقيقى، إذ أعطى الأولوية لأصحاب الشهادات العلمية الأكفاء، وبدأ تدريجياً فى إلغاء كل أشكال التمييز بين المواطنين على أساس اللغة أو الدين أو الطائفة. واستعان بأصحاب الشهادات العلمية فى جميع المجالات. ولم يعتمد «لى» على تعديل الجانب الاقتصادى فقط، بل عمل أيضاً على تطوير القوانين والحياة السياسية فلجأ إلى «إلغاء كل النصوص القانونية التى تعتمد على التمييز من الدستور والقوانين». ولم يتوقف «لى» عند إصلاح القوانين الاقتصادية والنهوض بالاقتصاد فقط، بل حرص على أن يستمر هذا الاقتصاد رائجاً للأبد، فأسس «هيئة التنمية الاقتصادية»، لتكون الجهة الوحيدة التى تتعامل مع المستثمرين الأجانب، من أجل تسهيل إجراءات الاستثمار فى «سنغافورة» والعمل على جذب مزيد من أصحاب الأعمال إليها، كما عمل على تقديم الكثير من الامتيازات للمستثمرين التى لم تكن مُطبقة فى عهده بأى دولة أخرى فى العالم، منها تقديم ضمانات ضريبية للمستثمرين وضمانات لحماية أعمالهم. ولم يكن «لى» ناجحاً فى المجال الاقتصادى فقط، بل وصف فى الوقت ذاته بأنه «سياسى مُحنك»، وأُطلقت عليه الكثير من الألقاب، منها «الشيوعى الذى أصبح أنجح مخططى الرأسمالية»، و«الدكتاتور الرشيد»، و«مؤسس سنغافورة الحديثة»، والأخير أشهرها على الإطلاق. جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الحالى لسنغافورة هو «لى هسين يونج» الذى تولى السلطة عام 2004، وهو الابن الأكبر ل«لى كوان يو». ورحل مؤسس سنغافورة الحديثة «لى كوان يو» عن عمر ناهز 91 عاماً فى مارس الماضى، بعد أن جعل بلاده مركزاً مالياً عالمياً ونموذجاً اقتصادياً يُحتذى به رغم الانتقادات التى طالته لتضييقه على الحرية السياسية.