تنسيق الدبلومات الفنية 2025 دبلوم صناعة.. الكليات والمعاهد المتاحة ومؤشرات الحد الأدنى للقبول    تراجع معدل تضخم أسعار الجملة في الدنمارك إلى 8.4%    رئيس الوزراء يتابع إجراءات تنفيذ الخطة الاستراتيجية لتحلية مياه البحر    مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: مخاوف من تطهير عرقي ممنهج بالضفة الغربية    متحدث عسكري عراقي: الهجوم على حقلين نفطيين في كردستان يلحاق الأذى بالعراق    الزمالك يخوض مران الغد على فترتين استعدادا للموسم الجديد    هرب من الحر فكان مصيره الغرق.. مصرع طالب بترعة المحمودية في البحيرة    لا نزول بعد الغروب.. إخلاء الشواطئ يوميا الساعة 7 مساء لحماية أرواح المصطافين بالإسكندرية    سماع دوي انفجار داخل محطة وقود برمسيس.. ومصدر يكشف التفاصيل    فيديو.. آمال ماهر تطرح أغنية خبر عاجل وتعود بفستان الزفاف وأغنية الحب الأول في ألبوم حاجة غير    مسلسلات رمضان 2026.. تفاصيل القائمة المبدئية لخريطة الموسم الدرامي قبل انطلاقه ب7 أشهر    المركز القومي للسينما يعلن بدء التسجيل في ورشة التراث في السينما المصرية الروائية    ب«الحجاب».. ياسمين عبدالعزيز تشارك كواليس زيارتها لمسجد الشيخ زايد الكبير (فيديو)    الشيخ خالد الجندي: وصف وجه النبي صلى الله عليه وسلم    محافظ الجيزة: "100 يوم صحة" تستهدف إيصال الخدمات الصحية لكافة المواطنين    التعليم تكشف المواد المطورة للعام الدراسى الجديد.. عربى وإنجليزى أبرزها    بيت الزكاة والصدقات يقدم الدعم ل 5000 طفل بقرى محافظة الشرقية    طرح قطع أراض سكنية بالمجتمع السكنى الجديد غرب طريق الأوتوستراد بحلوان للبيع بالمزاد العلني    انفوجراف | شروط ومستندات التقديم للتدريب الصيفي بالبنك المركزي المصري    120 مليون سنويا.. خالد الغندور يكشف انتقال حمدي فتحي إلى بيراميدز    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. أمين الفتوى يوضح    زيلينسكي خلال الاحتفال بيوم الدولة: أوكرانيا باقية    مرافق الأقصر تحرر 111 محضر ومخالفة خلال حملة مكبرة بشوارع المدينة    مستشفى سوهاج العام تحصل على المركز الثانى فى إجراء جراحات العظام    جمهور رحمة محسن يطالب بالدعاء لها بعد تداول صورتها داخل المستشفى    محمد الحنفى يعلن اعتزاله التحكيم    رئيس الطائفة الإنجيلية: الموقف المصري من نهر النيل يعكس حكمة القيادة السياسية وإدراكها لطبيعة القضية الوجودية    إنطلاق فعاليات حملة "100 يوم صحة" بميدان الثقافة في سوهاج    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    مها عبد الناصر تطالب بالكشف عن أسباب وفاة 4 أطفال أشقاء في المنيا    كريم الدبيس: "كولر" مراوغ وقطعت عقود بلجيكا للانتقال للأهلي    المفتي الأسبق: يوضح عورة المرأة أمام زوج أختها    نتيجة الامتحان الإلكتروني لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. الرابط الرسمي    مصدر ل"مصراوي": كشف جديد للذهب بمنطقة "آفاق" باحتياطي يتخطى 300 ألف أوقية    برينتفورد يضم جوردان هندرسون في صفقة انتقال حر لمدة عامين    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    اليوم نظر محاكمة عامل متهم بقتل زوجته فى الطالبية    بعد حادث «الدائري الإقليمي».. «القومي لحقوق الإنسان» يعقد ورشة حول حقوق العمال وبيئة العمل الآمنة    بحافلة متعطلة.. إسرائيل تلجئ نازحا من طولكرم إلى مأوى من حديد    كل ما تريد معرفته عن كأس العالم للأندية 2029    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر أمورنا وتشرح صدورنا    "الأونروا": ارتفاع معدلات سوء التغذية