وصل الأداء «اللحظوى» إلى قمته فى عصر «المخلوع»، فقد كان كائناً فريداً فى استسلامه لقدر البلهاء أو ما أسميناه «قدر اللحظة»، بسبب كسله عن التفكير وإعمال العقل، كما أكد ذلك العديد من المقربين منه. وقد افتقد ميزة أساسية تمتع بها كل من عبدالناصر والسادات. فالأخيران لم يميلا إلى التخطيط بالقدر الكافى، لكنهما كانا يتميزان بقدر محسوس من الذكاء فى التعامل مع مقتضيات اللحظة، كان تفكيرهما يصيب فى أحيان ويخطئ فى أخرى، لكنهما فى الحالتين كانا يجتهدان، على عكس «المخلوع» الذى لم يكن يهوى إعمال الذهن، أو الاجتهاد، وهو الأمر الذى صرفه عن الدخول فى أية مغامرات. كان منتهى حلمه أن يعينه السادات سفيراً فى إحدى الدول الأوربية لكى يعيش «عيشة الإكسلانسات»، كما حكى ذات يوم، لكن القدر كان يخبّئ له ما هو أكبر، عندما عينه السادات نائباً له، لم يسأل مبارك نفسه لحظتها «هل هو مؤهل لذلك أم لا؟»؛ فذلك سؤال غير وارد بالنسبة لعقل لا يفكر ولا يخطط، ولا لإنسان دأب على أن تصنعه الظروف! وعندما حانت لحظة اغتيال السادات كان «المخلوع» على موعد مع حكم مصر، وطبقاً لضغوط اللحظة بدأ يصنع قراره، ومؤكد أنك لم تنس بعد حديثه المستمر عن الضغوط التى تتعرض لها مصر (يقصد نفسه)! جملة واحدة زلفت من لسان «المخلوع» كشفت عن سمات الجبلة النفسية التى تميز بها، وهى جملة «ارمى من ورا ضهرك» التى قالها لوزير الثقافة الأسبق «فاروق حسنى»، عندما فشل الأخير فى الوصول إلى مقعد رئيس «اليونيسكو» فى الانتخابات التى مثّل فيها مصر. فهكذا كان يفعل دائماً، يعطّل عقله عن التفكير ويلقى «وراء ظهره»! فإذا واتته اللحظة حاول أن يتحرك من وحيها قدر ما تتيح الظروف، فإن وجد أن التعامل مع الظرف يحتاج إلى بذل جهد انحنى بسهولة للريح، وتراجع من فوره، أما إذا سارت الأمور فى اتجاهه، فإنه يحاول أن يحقق أعلى مكاسب تتيحها اللحظة! فى خطابه الأخير -قبل ثورة 25 يناير- قال «المخلوع» عبارته الشهيرة «خليهم يتسلوا» فى معرض حديثه عن البرلمان الموازى الذى بادرت رموز المعارضة السياسية إلى تشكيله، بعد أن استحوذ الحزب الوطنى «المنحل» على مقاعد مجلس الشعب بالتزوير، قال «المخلوع» ذلك فى لحظة شعر فيها أن بمكنته السيطرة على كل شىء، مستعيناً فى ذلك بدعم الكثير من القوى الإقليمية والدولية له، ومستنداً إلى آلة قمعية شرطية فى مواجهة معارضيه، وآلة إعلامية دعائية فى تنويم مواطنيه. لقد أنساه الإحساس بامتلاك اللحظة لحظة النهاية الوشيكة التى كانت بانتظاره!