لمدة 3 ساعات.. مواعيد وأماكن قطع الكهرباء عن قرى ومدن محافظة الدقهلية    ارتفاع جديد ب 340 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025 بالصاغة    زيارة صرف الأنظار، ترامب يصل إلى بريطانيا ومراسم استقبال ملكية في انتظاره    حريق هائل بمطعم شهير بمدينة أبو حمص في البحيرة (صور)    صندوق النقد: مطلوب زيادة اسعار الطاقة باسرع وقت .. مصطفى مدبولي: بنزين وسولار وبوتجاز من أول أكتوبر يا افندم!    نائب رئيس جامعة الأزهر يعلن موعد نتيجة التنسيق (فيديو)    أبرزها الإسماعيلي والزمالك، حكام مباريات الخميس بالجولة السابعة من الدوري المصري    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    مصرع وإصابة 3 شبان بحادث تصادم في محافظة البحيرة    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    أخبار الفن اليوم.. وفاة النجم روبروت ريدفورد.. وائل جسار يكشف أسرارا جديدة حول صراع راغب علامة وفضل شاكر    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    توتنهام يفوز على فياريال.. وقرة باج يتجاوز بنفيكا في دوري أبطال أوروبا    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    وفاة اللواء خالد العزازى مستشار رئيس هيئة قناة السويس للإعلام والعلاقات العامة    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    رئيس أركان جيش الاحتلال ل نتنياهو: القوات تعمّق الآن «إنجازًا» سيقرب نهاية الحرب    ما زال الحبل السري متصلا بها.. أنثى حوت أوركا تحاول إنعاش طفلها الميت (فيديو)    ضرب وسحل وألفاظ خادشة.. الأمن يفحص فيديو اعتداء أشخاص على شاب وسيدة بالهرم    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    ريال مدريد «المنقوص» يهزم مارسيليا في دوري الأبطال    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    ننشر خريطة موعد بدء الدراسة للتعليم الابتدائي بمدارس الفيوم تدريجيًا.. صور    على باب الوزير    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    4 لاعبين مصريين يتأهلون لنصف نهائي بطولة مصر المفتوحة للاسكواش    الهلال يحقق فوزًا صعبًا على الدحيل في دوري أبطال آسيا للنخبة    فلسطين.. قوات الاحتلال تعتقل من بلدة دير أبو ضعيف    وزير الدفاع السعودي وقائد القيادة المركزية الأمريكية يبحثان تعزيز التعاون الدفاعي    يوفنتوس يتعادل 4-4 مع دورتموند في أجمل مباريات دوري أبطال أوروبا    فرنسا تدين توسيع العملية الإسرائيلية بغزة وتدعو إلى وضع حد للحملة التدميرية    اجتماع سوري إسرائيلي مرتقب في باكو    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل في الوراق    ضبط ومصادرة 2 طن طحينة بمصنع بدون ترخيص بالمنيرة    الحماية المدنية تخمد حريق منزل في سرابيوم بالإسماعيلية    ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 108 خلال هجمات الاحتلال اليوم    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: النيل مسألة وجودية لمصر    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    وقت مثالي للبحث في تحسين الدخل.. برج الجدي اليوم 17 سبتمبر    ضغوط العمل لا تطاق.. حظ برج القوس اليوم 17 سبتمبر    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    وزير الري: ندرة المياه لا تسمح بزراعة الصحراء بالقمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    مهرجان الجونة يكشف عن برنامج مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالدورة الثامنة    رئيس الوزراء: الأعاصير الإقليمية تكشف حكمة الرئيس السيسي    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح حكم استخدام الروبوت في غسل الموتى وشروط من يقوم بالتغسيل    بالزي الفرعوني.. نجمة "تايتانيك" كيت وينسلت أمام الأهرامات بالذكاء الاصطناعي    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهادة لأهل التوراة والإنجيل والقرآن
