ممارسات النظام الجديد الذى أفرزته موجة الثورة الثانية فى 30 يونيو تشهد على أنه بدأ يعمل على إدخال الطبقة الوسطى إلى «حظيرة التأديب» حتى لا تعود إلى الثورة مرة أخرى، يستوى فى ذلك الشريحة «الينايرجية» التى حلمت بالتغيير، أو الشريحة «اليونيجية» التى حاولت إعادة الأوضاع إلى الحالة «المباركية». كلتا الشريحتين تعرضت لنوع من التأديب بعد 30 يونيو، وكانت ساحة الأدب هى «جيوب» أبناء هذه الطبقة التى تجرأت شريحة منها فثارت، وتلكأت أخرى عن نجدة النظام وعجزت عن الدفاع عنه أمام زخم يناير 2011، ربما كان أمر التأديب يتم بصورة غير مقصودة، وقد يكون أحد تداعيات الحالة الاقتصادية التى تمر بها البلاد بعد مرور أربع سنوات على الثورة، لكن المهم أن عملية التأديب المالى طالت بالأساس كل شرائح الطبقة الوسطى. فارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والغاز والبنزين والسولار، وانهيار الجنيه أمام الدولار وتداعياته، وغير ذلك من أمور أدت إلى اشتعال أسعار كل السلع بصورة غير مسبوقة. وهو أمر أضر بالطبقتين المتوسطة والفقيرة، لكن وطأته كانت أشد على «المتوسطة». فالجانب الأكبر من إنفاق الكثير من أبناء هذه الطبقة يتعلق بالخدمات أكثر مما يرتبط بالسلع المعيشية، على سبيل المثال تنفق الأسر المتوسطة الجزء الأكبر من دخلها على مصاريف المدارس والدروس الخصوصية، ولعلك استمعت إلى حديث الرئيس عن حالة المدرسين التى يرثى لها والتى تدفعهم إلى الدخول إلى سوق الدروس الخصوصية بسبب ضعف المرتبات. وهناك أيضاً مصروفات عالية تنفقها هذه الأسر على السكن، بنظام الإيجار الجديد أو التمليك، ولعلك تابعت أسعار متر المبانى فى شقق الإسكان المتوسط التى طرحتها الحكومة والتى وصلت فى بعض الأحوال إلى 4500 جنيه للمتر، ولك أن تتصور تأثير التسعيرة التى حددتها الدولة لهذا النوع من الإسكان على أسعار الشقق المثيلة التى تبنيها الشركات الاستثمارية. لقد التهبت أسعار الخدمات التى تحتاج إليها هذه الطبقة بصورة غير مسبوقة، وتوازى مع ذلك حالة ركود محسوسة سيطرت على السوق المصرية، وضاعفت من إحساسهم بوطأة الأزمة، وشيئاً فشيئاً بدأت هذه الشريحة الاجتماعية تنجر إلى أسفل، وتنضم إلى الشريحة العليا من الفقراء، ولو استمر الوضع على هذا النحو فمن المحتمل أن تهبط أكثر وأكثر على السلمين الاقتصادى والاجتماعى. هل يمكن أن تنجح هذه الإجراءات فى إعادة الطبقة الثائرة إلى حظيرة الطاعة من جديد؟ ربما نجحت وربما أدت إلى زيادة الحنق لديها، وأكثر ما أخشاه حقيقة ونحن نقف على أعتاب الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة يناير التى قادتها الطبقة الوسطى أن يأتى الغضب هذه المرة من طبقة أخرى.. نعم! الطبقة الفقيرة، ربما تكون السلطة قد منحت الفقراء -وهى تعاقب الطبقة المتوسطة- بعض المسكنات، مثل رغيف الخبز، وبعض السلع التموينية، لكن يبقى أن كل هذه العطاءات لم تعد تسمن ولا تغنى من جوع، وقد بدأ الكثيرون يشعرون أن كل هذه الإجراءات لم تكن أكثر من «اشتغالة»! إذا تحرك الفقراء فسوف يختلف الأمر، لأنهم لن يفعلوا مثلما فعلت الطبقة الوسطى، بل سيأتون بالجديد، الطبقة الفقيرة -عكس المتوسطة- ليس لديها حسابات.. وشوف انت بقى!