في قطاع غزة    الإيجار القديم بين الواقع والمأمول.. نقلا عن "برلماني"    9 أضرار للإفراط في شرب الشاي.. لا تتجاوز هذه الكمية يوميا    وزارة العمل: 3 فرص عمل في لبنان بمجالات الزراعة    القومي لحقوق الإنسان يعقد ورشة عمل حول العمال وبيئة العمل الآمنة    «مصيرك في إيد الأهلي».. شوبير يوجه رسالة إلى أحمد عبدالقادر    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن دون تفعيل صفارات الإنذار    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    أخبار البورصة اليوم الإثنين 14-7-2025    ثنائي بيراميدز ينضم إلى معسكر الفريق في تركيا    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    خاص | أسرة حفيدة أم كلثوم ترد على مدحت العدل بعد انتقاده حجابها    بكاء خالد سليم بعد عرض مشاهد نادرة لوالده في «صاحبة السعادة» (فيديو)    مشاركة الرئيس السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي بمالابو تؤكد دعم مصر لأمن واستقرار القارة    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    تعرّف على عقوبة إصدار شهادة تصديق إلكتروني دون ترخيص وفقًا للقانون    «مستقبل وطن» يُسلم وحدة غسيل كلوي لمستشفى أبو الريش بحضور قيادات جامعة القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهادة لأهل التوراة والإنجيل والقرآن
نشر في الوطن يوم 27 - 02 - 2015

جمع الله المؤمنين به فى كل ملة سماوية فى خطاب واحد لأمر جلل، يعرض عليهم فيه صفقة العمر لهم بطلب الشهادة، التى غالباً ما يتعطل تحصيلها فى أزمنة استقامة أحوال الناس وسلامتهم من خيانة بعضهم وغدره وتنعمهم بأمن الله ورزقه؛ إذ لا مجال فى ظل هذا السلام أن يطلب أحد الشهادة، فقد أخرج محمد بن الحسن الشيبانى فى كتابه «الكسب» عن عمر بن الخطاب أنه كان يقدم درجة الكسب فى السعى على المعايش على درجة القتال، يعنى فى أزمنة السلم، فيقول: لأن أموت بين شعبتى رحلى أضرب فى الأرض أبتغى من فضل الله أحب إلىّ من أن أقتل مجاهداً فى سبيل الله؛ لأن الله تعالى قدم الذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله على المجاهدين بقوله سبحانه: «عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ» (المزمل: 20)، فقدم الذين يضربون فى الأرض على الذين يقاتلون فى سبيل الله. وهذا بالتأكيد فى حال انتشار السلام بين الناس حتى يقوموا بواجبهم الإعمارى، الذى قال الله تعالى فيه: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61). يعنى جعلكم عمّارها وبانيها، فإذا شغب القلة بإرهابهم فحسبهم فى الردع بعض جنود الخير المرابطين بجاهزيتهم لتمكين عامة الشعب من استكمال مسيرة العطاء والبناء والإعمار، وهذا ما كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يفضل أن يكون منهم؛ استدلالاً بتقديم الله سبحانه الذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله على المقاتلين فى سبيل الله، الذين لا يحتاج المجتمع الآمن منهم إلا قليلاً.
أما عندما يكثر عدد الإرهابيين ويزداد خطرهم على الآمنين أصحاب رسالة إعمار الأرض واستصلاحها، فإن الله عز وجل يتولى بنفسه النداء على كل المؤمنين به مهما اختلفت مللهم السماوية، فحسبهم الله الذى يجمعهم باسمه ليعرض عليهم خير عرض يحلم به كل مؤمن بالآخرة، وهو طلب الشهادة فى سبيل إعادة الحياة إلى استقامتها، وتمكين الشعب من ممارسة تكليف الله له بإعمار الأرض وعبادة الله بحسب اختلاف الشرائع، حتى تتحقق المنافسة الشريفة فى المزايدة بالخيرات كما قال سبحانه: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة: 48).