نشر في الوطن يوم 27 - 02 - 2015

جمع الله المؤمنين به فى كل ملة سماوية فى خطاب واحد لأمر جلل، يعرض عليهم فيه صفقة العمر لهم بطلب الشهادة، التى غالباً ما يتعطل تحصيلها فى أزمنة استقامة أحوال الناس وسلامتهم من خيانة بعضهم وغدره وتنعمهم بأمن الله ورزقه؛ إذ لا مجال فى ظل هذا السلام أن يطلب أحد الشهادة، فقد أخرج محمد بن الحسن الشيبانى فى كتابه «الكسب» عن عمر بن الخطاب أنه كان يقدم درجة الكسب فى السعى على المعايش على درجة القتال، يعنى فى أزمنة السلم، فيقول: لأن أموت بين شعبتى رحلى أضرب فى الأرض أبتغى من فضل الله أحب إلىّ من أن أقتل مجاهداً فى سبيل الله؛ لأن الله تعالى قدم الذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله على المجاهدين بقوله سبحانه: «عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ» (المزمل: 20)، فقدم الذين يضربون فى الأرض على الذين يقاتلون فى سبيل الله. وهذا بالتأكيد فى حال انتشار السلام بين الناس حتى يقوموا بواجبهم الإعمارى، الذى قال الله تعالى فيه: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61). يعنى جعلكم عمّارها وبانيها، فإذا شغب القلة بإرهابهم فحسبهم فى الردع بعض جنود الخير المرابطين بجاهزيتهم لتمكين عامة الشعب من استكمال مسيرة العطاء والبناء والإعمار، وهذا ما كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يفضل أن يكون منهم؛ استدلالاً بتقديم الله سبحانه الذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله على المقاتلين فى سبيل الله، الذين لا يحتاج المجتمع الآمن منهم إلا قليلاً.
أما عندما يكثر عدد الإرهابيين ويزداد خطرهم على الآمنين أصحاب رسالة إعمار الأرض واستصلاحها، فإن الله عز وجل يتولى بنفسه النداء على كل المؤمنين به مهما اختلفت مللهم السماوية، فحسبهم الله الذى يجمعهم باسمه ليعرض عليهم خير عرض يحلم به كل مؤمن بالآخرة، وهو طلب الشهادة فى سبيل إعادة الحياة إلى استقامتها، وتمكين الشعب من ممارسة تكليف الله له بإعمار الأرض وعبادة الله بحسب اختلاف الشرائع، حتى تتحقق المنافسة الشريفة فى المزايدة بالخيرات كما قال سبحانه: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة: 48).
إن خطر الإرهابيين عندما يهدد إعمار الأرض فإنما يتوجه إلى حرب الله سبحانه مباشرة؛ لأن الله تعالى هو صاحب هذه الرسالة الجامعة لكل البشر، مؤمنهم وكافرهم، والذين تجمعهم صفة الآدمية المكرمة فى الدنيا كما قال سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ» (الإسراء: 70)، ولا يعطل أصل هذا التكريم إيمان وكفر؛ لقوله تعالى: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (التغابن: 2)، ولكن هذا التكريم يتدرج فى مراتبه يوم القيامة بحسب مراتب التقوى التى لا يعلمها إلا الله، كما قال سبحانه: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13). ويدل على أن الإرهابيين الذين يهددون إعمار الأرض إنما يحاربون الله تعالى مباشرة قوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا» (الآية: 33 سورة المائدة). وإذا كان الله تعالى يحارب من الإرهابيين الذين يرعبون المصلحين، ومن المفسدين الذين يخربون الإعمار، فإن الله سبحانه ينادى كل من يزعم الإيمان به فى ظل أى ملة وأى مذهب بقوله سبحانه: «إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 111). هذا النداء الغالى والثمين يخاطب أهل الإيمان بالله أن يترفعوا عن اختلافاتهم الملّية والمذهبية للتعاون من أجل الوقوف فى مواجهة الخطر الذى يلحق بهم جميعاً، وأن الله تعالى بكرمه وفضله وسعة رحمته، يبشرهم جميعاً بمراتب الشهادة إن باعوا أنفسهم لله حتى قتلوا فى سبيله الذى يشمل الإنسانية بحق الحياة والاستخلاف فى الأرض من دون التمييز الدينى أو الجنسى أو العرقى، وهذا ما وعد الله به فى التوراة والإنجيل والقرآن.
