لا جدال في أن توافق مصر والسعودية على رؤية متكاملة لقضايا الشرق الأوسط يشكل حجر الزاوية في موقف عربي صحيح، يضبط إيقاع العالم العربي على نحو يحفظ حقوقه، ويقلل من نشازه وخلافاته، ويهيئ مناخا أفضل لتعزيز التضامن العربي وإنجاح العمل العربي المشترك. وبسب توافق مصر والسعودية حول خطوط الأساس الصحيحة للمشكلة الفلسطينية، لا تزال القضية الفلسطينية تمثل قضية العرب الرئيسية، وجوهر أمن الشرق الأوسط واستقراره، رغم محاولات الامريكيين والإسرائيلين التقليل من أهميتها، بدعوى أن هناك صراعات جديدة أشد خطرا على مستقبل المنطقة، تلخصها إسرائيل فيما تطلق عليه تحالف الإسلام الإرهابي وإيران إن تملكت القنبلة النووية!.. وما من شك أن دعم السعودية ودول الخليج ومساندتهما القوية لحق مصر في رفض كل صور الإرهاب، ومقاومة جماعاته ابتداء من القاعدة إلى تنظيم داعش إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها السعودية الآن منظمة إرهابية، شكل الأساس القوي لموقف عربي صحيح تسانده أغلبية العالم العربي، يرفض هذه الجماعات ويدعو إلى اجتثاث جذورها لأنها تسيء إلى صورة الإسلام الصحيح وتشكل خطرا حالا على أمن واستقرار دول الشرق الأوسط. ولا أظن أن المصريين يمكن أن ينسوا المواقف الحاسمة التي أعلنها العاهل السعودي الملك عبدالله في مواجهة ضغوط الأوربيين والأمريكيين على مصر وتهيداتهم العلنية بوقف المساعدات الاقتصادية ومحاولة حصار اقتصادها الوطني، وحرصهم على التأثيرعلي قدرة قواتها المسلحة بمنع تسليم طائرات الأباتشي وإف 16 في مواعيدها المحددة، وربما لهذا السبب تتعرض العلاقات المصرية السعودية لمؤامرات عديدة تستهدف النيل منها، تنشط بأغلبها جماعة الإخوان المسلمين التي لا تزال تشكل خطرا حالا على أمن مصر، وتلعب دور الطابور الخامس في السعودية، تستثمر سطوتها على معظم مؤسسات التعليم الخاصة هناك، وتستغل علاقاتها وجذورها التاريخية في المملكة منذ هجرة الجماعة إلى السعودية إبان الحقبة الناصرية، وتستثمر في ذلك نقاط خلاف جد محدودة تتعلق بالإزمة السورية لتضع مصر ضمن القوى التي تساند بشار الأسد رغم ما فعله بشار بالشعب السوري، رغم أن بشار الأسد لا يعني مصر في قليل أو كثير، وإنما الذي يعني مصر في المقام الاول، الحفاظ على وحدة الدولة والشعب السوري ومنع تفكيك الدولة أو تقسيم الأرض السورية، وعدم تكرار ما حدث في العراق عندما فكك بريمر أول حاكم مدني أمريكي للعراق الجيش والأمن العراقي وكافة مؤسسات الدولة، ليفتح الطريق أمام هذه الفوضى العارمة التي أدخلت العراق في حرب أهلية مريرة، وقودها الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في غيبة جيش وطني يضع الأمور في نصابها الصحيح. ومع الأسف لا تزال آثار الحرب الأهلية تشكل عائقا خطيرا أمام عودة الاستقرار إلى العراق، رغم سقوط ما يزيد على مليون عراقي ضحايا هذه الحرب الكاذبة التي شنها بوش الابن بدواع عديدة، ثبت كذبها، ليحرف الحرب على الإرهاب عن مسارها وأهدافها الصحيحة، وتنتهي بهذا الفشل الذريع الذي جعل من داعش وريثا للقاعدة رغم مقتل بن لادن، وساعد على نشر منظمات عديدة للإرهاب تحمل أسماء وعناوين متعددة على امتداد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسمح لداعش أن تحقق هذا النمو السرطاني الضخم الذي مكنها من أن تحتل أربعة ولايات سورية، الرقة والحسكة ودير الزور وحلب، وتحتل أربعة محافظات عراقية، الموصل والأنبار وديالي وصلاح الدين، فشل القصف الجوي الأمريكي المدعوم بقوة الطيران البريطاني والفرنسي في تفكيك قبضة داعش على أي من هذه