إن خطر الإرهابيين عندما يهدد إعمار الأرض فإنما يتوجه إلى حرب الله سبحانه مباشرة؛ لأن الله تعالى هو صاحب هذه الرسالة الجامعة لكل البشر، مؤمنهم وكافرهم، والذين تجمعهم صفة الآدمية المكرمة فى الدنيا كما قال سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ» (الإسراء: 70)، ولا يعطل أصل هذا التكريم إيمان وكفر؛ لقوله تعالى: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (التغابن: 2)، ولكن هذا التكريم يتدرج فى مراتبه يوم القيامة بحسب مراتب التقوى التى لا يعلمها إلا الله، كما قال سبحانه: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13). ويدل على أن الإرهابيين الذين يهددون إعمار الأرض إنما يحاربون الله تعالى مباشرة قوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا» (الآية: 33 سورة المائدة). وإذا كان الله تعالى يحارب من الإرهابيين الذين يرعبون المصلحين، ومن المفسدين الذين يخربون الإعمار، فإن الله سبحانه ينادى كل من يزعم الإيمان به فى ظل أى ملة وأى مذهب بقوله سبحانه: «إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 111). هذا النداء الغالى والثمين يخاطب أهل الإيمان بالله أن يترفعوا عن اختلافاتهم الملّية والمذهبية للتعاون من أجل الوقوف فى مواجهة الخطر الذى يلحق بهم جميعاً، وأن الله تعالى بكرمه وفضله وسعة رحمته، يبشرهم جميعاً بمراتب الشهادة إن باعوا أنفسهم لله حتى قتلوا فى سبيله الذى يشمل الإنسانية بحق الحياة والاستخلاف فى الأرض من دون التمييز الدينى أو الجنسى أو العرقى، وهذا ما وعد الله به فى التوراة والإنجيل والقرآن.
ما أروع هذا النص القرآنى الذى يجمع المؤمنين بالله فى ظل ملة التوراة وملة الإنجيل وملة القرآن لحماية سبيل الله الإصلاحى والإعمارى والإحيائى، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عملياً فى غزوة الأحزاب، وذلك بتعاونه مع يهود بنى قريظة فى حماية المدينة المنورة من غزو الأحزاب، وعندما خانوه عاقبهم لخيانتهم وليس لدينهم؛ ليعلم المؤمن فى كل الملل السماوية أن سبيل الشيطان والطاغوت إنما يكون بالإفساد والتخريب والقتل؛ كما قال سبحانه: «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ. إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المائدة: 32-34).
وهكذا يجتمع المصريون المؤمنون بالله والموحدون له سبحانه بكل مللهم وطوائفهم ومذاهبهم، فى حزب الله لنصرة بلادهم وتأمين شعبهم ودحر المخربين الذين وصفهم الله بقوله: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِى الْأَذَلِّينَ» (المجادلة: 19-20).
ولعل جمع الله تعالى المؤمنين به بكل مللهم فى نداء واحد لنصرة حزبه رافع لواء الإصلاح والإعمار، هو ما جعل الإمام ابن الصلاح المتوفى 643ه إلى القول بأن أتباع الملل السماوية السابقة إلى قيام الساعة يوصفون بأنهم مسلمون بالإجزاء، ويوصف أتباع الملة الخاتمة بأنهم مسلمون بالكمال. وذهب ابن تيمية المتوفى 728ه إلى القول بأن أتباع الملل السماوية السابقة مسلمون بالمعنى العام، وأتباع الملة الخاتمة مسلمون بالمعنى الخاص؛ لأن الجميع يسلم وجهه لله كما قال سبحانه: «بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 112)، وقال سبحانه عن سيدنا إبراهيم وبنيه: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 131-133).
إن الشهادة فى سبيل الله هى حلم كل مؤمن بالله تحت أى ملة سماوية، وقد جاء أوانها لهذا الجيل من خير أجناد الأرض فى جيش مصر وشرطتها، فقد كان آخر أجيالهم من الشهداء فى حرب 1973م ضد الصهاينة المعتدين، وبفضل دمائهم الطاهرة عاش المصريون أربعين سنة ينعمون بأمن الله، ويسعون فى طلب رزق الله، حتى ثاروا فى الخامس والعشرين من يناير سنة 2011م ليس إنكاراً للأمن وإنما احتجاجاً على ظهور الفساد الإدارى والمالى، فسرقت ثورتهم من المتربصين الأخفياء، وأمكنوا منهم أوصياء الدين الذين يقولون بقول فرعون، كما يقص القرآن الكريم: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (غافر: 29)، فتأخونت الرئاسة المصرية فى 2012م، وذاق المصريون مرار العنصرية وخطاب التكفير، فاعتصموا بحبل الله وأسقطوا غزاة الإخوان استجابة لقول الله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» (الأنفال: 39)، واسترد المصريون حكمهم لإقامة العدل بدون تجارة دينية فى 2013م، واستدعوا