ما أروع هذا النص القرآنى الذى يجمع المؤمنين بالله فى ظل ملة التوراة وملة الإنجيل وملة القرآن لحماية سبيل الله الإصلاحى والإعمارى والإحيائى، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عملياً فى غزوة الأحزاب، وذلك بتعاونه مع يهود بنى قريظة فى حماية المدينة المنورة من غزو الأحزاب، وعندما خانوه عاقبهم لخيانتهم وليس لدينهم؛ ليعلم المؤمن فى كل الملل السماوية أن سبيل الشيطان والطاغوت إنما يكون بالإفساد والتخريب والقتل؛ كما قال سبحانه: «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ. إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المائدة: 32-34).
وهكذا يجتمع المصريون المؤمنون بالله والموحدون له سبحانه بكل مللهم وطوائفهم ومذاهبهم، فى حزب الله لنصرة بلادهم وتأمين شعبهم ودحر المخربين الذين وصفهم الله بقوله: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِى الْأَذَلِّينَ» (المجادلة: 19-20).
ولعل جمع الله تعالى المؤمنين به بكل مللهم فى نداء واحد لنصرة حزبه رافع لواء الإصلاح والإعمار، هو ما جعل الإمام ابن الصلاح المتوفى 643ه إلى القول بأن أتباع الملل السماوية السابقة إلى قيام الساعة يوصفون بأنهم مسلمون بالإجزاء، ويوصف أتباع الملة الخاتمة بأنهم مسلمون بالكمال. وذهب ابن تيمية المتوفى 728ه إلى القول بأن أتباع الملل السماوية السابقة مسلمون بالمعنى العام، وأتباع الملة الخاتمة مسلمون بالمعنى الخاص؛ لأن الجميع يسلم وجهه لله كما قال سبحانه: «بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 112)، وقال سبحانه عن سيدنا إبراهيم وبنيه: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 131-133).
إن الشهادة فى سبيل الله هى حلم كل مؤمن بالله تحت أى ملة سماوية، وقد جاء أوانها لهذا الجيل من خير أجناد الأرض فى جيش مصر وشرطتها، فقد كان آخر أجيالهم من الشهداء فى حرب 1973م ضد الصهاينة المعتدين، وبفضل دمائهم الطاهرة عاش المصريون أربعين سنة ينعمون بأمن الله، ويسعون فى طلب رزق الله، حتى ثاروا فى الخامس والعشرين من يناير سنة 2011م ليس إنكاراً للأمن وإنما احتجاجاً على ظهور الفساد الإدارى والمالى، فسرقت ثورتهم من المتربصين الأخفياء، وأمكنوا منهم أوصياء الدين الذين يقولون بقول فرعون، كما يقص القرآن الكريم: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (غافر: 29)، فتأخونت الرئاسة المصرية فى 2012م، وذاق المصريون مرار العنصرية وخطاب التكفير، فاعتصموا بحبل الله وأسقطوا غزاة الإخوان استجابة لقول الله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» (الأنفال: 39)، واسترد المصريون حكمهم لإقامة العدل بدون تجارة دينية فى 2013م، واستدعوا رئيساً أحبوه فى وطنيته قبل أن ينصبوه فى عرس انتخابى مشهود فى 2014م، وظنوا أن قطار إعمار مصر قد انطلق من جديد بدون عوائق، وإن كانت فلا تعدو أن تكون حصوات تدفع بالأقدام؛ لتفاهة شأن المعارضين الإخوان ومواليهم. إلا أن المستور قد تكشف وما أمر الإخوان إلا دميات فى أيدى أعداء مصر والعرب الحقيقيين الذين يريدون سرقة ثرواتهم وبترولهم بأيدى الخونة منهم وعباد المال والسلطان، فظهر فجأة بين عشية وضحاها ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا وليبيا، بآلاف الجنود المدربين والحائزين على أسلحة فائقة التقنية، وغطاؤهم الإعلامى خطاب دينى إرهابى يتستر فى اسم الإسلام بمباركة إخوانية لتبرير وحشية داعش فى حرق الطيار الأردنى حياً يوم الثلاثاء 3 فبراير 2015م، وفى ذبح الواحد والعشرين مصرياً يوم الأحد 15 فبراير 2015م، وبث تلك الوحشية فى الفضائيات لإرعاب المصريين وإفقادهم الثقة فيمن اختاروه رئيساً. إلا أن الله تعالى خيبهم بالقصاص الرادع الفورى بالضربات الجوية من خير أجناد الأرض، على مخازن أسلحة «داعش» ليبيا وشل أيديهم الآثمة، فتكشفت حقائق أخرى بناء على القاعدة الفقهية «إذا ضاق الأمر اتسع»؛ فبعد أن ضاق الأمر على الدواعش المجهولين اتسعت المعرفة شيئاً عن غموضهم عندما أعلنت دول كبرى بدعم من دولة غنية صغرى رفضهم استخدام القوة لإيقاف وحشية «داعش» وإرهابه غير المبرر.
