بأدواته البسيطة يجلس ممعناً فى تفاصيله، يمسك بيمينه تلك الملعقة الصغيرة، وبيسراه يقبض على زجاجة فارغة قبل أن يقلب تلك الحبات ذات الألوان المبهجة، وما هى إلا لحظات وتصير بين يديه الرمال كلمات تُبهر الأعين، الرسم بالرمال على الزجاج تلك المهنة التى تعلمها «محمد عبده» قبل ثلاث سنوات -أول مرة وطئت قدماه الغردقة- فأضحت عشقه الأول، على أحد جوانب «الممشى السياحى» -الممتلئ بالقرى السياحية بعاصمة البحر الأحمر- يتخذ الشاب العشرينى مستقراً له، تمر إحدى السائحات فيطالعها مشهد لليل الأهرامات وجمل يغمر الصحراء على مساحة لا تتعدى ربع المتر داخل زجاجة صغيرة فتنجذب لها.. هكذا حال معظم زبائنه الذين يصطفون لمشاهدة ابن «نجع صفر» حينما يخلط رمالاً فسفورية من ألوان برويتان -تستعمل فى المعمار والدهانات- فتكوّن لوحة تجتمع مع مثيلاتها على «ترابيزة» خشبية فتصبح معرضاً فنياً خاصاً ب«محمد». أول ما خطت يداه كانت كلمة «الله أكبر»، الشاب صاحب البشرة السمراء يبيع الزجاجة للمصريين بسعر التكلفة، 25 جنيهاً فقط، فيما يتعامل معه الأجانب بأريحية شديدة، فما يطلبه يحصل عليه بفضل تقديرهم الشديد لفنه، أعماله يزينها بآيات قرآنية أو معالم سياحية، وأحياناً يقتصر الأمر على أسماء «الحبيبة» أو كلمات للترويج للسياحة كرموز للفراعنة. «اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة» دعاء دونه «محمد» على الرمال غير أنه يمثل له ذكرى عظيمة حين التقطتها يد سائح ألمانى كان قد دخل الإسلام حديثاً، فتهللت لها أساريره وراح يشكره واشتراها ب150 يورو، «الترويج للسياحة يكون بالفن مش بالكلام». ثلاث لغات «روسى وألمانى وإنجليزى» هى حصيلة ابن محافظة قنا طيلة ثلاث سنوات قضاها فى الغردقة، ورغم ذلك لا يرتاح فى العمل كمرشد سياحى، صاحب ال24 عاماً، يبدو عليه التدين بمواظبته على الصلاة فى مواقيتها، ويجاهد أن يربأ بنفسه عن بعض ما يسميه «إغراءات» يتعرض لها كثيراً، ويضع صوب عينيه حديثاً للرسول الكريم «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله.. منهم رجل دعته امرأة ذات مال وجمال فقال إنى أخاف الله رب العالمين». رغم أن الثورة تسببت فى تعطيل أحوال العاملين بالسياحة فإنه كان من أكثر المرحبين بها. «كانت انتفاضة عظيمة.. هىّ أثّرت علىّ فى الشغل كام شهر بس جابت الخير بعدها»، انتخابه للرئيس «مرسى» كان سبباً فى طرده من مكانه القديم رغم الإيجار الكبير الذى يتكبده شهرياً، 1800 جنيه، قالولى: «لو هتنتخب مرسى مينفعش تقعد هنا»، لكنه يدعو للرئيس بالنصرة «السياحة بدأت تتحسن.. قبل مرسى السايح ماكانش بيعمل حساب للمصريين، لكن دلوقتى الوضع اختلف».