فندت دراسات نشرها الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، والدكتور حامد أبوطالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، الاتهامات التى تطول الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بشأن زوجاته ال9. ووضع القرضاوى مقارنات بين نبى الإسلام، وأنبياء العهد القديم، وتساءل فى كتابه «تعدد الزوجات فى الإسلام»: «جاء فى أسفار العهد القديم، أن سليمان جمع بين 700 امرأة و300 سرية، وأن داود كانت له 100 امرأة، فلماذا يصور المستشرقون، وأعداء الإسلام، تعدد زوجات النبى كأنه سبة أو نقيصة؟». وأشار القرضاوى، فى كتابه «النظام الاجتماعى قبل الإسلام»، إلى أن الزواج قبل الإسلام لم يكن له ضابط، ولا قيد، فكان للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء، ولم يكن النبى بدعاً من الرسل، فقد كان بشراً نبياً، تزوج كما يتزوج بنو الإنسان، وعدّد كغيره من الأنبياء، ولم يخالف سنتهم أو ينقض طريقتهم. وأضاف: بعد الهجرة كان النبى بلغ ال53 فتزوج سودة بنت زمعة، وهى امرأة كبيرة، لتكون ربة بيته، ثم أراد أن يوثق الصلة بينه وبين صديقه ورفيقه أبى بكر الصديق، فتزوج ابنته عائشة، تطييباً لنفس صديقه. وتابع: رأى النبى أن وزيريه «أبا بكر وعمر»، ينبغى أن يكونا لديه بمنزلة واحدة، فتزوج حفصة بنت عمر، كما كان من قبل زوّج على بن أبى طالب ابنته فاطمة، وعثمان بن عفان ابنته رقية ثم ابنته أم كلثوم. وأوضح القرضاوى أن حفصة «ابنة عمر» كانت ثيباً، ولم تكن على نصيب من الجمال أو الحسن، وكذلك أم سلمة، تزوجها ثيباً، حيث مات زوجها «أبو سلمة» وكانت تظن أنه ليس هناك من هو أفضل منه، وكان زوجها علمها مما سمع من النبى أن تقول حين تصيبها مصيبة «إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى، واخلفنى خيرا منها»، وحين قالت ذلك بعد وفاة زوجها، تساءلت فى نفسها: من يكون من الناس خيراً من أبى سلمة؟ ولكن الله عز وجل عوضها خيراً منه، وهو محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطبها ليجبر مصيبتها. أما عن زواج الرسول من «جويرية بنت الحارث»، فقال القرضاوى إنه فعل ذلك ليسلم قومها ويرغبهم فى دين الله. وأكد القرضاوى أننا لو بحثنا وراء زواج النبى، لوجدنا أن هناك حكمة هدف إليها من وراء زواجه بكل واحدة منهن جميعاً، فلم يتزوج لشهوة، ولا للذة، ولا لرغبة دنيوية، ولكن لحكم ولمصالح، وليربط الناس بهذا الدين. ويضيف الشيخ: «كان أسرع الطرق إلى دعوة الناس للخير هو الزواج السياسى الذى يكسر العداوات بينه وبين أعدائه، وكان هذا عُرفاً فى جزيرة العرب، وفى العالم أجمع، وما أكثر ما جرت الزيجات». أما عن زواج الرسول بعائشة، أم المؤمنين، وهى ما زالت طفلة، فيقول القرضاوى: «لم يكن النبى (صلى الله عليه وسلم) أوَّل المتقدِّمين لخطبتها، بل سبقه «جبير بن المطعِم بن عدى» وكانت فى عمر الزواج، ولم يكن هناك مانع إذن من أن يخطبها النبى، كما أنّ هذا الزواج كان باقتراح من السيدة «خولة بنت حكيم» على الرسول، وذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه، وهو أبوها أبوبكر الصدّيق، وهو دليل ثانٍ على أن السيدة عائشة كانت فى سنّ الزواج، كما أنّ قريشاً، التى كانت تتربّص برسول الله الدوائر لتأليب الناس عليه، والتى لم تترك مجالاً للطعن فيه إلا سلكته لم تُدْهَشْ حين أُعْلِنَ نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أىّ أمر طبيعى، كما أثبت التاريخ بعد ذلك أن السيدة عائشة (رضى الله عنها) كانت ناضجة تمام النضج، حيث استوعبت سيرة الرسول بذكاء، وكانت سريعة التعلم، بل ونقل عنها الصحابة فيما بعد بعض سيرته صلى الله عليه وسلم. وفى دراسته، أكد الدكتور حامد أبوطالب، أن الثابت فى سيرة الرسول اشتهاره بالاستقامة والتعفف عن الفاحشة، رغم امتلاء المجتمع الجاهلى بشرائح من الزانيات اللاتى كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن عليها «رايات» ليعرفها طلاب المتع المحرمة، ذلك لأن عين السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان، وروى فى ذلك أن بعض أصحابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد مواقع المعازف واللهو فغشّاه الله بالنوم فما أفاق منه إلا حين أيقظه أصحابه للعودة إلى دورهم. ويضيف أبوطالب: أما تعدد زوجات النبى فكان كشأن غيره من الأنبياء له أسباب وحكمة إلهية، فالرسول فى أول زواج له بعد وفاة خديجة تجاوز ال50 وهى السنّ التى تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيّا، وتعلو فيها الحاجة إلى من يؤنس الوحشة. وأشار إلى أن الزوجة الأولى بعد خديجة هى سودة بنت زمعة وقَبِلَ الرسول زواجها حماية لها وجبراً لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة. أما الزوجة الثالثة فهى حفصة بنت عمر الأرملة الشابة التى توفى عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمى فى غزوة أحد، وكان ترمّلها مثار ألم دائم لأبيها عمر بن الخطاب الذى كان يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها يخبوان يوماً بعد يوم. وركزت الدراسة على الزوجة الخامسة وهى زينب بنت جحش حيث أثار المشككون حولها العواصف متهمين إياه بأنه أُعْجِب بزوجة ابنه بالتبنى «زيد بن حارثة» فطلقها منه وتزوجها، ولم يدركوا أن زواج «محمد» من زوجة ابنه بالتبنى إنما كان لحكمة تشريعية أرادها الإسلام لإبطال عادة التبنى التى أسهمت فى تزييف لحقائق الأمور وكان لها آثار غير حميدة بعد تأصلها فى المجتمع الجاهلى، وجاءت تلك الزيجة بأمر إلهى فقد قال الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)، وقد كانت زينب بنت جحش تباهى بذلك ضراتها وتقول لهن «زوجكن أهاليكن وزوجنى ربى من فوق 7 سماوات».