هنا يجب أن ندرك أن ليلة القدر قد فتحت من جديد لخير أجناد الأرض، طلباً للشهادة فى مواجهة أعداء الله ومحاربى الإنسانية وطواغيت الإرهاب والتخريب والإفساد، الذين يتربصون بمصر من شرقها ومن غربها، ومن المحتمل أن يكون أيضاً من شمالها ومن جنوبها، فضلاً عن حرب الداخل بالتفجيرات والمظاهرات فى أخطر معارك وأشملها وأخسها تخوضها مصر على مدار تاريخها الطويل، وما أشبه تلك الحرب المرتقبة بغزوة الأحزاب التى أحاطت بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة فى السنة الخامسة من الهجرة، بعد أن اجتمع عليهم أكبر حشد من قريش وأحابيشهم ومن تبعهم من قبائل العرب فى عشرة آلاف محارب تربصوا بالمدينة المنورة من كل جوانبها، فضلاً عن الخونة من المنافقين فى الداخل، ويصور القرآن الكريم ذلك فى قوله سبحانه: «إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا» (الأحزاب: 10-12). وكان عدد المقاتلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ثلاثة آلاف فقط، إلا أن الله تعالى كتب النصر للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه؛ لأنهم يقاتلون فى سبيل الله لحماية الإنسان وإعمار الأرض، فمهما قل عددهم فهم أقوياء بالحق. أما المعتدون فإنهم يقاتلون فى سبيل الطاغوت المخرب والسفاح، فمهما كثر عددهم فهم ضعاف بالباطل؛ كما قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا» (النساء: 67).
أيها المصريون الشرفاء.. إن باب التعاقد مع الله تعالى فى صفقته الرابحة لنيل مرتبة الشهادة قد فتح لكم بما تستطيعون تقديمه من النفس والمال والكلمة الطيبة لحماية مصر وشعبها من الغزو الطاغوتى التخريبى، الذى يريد معصية الله فينا بإثارة الفتنة وإهلاك الحرث والنسل بلغة الدين الكاذبة، التى حذرنا الله تعالى منها فى قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» (البقرة: 204-205).
ليس أمامنا إلا أن نثبت للدنيا صدق الله تعالى فى قوله: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ» (يوسف: 99)، أو أن نموت دون ذلك شهداء، وحينئذ يتحقق حلم المؤمنين ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن ابن عمر، أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوباً أبيض فقال له: «أجديد ثوبك أم غسيل»؟ قال: بل غسيل. فقال صلى الله عليه وسلم: «البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً».
إن من تفوته فرصة الشهادة فى سبيل الله لقتال «داعش» الإرهابية ومواليهم فى الداخل والخارج ولو بالكلمة الصادقة، سيتأسى على حال موته فى الفراش -بعد عمر طويل- كما تأسى خالد بن الوليد، فيما أخرجه ابن عساكر فى «تاريخ دمشق»، والذهبى فى «سير أعلام النبلاء» عن أبى الزناد، أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال: «لقيت كذا وكذا وما فى جسدى موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنذا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.