السعادة والتفاؤل ينبعان من داخلنا، ومعرفة كل منا بالأولويات التى تسعده تجعلنا فى حالة رضا نفسى وسعادة داخلية حتى لو كان ينقصنا الكثير، فالكمال لله وحده، ونضرب مثالاً لذلك بالموسيقى العبقرى «موتسارت» الذى كانوا يصفونه بأنه مريض بداء التفاؤل، فماذا يمكن أن يكون شعور أى فنان أو موسيقى عندما لا يجد فى صالة المسرح سوى عشرة أفراد هم فقط الذين أتوا لكى يشاهدوا عرضاً قيماً بُذل فيه الجهد لعدة شهور، ألا يكفى هذا لإصابة هذا الفنان بالإحباط والاكتئاب والإحساس بالفشل الذريع الذى قد يجعله يتوقف عن نشاطه هذا إلى الأبد، لكن هذا الإحساس لم يتسلل أبداً إلى الموسيقى البارع «موتسارت» الذى توصل العلماء النفسيون من خلال دراسة 600 خطاب تركها فى متحفه فى فترة التسعينات من القرن الماضى، إلى أنه مريض بداء التفاؤل، الذى صنع منه إلى جانب موهبته الفذة عبقريا لا تقهره الأزمات، ولا توقفه الظروف السيئة أو الإحباطات. ولكى يصل الإنسان إلى هذا القدر من التفاؤل ينبغى أولاً وقبل كل شىء أن يثق فى نفسه، ويؤمن بقدراته، وأن يبحث عن الجوانب المضيئة فى شخصيته ويركز عليها، ويقنع نفسه أولاً وقبل الآخرين بها، ولعل هذا أيضا يفرض علينا أن نعامل أولادنا بمثل هذه الثقة والإيجابية، فلا نركز على سلبياتهم لأنهم هم أنفسهم سوف يقتنعون بوجود هذه السلبيات فى شخصياتهم، ويفقدون الثقة بأنفسهم، فعندما تركز على صفة الغباء مثلاً فى طفلك فإنه سوف ينشأ وهو مقتنع داخليا بأنه بالفعل غبى، ولعل إحدى التجارب التعليمية التى تثبت ذلك هى التى استخدمتها إحدى المدرسات فى فصلها لكى تحدد تأثير ثقة الإنسان فى نفسه، وصورته التى يراها لنفسه فى عقله، وأثر ذلك على تفوقه ونبوغه وعبقريته، فقد أعلنت المدرسة للتلاميذ أن هناك أبحاثا علمية أثبتت أن أصحاب العيون الزرقاء أكثر ذكاء وعبقرية من غيرهم من أصحاب العيون السوداء والبُنية والخضراء، وبعد هذا الإعلان، ومن خلال متابعة هؤلاء التلاميذ، لوحظ أن أصحاب العيون الزرقاء قد بدءوا بالفعل يتفوقون فى كل المجالات الدراسية والاختبارات التى يمرون بها، فقد ازدادت ثقتهم بأنفسهم، وحاولوا أن يكونوا على نفس مستوى الصورة التى نظروا إلى أنفسهم بها، وبعد شهرين من هذا الأداء المتميز دخلت المدرسة مرة أخرى وأخبرتهم أنها أخطأت فى إخبارهم بنتائج الأبحاث العلمية التى تتناول علاقة الذكاء بلون العينين واعتذرت للتلاميذ، وأخبرتهم بأن أصحاب العيون البنية اللون هم أكثر الأطفال ذكاء وعبقرية، وبعد ذلك الإعلان ارتفعت معدلات الدرجات لذوى العيون البنية إلى مستوى الامتياز، بينما انخفضت مستويات التلاميذ أصحاب العيون الزرقاء الذين تفوقوا من قبل عندما كانوا يعتقدون بداخلهم أنهم الأفضل، وذلك على الرغم من أنه لا يوجد أى علاقة علمية حقيقية بين لون العينين والذكاء، إلا أن الأمر كله يتعلق بنظرة الإنسان وصورته أمام نفسه التى تكسبه الثقة بالنفس، والدافع لكى يكون على مستوى هذه الصورة المتميزة التى يراها لنفسه. والحقيقة أن الموضوع ليس إيحائيا فقط على طريقة علاج الفنان عبدالمنعم مدبولى أو الدكتور خشبة: «أنا مش قصير قزعة.. أنا طويل وأهبل»، ولكن نظرة الإنسان الإيجابية إلى نفسه تجعله يستخرج أفضل ما فيها، فالمولى عز وجل خلقنا وبداخل كل منا أنواع متعددة من الذكاءات قد يتفوق بعضنا على بعض فى بعضها، وينقص فى البعض الآخر، ولكن المحصلة النهائية أن الحكم العدل قد خلقنا جميعا متساوين فى المحصلة من هذا الرزق الإلهى، ومن أمثلة هذه الذكاءات المتعددة كما وضعها د.هوارد جاردنر، الأستاذ بجامعة هارفارد: (1- الذكاء اللغوى 2- الذكاء المنطقى والرياضى 3- الذكاء المرئى والفراغى 4- الذكاء الموسيقى 5- الذكاء الحركى والجسمانى 6- الذكاء الاجتماعى 7- الذكاء الحدسى 8- الذكاء الطبيعى)، وهناك خمسة أنواع من الذكاءات أضيفت لها. ولأن كلاً ميسر لما خلق له، فإننا نجد أن عالم الرياضيات الحاصل على جائزة نوبل ربما لا يمكنه أن يرتجل خطبة قصيرة فى احتفال عام، فهو ليس لديه الحصيلة اللغوية أو الذكاء اللغوى الذى يمكنه من ذلك، كما يمكن أن نجد الموسيقى العظيم صاحب المؤلفات الموسيقية العبقرية لا يستطيع أن يدير مناقشة أو يرد على أسئلة فى برنامج تليفزيونى بسيط، ويمكن أيضاً أن نجد أن لاعب الكرة الذى يسحر الملايين بلمساته السحرية وأهدافه العبقرية لا يحفظ جدول الضرب ولا يستطيع أن يحسب حاصل ضرب (9×8) بدون آلة حاسبة. إذن فكل إنسان منا يمكن أن يكون متميزاً فى مجال ما، فالأم التى تستطيع أن تهدهد طفلها عندما يبكى، وتعرف كيف تسكته وتدخل البهجة على نفسه، وترسم الضحكة على شفتيه، إنما هى أكثر عبقرية فى ذلك من الموسيقى العبقرى، أو العالم الحاصل على جائزة نوبل الذى لا يستطيع النجاح فى تلك المهمة، لذا فإننى أرفض كلمة المساواة بين الرجل والمرأة، وأفضل عليها كلمة التكامل بينهما. وأخيراً فليرضَ كل منا بما قسمه الله له من رزق، وليبحث عن سمات العبقرية فى داخله، وعما فى نفسه من إيجابيات يمكن إيقاظها بالعمل والتمرين.