«اللى خلّف ما ماتش». ورث «جمال مبارك» عن أبيه الكثير من الخصال الشخصية، مما برر له أن يفكر فى وراثة حكمه. لم يكن ذلك الحلم وارداً فى مخيلة «الابن» خلال العقدين الأول والثانى من حكم أبيه، ولكن مع زحف الشيخوخة على الأخير، ورغبة الأم فى الاحتفاظ بالدور والقيمة التى تمتعت بها على مدار سنين ك«سيدة أولى»، بدأت الفكرة فى الميلاد والاختمار حتى ترسخت فى ذهن «الابن»، والعديد من الرجال الطامعين من حوله. ومع قرب انتهاء الفترة الخامسة لحكم المخلوع ظن الحالمون، على اختلاف أهدافهم ومطامحهم، أن لحظة القطاف قد حانت، وأن الثمرة استوت على عودها، وبخاصة مع تدهور أوضاع القوى السياسية فى مصر، وتآكل النخبة وذوبان الكثير من أفرادها فى السلطة القائمة، وتمكّن الشرطة من سحق كرامة المواطنين، وإحساس الكثيرين بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وأنه من الخير أن يرث «الابن» حكم أبيه على حياة عينه أو بعد رحيله، واسترجعت الذاكرة المصرية الكثير من الأمثلة التى تكرّس أفكاراً أحبت الأجهزة المساندة لفكرة التوريث أن تنتشر فى الشارع المصرى، ومن بينها «اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش»، و«الولد سر أبيه»، بل ووصل الأمر بالبعض إلى الحديث عن أن أهم مبرر لوجود «جمال مبارك» فى الحكم أنه سرق حتى شبع، لذلك من الأفضل أن يكون حاكماً لمصر، بدلاً من نأتى بآخر يبدأ مسلسل السرقة من جديد! وفى سياق هذا الزخم، بادر الكثير من المحيطين ب«الابن» إلى تغذية الحلم داخله، ومن بينهم «أحمد عز» وعدد من رجال الأعمال، وشعر الأول بأن اللحظة قد حانت، فبدأ الترتيب على قدم وساق لاقتناص الحكم فى الانتخابات الرئاسية التى كان مخططاً لها عام 2011. فى تلك الأثناء كان «المخلوع» يعيش اللحظة فى «شرم الشيخ»، وقد أصبح أكثر استسلاماً لفكرة نقل السلطة لابنه، والاستمتاع باللحظات المتبقية من حياته. ولم يكن أى من الابن أو الأب يعلم أن اللحظات المواتية فى الحياة كثيراً ما تقترن بلحظات أخرى عنيدة!. وقد أدركا ذلك يوم 25 يناير، عندما اندلعت الثورة. لحظتها حاول الأب وابنه التعامل مع الأمر بنفس الطريقة القديمة، مرة بالقمع الشرطى، ومرة بالخداع الإعلامى، ومرة باستخدام البلطجية، لكن اللحظة الجديدة كانت مختلفة، بحيث لم تجدِ معها الأساليب القديمة التى دأب «المخلوع» على استخدامها فى السيطرة على شعبه، حاول وحاول لكنه فشل، أعمل الابن زناد عقله من أجل احتواء الموقف، لكن هيهات، وعندما تعقّد الموقف بصورة تنذر بعواقب وخيمة، لم يجد «المخلوع» غضاضة فى أن يعيش «لحظة انسحاب»، فتراجع ورجاله إلى الخلف قليلاً.