لعل هناك تعريفات ومفاهيم مختلفة لمعنى الذكاء، إلا أن السائد لدى معظم الناس عندما يتحدثون عن الذكاء، أو يصفون شخصاً ما بأنه ذكى، أنهم يعنون أحد المفاهيم التالية: 1- القدرة على حل المشاكل Problem Solving Ability: وتتمثل فى قدرة المخ البشرى على استيعاب الكثير من المعلومات والخبرات، التى يستخدمها ويوظفها فى حل المشاكل المختلفة، فلو أنك قابلت أحد العلماء البارزين، الذين توصلوا إلى العديد من الاكتشافات والاختراعات المسجلة باسمه، فإنك تصف هذا الشخص بأنه غاية فى الذكاء، ولو استخدمنا الكمبيوتر الذى أصبح موجوداً فى كل بيت كمثال لمخ هذا العالم، فإننا يمكن أن نقول: إن مخ هذا العالم أشبه بالكمبيوتر المجهز ب«هارد وير» Hard ware فى غاية القوة (الهارد وير عبارة عن المكونات الصلبة الأساسية الموجودة والخاصة بالكمبيوتر)، وتماثل فى المخ البشرى العنصر الوراثى الخاص بالجينات التى يولد بها الإنسان، كما أن هذا الكمبيوتر أيضاً مزود ب«سوفت وير»، أى ببرنامج فى منتهى القوة تم تفصيله ليواكب احتياجات المستخدم، ويماثل فى المخ البشرى الخبرات المكتسبة والمتعلمة من النشأة والبيئة المحيطة، التى أهّلت هذا العالِم لكى تكون لديه هذه القدرة الفائقة على تحليل الأشياء وحل المشاكل، والقدرة على الابتكار بناء على ما توافر لديه من خبرات ومواقف سابقة. 2- اللماحية وسرعة رد الفعل Processing Power: وتتمثل فى نشاط المخ، وسرعة استقبال وانتقال المنبهات العصبية، ورد الفعل تجاهها، فعندما ترى تلميذاً نابهاً لديه القدرة على تعلم الأشياء الجديدة واستيعابها بسرعة، والتفكير بمنطق وتعقل، وحل المسائل الرياضية بسرعة ودقة، فإنك تصف هذا التلميذ بأن لديه سرعة بديهة وذكاء شديداً وفطنة، ومثلما استخدمنا مثال الكمبيوتر لوصف المخ البشرى، الذى سوف نستخدمه كثيراً فى هذا الفصل، فإننا يمكن أن نقول: إن هذا التلميذ يملك معالجاً سريعاً Fast Processor، وكذلك ذاكرة جيدة للوصول العشوائى إلى النتائج RAM (Random Access Memory)، لكنه مع وجود مثل هذه الإمكانات فإنه لا يزال يحتاج إلى عدة سنوات من الخبرة والتعلم لعمل ال«سوفت وير» أو البرنامج الخاص به، لتحميله على «الهارد وير» الكفء، وإذا لم يتم الانتهاء من عمل هذا البرنامج بالشكل الأمثل، فإن كل هذه الإمكانات تصبح لا فائدة منها، على الرغم من وجودها. 3- إمكانية تشغيل الذكاء الكامن Intelligence Potential: وتشمل القدرة على استغلال الإمكانات السابق ذكرها فى النقطتين السابقتين؛ فعندما ترى طفلاً أو تلميذاً نابهاً تظهر عليه أمارات الذكاء، ينبغى أن تفهم أن لديك كمبيوتراً بشرياً، أو «هارد وير» عبارة عن شبكة قوية من الخلايا والتفرعات والشبكات العصبية داخل رأس هذا الطفل، هو مولود بها، وقابلة للتحديث مثلما يمكنك تحديث طراز الكمبيوتر من إمكانات «بنتيوم 1»، حتى يمكنها أن تصل إلى إمكانيات «بنتيوم 5» أو أكثر حداثة منه، وبالتالى فعليك أن تضع لهذا الطفل البرنامج المناسب من التعليم والتمرين والتدريب، الذى يتعلم من خلاله الأسلوب الأمثل لحل المشاكل حسب مستوى وسرعة «الهارد وير» المناسب لسنه، ثم تحديثه فى الوقت المناسب مع تقدمه عاماً بعد عام. ويعتقد «هوارد جاردنر»، صاحب نظرية الذكاءات المتعددة، أن المفهوم التقليدى المعرفى للذكاء يقوم على أساس أن الإنسان يولد ولديه قدرة واحدة على الاستيعاب، وهذه القدرة المعرفية الواحدة يمكن قياسها بواسطة اختبارات الأسئلة القصيرة للذكاء أو ما يسمى اختصاراً IQ Test، وهذا المفهوم خاطئ؛ فمن وجهة نظره هو يمكن تعريف الذكاء بأنه: القدرة على حل المشكلات، أو إضافة ناتج جديد يكون له قيمة فى أى من المجالات الحياتية أو الإطارات الثقافية. والعناصر التى ينبغى توافرها فى الشخص الذكى هى: 1- القدرة على إنتاج شىء مؤثر ذى قيمة فى الثقافة والمعرفة. 2- مجموعة من المهارات التى تمكّن الشخص من حل المشكلات بطريقة جيدة وسليمة. 3- إمكانية إيجاد حلول للمشكلات تمكّن من اكتساب معارف وخبرات جديدة. ويرى «جاردنر» أن النجاح فى الحياة يتطلب ذكاءات متعددة ومتنوعة، وينتهى إلى أن أهم إنجاز أو إسهام يمكن أن يقدمه التعليم من أجل تنمية الأطفال هو توجيههم نحو المجالات التى تتناسب مع أوجه التميز الموجودة لديهم؛ حيث يتحقق لهم آنذاك الرضا عمَّا يفعلون، والامتياز والكفاءة لما ينتجون، وذلك بدلاً من الأسلوب العقيم الذى يعتمد على جانب واحد من التقييم، يتم من خلاله تقسيم الطلاب إلى أفضل وأقل ذكاءً؛ فالاهتمام باكتشاف أوجه الكفاءة والموهبة الطبيعية لديهم يمكننا من تنميتها والاستفادة منها. وبناء على ذلك، وصف «جاردنر» العديد من الذكاءات المتعددة التى يمكن الحديث عنها فى مقالات لاحقة.