الولايات، ولم يؤثر على قدرتها على تحريك قواتها التي تقف الآن على مسافة تقل عن ميلين من مدينة عين العرب في المنطقة الكردية شمال سوريا، وتقف علي مسافة ثلاثة أميال من العاصمة العراقيةبغداد، وتزداد تضخما كل يوم بانضمام العديد من جماعات الإرهاب إلى سطوتها. لايهم مصر بشار الأسد في كثير أو قليل، الذي يعيش نظامه الآن على استمرار الأزمة، بخاصة مع غياب بديل صحيح تطمئن إليه كل عناصر المجتمع السوري، وتثق في أن سوريا لن تقع في ربقة جماعات الإرهاب المتشددة إذا سقط حكم بشار الأسد، والأكثر من ذلك أن غالبية المصريين يعتقدون بضرورة رحيل بشار حتى تتكمن الدولة السورية من تحقيق الاستقرار والأمن، لكن ما يهم مصر أولا ألا تتحول سوريا إلى عراق جديد، بخاصة مع تعدد أعراقها وطوائفها، لأن ذلك يعني أن تأكل الحرب الأهلية الجميع، السنة والعلويين والدروز والشيعة والأكراد وطوائف المسيحيين المتعددة، تأخذ الجميع إلى الخراب وتزيد من اضطراب الشرق الأوسط وعدم استقراره، لأن اختفاء الدولة السورية يرتب أثارا مخيفة سوف تطول نتائجها كل العالم العربي. وبرغم آمال الأمريكيين والغربيين في أن تستولي على السطلة في سوريا قوى المعارضة المعتدلة، فإن الأكثر خطرا واحتمالا بالنسبة لمستقبل سوريا هو تحالف قوى التطرف الذي يضم جبهة النصرة وجماعة الإخوان المسلمين وداعش والعديد من منظمات الإرهاب التي تحمل أسماء مختلفة، آخرها جماعة خراسان التي يدعي الأمريكيون أنها أكثر خطورة من داعش!..، ولا أظن أن من الحكمة إعطاء هذا التحالف فرصة أن يكسب المعركة ضد أي نظام عربي، مهما يكن نشازه، لأن ذلك يعطي لهذه الجماعات شرعية إسقاط كافة الأنظمة العربية التي يعاني جميعها من مشكلات ضخمة، قللت من حجم الرضا العام في معظم المجتمعات العربية، فضلا عن المخاطر العديدة التي تترتب على عملية التفريغ المستمر لعديد من منظمات الإرهاب تجد في بؤرة الأزمة السورية وصديدها عامل جذب مهم ومناخ ملائم يتيح لها فرص التوسع والانتشار!. ولهذه الأسباب تبدو الحاجة ملحة لحوار إستراتيجي بين مصر والسعودية لا يتجاوز أرض الواقع، لكن يمد بصره إلى المستقبل القريب بما يضمن تقليل أخطار الأزمة السورية، وفتح مسالك جديدة لحلها لا تمكن قوى التطرف من أن تكون الأكثر استفادة من الأزمة، بحيث يصبح العرب ضالعين في تشكيل مستقبلهم، لا يتركونه لقوى الخارج يعيدون رسم الخرائط والحدود في غيبتهم بما يزيد الفرقة والانقسام، ويبقى على أمهات الفتن الطائفية والعرقية تشكل عناصر تهديد دائم لأمن الأمة العربية..، ولا أعتقد أن سوريا هي القضية الوحيدة التي تحتاج إلى حوار إستراتيجي مصري سعودي، فثمة قضايا أخرى عديدة لاتقل أهمية وخطورة يحسن إعادة دراستها وتوصيفها، أهمها قضية الأقليات العرقية والدينية والطائفية التي تعيش وسط عالمنا العربي وسبل التعايش الآمن والمتكافئ معها، وقضية الأجيال الجديدة في البلدين، مصر والسعودية، التي لا تزال تخضع لتأثيرات قوى متطرفة تشكل العامل الأهم في تربيتها ونشأتها في غيبة فاعلية نظام التعليم الحكومي، وعجزه عن تربية جيل جديدا يحسن استخدام عقله، إضافة إلى قضية تحسين صورة الإسلام في الخارج التي أساءت إليها الجماعات الإرهابية، ومقاومة حملة الكراهية على الإسلام والمسلمين التي تزداد اتساعا بسبب وحشية داعش، وكلها قضايا إستراتيجية يحسن أن يكون لمصر والسعودية موقف متكامل منها، يضع الخطوط الفاصلة بين ما يجوز وما يتحتم رفضه، ويزيد من فرص تقارب البلدين ويفشل محاولات الوقيعة بينهما، ويساعدهما على الالتزام برؤية واضحة للمستقبل تضبط إيقاع العالم العربي.