إذا ذهبت إلى مدينة الشيخ زايد، وتحديداً الشارع الفاصل بين المجاورة «ه» والمجاورة «و» بمركز الحى الرابع بالمدينة، فستكتشف أن وزارتى الإسكان والداخلية قد تحولتا إلى «وجه» تتلذذ إحدى شركات المحمول «بلسوعته» بالصفعات ليل نهار، حيث زرعت الشركة برجاً مخالفاً فى نهر الطريق، ووسط المنازل السكنية، يسد الطريق ويجبر من يريد الدخول للمنطقة على الدوران حوله لكى يصل إلى منزله، وزودته بمولدين للكهرباء يعملان بالديزل، كل منهما يُصدر من الأصوات ما يقلق مدينة، ويعملان على مدار الأربع والعشرين ساعة بلا انقطاع، ويحولان حياة الناس فى المنازل المحيطة إلى جحيم. تتفاوت المسافة بين البرج والمنازل المحيطة به، فالمنزل المثبت أمامه البرج يقع مباشرة أمام مدخل المنزل بفاصل يقل عن مترين ويسد الطريق إلى الداخل، أما المنزلان المقابلان فيبعدان عنه أقل من 8 أمتار، وبالنسبة لى يبعد عن منزلى 12 متراً فقط. لماذا أقول إن البرج يُعد نموذجاً للصفع على «وجه» وزارتى الإسكان والداخلية؟ لأنه أقيم بدون ترخيص، ويستولى على قطعة من الأرض فى نهر الطريق بدون قرار تخصيص، ويعمل بدون دفع رسوم أو إيجار أو مقابل للدولة من أى نوع، وهذا ما اكتشفته بنفسى خلال عشرات الزيارات إلى جهاز المدينة من أجل حل المشكلة، وحينما تمكنت بعد جهود مضنية من استصدار قرار بإزالته يحمل رقم 260 بتاريخ 23 يناير 2014، وأُرسلَ رسمياً فى اليوم التالى لقسم شرطة التعمير بالمدينة للتنفيذ، لم ينفذ القرار حتى هذه اللحظة. فى غضون ذلك لاحظت أن الأمور على الأرض تسير عكس تقدمها على الورق، فكلما تحرك طلب أو صدرت موافقة، أو جرت مخاطبة للشركة بإنهاء الوضع، كانت الشركة ترد «بصفعة» على وجه أجهزة الدولة والناس، فمثلاً: - حينما أوشك قرار الإزالة على الصدور، أضافت الشركة مولداً جديد ليصبح العدد اثنين بعد أن كان واحداً. - فى الأسبوع الذى صدر فيه قرار الإزالة، توسعت الشركة فى المعدات الموصولة بالبرج، وفى محطات التقوية المثبتة عليه لتصبح ثلاثاً بدلاً من واحدة، وفيما يبدو أن شركة محمول أخرى أصبحت تتقاسم معها البرج، بمعنى أن الشركة الأولى لم تكتفِ بممارسة البلطجة فى الاستيلاء على الأرض وتشغيل البرج بالمخالفة لكل القوانين، بل أدخلته فى اتفاقيات الشراكة بينها وبين شركة محمول أخرى. - حينما صدر قرار جديد الأسبوع الماضى من رئيس الجهاز إلى رئيس قسم شرطة التعمير يطالبه فيه بتنفيذ قرار الإزالة، ردت الشركة بتحديث المولدات الموجودة، وسحبت مولداً واستبدلته بآخر حديث، وأضافت أجهزة تكييف جديدة. تطور الواقعة على هذا النحو له معنى واحد، أن الشركة حينما وجهت الصفعة الأولى لوزارة الإسكان ونصبت البرج بلا رخصة، اكتشفت أنها صفعة بلا عقوبة ولا عواقب، فتتابعت الصفعات، حتى تحولت الوزارة وهيئاتها إلى «مضرب» مأمون، أى مكان للضرب بلا عقوبة، و«مغنم» مجانى، أى مكان للغنيمة والكسب بلا عبء، وحينما صدر قرار الإزالة، لسوعت «وجه» الوزارة بمزيد من الصفعات، فوصل إليها قرار الإزالة ولم تكترث، وبدلاً من محول واحد أضافت آخر، وبدلاً من رفع المعدات أضافت إليها وقامت بتحديثها، بل ودعت شركة أخرى للمشاركة فى حفلة الصفع على «الوجه». مع دخول «الداخلية» على الخط، كان الصفع المأمون على «وجه» الإسكان قد منح الشركة ثقة تكفى لأن تجرب صفع الداخلية على «وجهها» أيضاً، فحينما تم استدعاء ممثلى الشركة إلى قسم شرطة التعمير، تراخى ممثلوها عن الحضور وتهاونوا ولم يكترثوا، ثم لم ينفذوا، وكانت أول صفعة على وجه الداخلية، اكتشفت الشركة بعدها أن «وجه الداخلية» كلأ مباح بلا عواقب، تماماً مثل «وجه» الإسكان، فتوالت الصفعات، بدليل أنه منذ يناير الماضى والشركة تُخرج لسانها للداخلية ومؤسساتها المعنية؛ إدارة شرطة التعمير ومديرية أمن الجيزة وقسم شرطة التعمير وقسم شرطة الشيخ زايد، ولا تنفذ قرار الإزالة. ومن خلال زياراتى لقسم شرطة التعمير والاستماع إلى مسئوليه، أستطيع القول إن الشركة تطمئن تماماً إلى «طراوة وميوعة» رد فعل الداخلية ومسئوليها، وعدم وجود أى حساسية لدى الداخلية من الصفع على «الوجه» ليل نهار. كمواطن.. لا أعرف كيف يستطيع وزيرا الإسكان والداخلية ومساعدوهم المعنيون بالأمر، الجلوس فى مناصبهم بينما الصفعات تنزل على وجه الوزارتين وهيئاتهما التابعة من شركة المحمول بهذه الصورة، وهل سيستمر الأمر حتى يتطور الأمر من الصفع على الوجه، إلى الضرب على «القفا»، إلى أشياء أخرى؟ تقديرى الآن أن تصرفات الشركة تنم عن لا مبالاة واحتقار واستهزاء بجهاز المدينة ومسئوليه وشرطته، وحينما أنظر لتفاصيل ما يجرى يبدو لى جهاز المدينة صغيراً إلى الدرجة التى لا يستحق معها أن يكون له رئيس أو مبنى أو موظفون، وأكتاف ضباط الشرطة قد تم قصقصتها حتى لم تعد قادرة على حمل الرتب التى فوقها، أو لقب «رجال إنفاذ القانون». فى النهاية أقول للوزارتين وهيئاتهما التابعة والوزيرين وكل المسئولين بكل الإدارات التابعة: إن شركة المحمول جعلتكم جميعاً فى وضع يصدق عليه الوصف القرآنى البليغ «الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ»، الآية 52 من سورة الزخرف، أى الوضع الذى يجعلكم جميعاً مهانين وصغاراً فى عيون الناس، حتى لا يكاد يتبينكم أحد، مهما كانت المبانى شاهقة، والرتب لامعة والألقاب فخيمة، والمناصب مهيبة.