امرأة حفرت السنوات ملامحها، تجلس بسكِينة، مرتدية جلباباً أحمر قديماً جداً، تغطى شعرها بطرحة زرقاء وترتدى عقدا من الصدف فى رقبتها، هى «سميرة. م. ر» تبلغ من العمر 60 سنة، قالت: «بقالى فى المستشفى 20 سنة، ودخلت المستشفى عشان جات لى حالة نفسية، لما جوزى وأبويا ماتوا، تعبت أوى وماعرفتش أعمل حاجة، ولا أقف على بوتاجاز، ولا أحلب بهايم ولا أخبز، وأنا من الفلاحين من بلد فى مركز الباجور منوفية، وكنت باحلب وأعجن وأخبز، وأروح الغيط أجيب برسيم للبهايم، بعدها أخويا جابنى المستشفى، بعد ما عرضنى على دكاترة كتير، وكنت بادفع 300 جنيه شهرياً مقابل علاجى، دلوقتى باتعالج على نفقة الدولة، ومبسوطة والحمد لله». تضيف: «عندى 3 إخوات، أخ شقيقى، و2 عايشين فى البلد، بس أخويا مابيخليهومش يجوا، هو بس اللى بيحبنى، ومش عايزهم يجوا لى، علشان هما إخواتى من أبويا ومابيحبونيش، ومن 20 سنة أهلى جوزونى واحد متجوز وعنده أولاد، وخلفت منه ولد، وابنى دلوقتى متجوز ومخلف عيال كبار، بس ما اعرفش بيشتغل إيه، هو موظف فى وظيفة كويسة، وعايش فى إسماعيلية، وانا لما جيت المستشفى أولاد جوزى خدوا ابنى يربوه، ومنعونى أشوفه، وبقيت طول النهار ألطم على وشى من الزعل، وتعبت أكتر من الأول، وخلعت سنانى من المرض اللى عندى، وبعدين الحمد لله والشكر لله، أولاد جوزى استنوا لما ابنى كبر وبقى راجل، وجابوه لى أشوفه لحد ما أولاد جوزى ماتوا ومابقاش عايش غير بنات جوزى، وأنا مش متضايقة أن أخويا دخلنى المستشفى، لأن مين هيراعينى فى البلد، ومين أساساً اللى هيطيق واحدة مريضة، وابنى متجوز ومراته مش هترضى أعيش معاها ومع عياله، هيقدر إزاى يراعى عياله وأنا تعبانة وجسمى بيرتعش، كانت بتيجى لى حالة عصبية، بس أحياناً ابنى بياخدنى البلد، أقعد 17 يوم ويرجعنى تانى المستشفى، بس ماقدرتش أقعد فى البلد، لأن أهلى اللى هناك مش بيحبونى، ومحدش بقى يستحمل حد، والنوبة بتيجى لى فى أى ساعة، وباتعب جداً ويجيبوا لى حقن وأدوية على ما أخف تانى». وتابعت وقد اكتست ملامحها بالحزن: «ابنى وأخويا محدش فيهم جالى فى عيد الأم وجاب لى هدية، كلهم ملهيين فى أولادهم وزوجاتهم، وكانوا مواعدينى ييجوا لى النهارده ولسه ماجوش، أهو منتظراهم من طلعة النهار»، وهى تشير إلى جلباب أسود بجوارها، «شوفوا أنا حاطة الجلابية أهو على السرير على أساس ألبسها لما ييجوا ومالبستهاش لسه، هما بيزورنى كل شهر مرة، وساعات بيقطعوا الزيارات، بس أنا فى المستشفى مرتاحة وباكل واشرب، والعنبر فيه بوتاجاز، باجيب أكل على حسابى، وأسلق بطاطس وأحمّر شوية رز، عندى أكل بتاعى، مش باكل أكل المستشفى، عشان بيعملوا الكوسة ميه، أكل المستشفى مش بيعجبنى، أنا باصحى كل يوم الصبح باخلى واحدة تشترى ليا بجنيه بطاطس وجرجير، والناس هنا حلوين زى عسل النحل، وأنا مش عايزة أخرج من المستشفى، أخويا لما أموت هيجى ياخدنى يكفّنى وخلاص، ويدفنى فى التُرب بتاعتنا اللى هنا، أنا مش عايزة أروح البلد، أنا كده مرتاحة، والمرض اللى بيجيبه ربنا واللى بيشفى ربنا».