حصلت «الوطن» على صور تكشف عن إهمال جسيم غير مسبوق يهدد واحدة من أندر القطع الأثرية وهى «عمود مرنبتاح» الذى يعتقد العلماء أنه القطعة الوحيدة التى تصور خروج «بنى إسرائيل» من مصر مع النبى «موسى» عليه السلام عبر البحر الأحمر. وعمود «مرنبتاح» مصنوع من الجرانيت والحجر الرملى، وقد تم اكتشافه فى الستينات من القرن العشرين، ويعتقد بعض العلماء أن نقوش هذا العمود تمثل خروج «بنى إسرائيل» من مصر، وهو عمود تذكارى أقامه الملك «مرنبتاح» فى رحاب معابد مدينة «أون» الأثرية تخليداً لذكراه فى هذه المدينة المقدسة. وفى داخل منطقة «القلعة» الأثرية، وتحديداً فى منطقة الورش المركزية التى يعمل بها ما يقرب من 200 عامل وموظف وتعانى كما يقول الأثريون من «ذبذبات» يومية بسبب قربها من الطريق العام، ووجود فرن «المستنسخات» بها، وهى الذبذبات التى تهدد آثار القلعة برمتها وما حولها، ستجد عمود «مرنبتاح» ملقى فى الساحة الأمامية للورش منذ 2008 بعد أن تم اقتلاعه من مكانه فى منطقة «عرب الحصن» فى «المطرية» بحجة ترميمه ونقله إلى «القلعة». ولكن عمود «مرنبتاح» ظل ملقى فى هذا المكان طوال 6 أعوام فريسة للإهمال، حيث حوّله العاملون بالورش إلى «مسند» للأخشاب البالية من أبواب ونوافذ، وقد تجمعت حوله القمامة وأدوات الترميم فى صورة تتنافى تماماً مع أبسط قواعد التعامل مع الأثر وترميمه، وهو الأمر الذى يهدد نقوشه الظاهرة، خاصة تلك التى تصور رحلة خروج «بنى إسرائيل» من مصر. وقال عماد مهدى، عضو «اتحاد الأثريين المصريين»، إن «إهمال العمود بهذه الطريقة ما هو إلا محاولة منظمة لتدميره، خاصة أنه القطعة الوحيدة التى ترصد تاريخ مرنبتاح الذى يُعتقد أنه فرعون الخروج، وهو الملك الوحيد الذى ذكر بنى إسرائيل فى لوحته الشهيرة الموجودة حالياً فى المتحف المصرى، وأتى عموده ليكمل الصورة، حيث يحوى العمود نقوشاً ترصد سيرة الملك «مرنبتاح» وإخراجه اليهود من مصر، وهو بذلك ينفى أى حق لهم كما يدّعون فى العودة، لذا تحاول الجماعات الصهيونية طمسه وإخفاءه بحجة قيام البعثات الأجنبية بترميمه»، حسب تعبيره. وأضاف «مهدى» ل«الوطن» أن «الغريب هو أن يتم نقل أثر ثابت إلى المرممين وتعريضه لمختلف أشكال المخاطر من فك ونقل، فمن المعروف أن المرمم هو الذى ينتقل إلى الأثر وليس العكس، ليخرج علينا المسئولون عن الآثار بحجج واهية منها أن الأثر كان محاطاً بالقمامة وهو كلام لا يقنع طفلاً صغيراً، فمن الأسهل والأرخص تطوير المنطقة ورفع القمامة، خاصة أن العمود كان موضوعاً فى مدخل مدينة (أون) الأثرية التى تُعد أول مكان عُبد فيه الإله (رع) وهى مدينة ذات أهمية تاريخية لا تقل عن أى منطقة أثرية أخرى». من جانبه، قال أسامة كرار، المنسق العام ل«جبهة الدفاع عن الآثار»، إنه تقدم بمذكرة عاجلة إلى الدكتور محمد عبداللطيف، رئيس قطاع الآثار الإسلامية، يكشف فيها عن حجم الإهمال الذى أصاب العمود التائه بين ثلاثة قطاعات بالوزارة، هى قطاع الآثار الإسلامية، وقطاع الترميم المنوط به ترميم العمود، وأخيراً قطاع الآثار المصرية، ولحين ظهور مسئول سيتفرق دم العمود بين هذه القطاعات ليختفى أو يدمر مثل عشرات القطع التى دُمرت وراحت ضحية إهمال المسئولين، وكانت المحصلة هى إحالتهم للتحقيق الإدارى وتوقيع جزاء إدارى لا يتعدى خصم بضعة أيام من رواتبهم. فى المقابل، قال يوسف خليفة، رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة أن «وضع العمود سيبقى على ما هو عليه فى انتظار بدء البعثة الإسبانية فى ترميمه، ولحين حدوث ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر سؤال قطاع الترميم». وأوضح «خليفة» أن العمود يرصد مشاهد من خروج «بنى إسرائيل» من مصر، وأنه اقترح نقله إلى «المتحف الكبير» فور الانتهاء من أعمال ترميمه، وهو ما لم يحدث حتى هذه اللحظة. وعن أسباب اقتلاع العمود من مكانه الأصلى بدلاً من ذهاب المرممين إليه فى «عرب الحصن»، قال «خليفة» إن «المنطقة محاطه بالعشوائيات والقمامة، ولا تصلح لأن تكون مقراً لقطعة بهذه الأهمية، وإزالة أكوام القمامة لا تخصنا فهى من عمل المحليات، لذا قررنا نقله إلى القلعة، أما باقى معبد مدينة (أون) الأثرية فهو محاط بأسوار والوزارة تعتنى به بشكل جيد».