رئيساً أحبوه فى وطنيته قبل أن ينصبوه فى عرس انتخابى مشهود فى 2014م، وظنوا أن قطار إعمار مصر قد انطلق من جديد بدون عوائق، وإن كانت فلا تعدو أن تكون حصوات تدفع بالأقدام؛ لتفاهة شأن المعارضين الإخوان ومواليهم. إلا أن المستور قد تكشف وما أمر الإخوان إلا دميات فى أيدى أعداء مصر والعرب الحقيقيين الذين يريدون سرقة ثرواتهم وبترولهم بأيدى الخونة منهم وعباد المال والسلطان، فظهر فجأة بين عشية وضحاها ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا وليبيا، بآلاف الجنود المدربين والحائزين على أسلحة فائقة التقنية، وغطاؤهم الإعلامى خطاب دينى إرهابى يتستر فى اسم الإسلام بمباركة إخوانية لتبرير وحشية داعش فى حرق الطيار الأردنى حياً يوم الثلاثاء 3 فبراير 2015م، وفى ذبح الواحد والعشرين مصرياً يوم الأحد 15 فبراير 2015م، وبث تلك الوحشية فى الفضائيات لإرعاب المصريين وإفقادهم الثقة فيمن اختاروه رئيساً. إلا أن الله تعالى خيبهم بالقصاص الرادع الفورى بالضربات الجوية من خير أجناد الأرض، على مخازن أسلحة «داعش» ليبيا وشل أيديهم الآثمة، فتكشفت حقائق أخرى بناء على القاعدة الفقهية «إذا ضاق الأمر اتسع»؛ فبعد أن ضاق الأمر على الدواعش المجهولين اتسعت المعرفة شيئاً عن غموضهم عندما أعلنت دول كبرى بدعم من دولة غنية صغرى رفضهم استخدام القوة لإيقاف وحشية «داعش» وإرهابه غير المبرر.
هنا يجب أن ندرك أن ليلة القدر قد فتحت من جديد لخير أجناد الأرض، طلباً للشهادة فى مواجهة أعداء الله ومحاربى الإنسانية وطواغيت الإرهاب والتخريب والإفساد، الذين يتربصون بمصر من شرقها ومن غربها، ومن المحتمل أن يكون أيضاً من شمالها ومن جنوبها، فضلاً عن حرب الداخل بالتفجيرات والمظاهرات فى أخطر معارك وأشملها وأخسها تخوضها مصر على مدار تاريخها الطويل، وما أشبه تلك الحرب المرتقبة بغزوة الأحزاب التى أحاطت بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة فى السنة الخامسة من الهجرة، بعد أن اجتمع عليهم أكبر حشد من قريش وأحابيشهم ومن تبعهم من قبائل العرب فى عشرة آلاف محارب تربصوا بالمدينة المنورة من كل جوانبها، فضلاً عن الخونة من المنافقين فى الداخل، ويصور القرآن الكريم ذلك فى قوله سبحانه: «إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا» (الأحزاب: 10-12). وكان عدد المقاتلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ثلاثة آلاف فقط، إلا أن الله تعالى كتب النصر للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه؛ لأنهم يقاتلون فى سبيل الله لحماية الإنسان وإعمار الأرض، فمهما قل عددهم فهم أقوياء بالحق. أما المعتدون فإنهم يقاتلون فى سبيل الطاغوت المخرب والسفاح، فمهما كثر عددهم فهم ضعاف بالباطل؛ كما قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا» (النساء: 67).
أيها المصريون الشرفاء.. إن باب التعاقد مع الله تعالى فى صفقته الرابحة لنيل مرتبة الشهادة قد فتح لكم بما تستطيعون تقديمه من النفس والمال والكلمة الطيبة لحماية مصر وشعبها من الغزو الطاغوتى التخريبى، الذى يريد معصية الله فينا بإثارة الفتنة وإهلاك الحرث والنسل بلغة الدين الكاذبة، التى حذرنا الله تعالى منها فى قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» (البقرة: 204-205).
ليس أمامنا إلا أن نثبت للدنيا صدق الله تعالى فى قوله: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ» (يوسف: 99)، أو أن نموت دون ذلك شهداء، وحينئذ يتحقق حلم المؤمنين ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن ابن عمر، أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوباً أبيض فقال له: «أجديد ثوبك أم غسيل»؟ قال: بل غسيل. فقال صلى الله عليه وسلم: «البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً».
إن من تفوته فرصة الشهادة فى سبيل الله لقتال «داعش» الإرهابية ومواليهم فى الداخل والخارج ولو بالكلمة الصادقة، سيتأسى على حال موته فى الفراش -بعد عمر طويل- كما تأسى خالد بن الوليد، فيما أخرجه ابن عساكر فى «تاريخ دمشق»، والذهبى فى «سير أعلام النبلاء» عن أبى الزناد، أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال: «لقيت كذا وكذا وما فى جسدى موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنذا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.