بسم الدفء الهارب من يديك الي رأسي الست سألت فيروز عن حالي فأجابتها" طل و سألني اذا نيسان دق الباب، خبيت وجيي و طار البيت في و غاب، حبيت افتحلو عالحب اشرحلو، طليت مالقيت غير الورد عند الباب!" (1) الجريدة، الرابعة عصراً " في تلك اللحظات، المقاعد والمكتب والمنضدة بدأوا يتحركون الي الأعلي بتماهل شديد، كمشهد تتأرجح لقطاته يمينا ويسارا بالتصوير البطئ، ملحوظة: أنا لا أمزح!". يثيرُني ولعُك بالتشْكيل، كنت يوما ما أعيره انتباهي، حتي انتزعتني علامتا التنصيص اللتان تزينان وجنتاك حين تضحَكين، عندما تعثرت وأنا اخطو دون رويْة نحو علامات الترقيم التي احتضنتها رموش عينيك الدافعة للجنون، أحاول - بشغف – أن أنسج علي شفتيك جملة اعتراضية خالية من الفواصل، وختامها نقطة رقيقة علي خدك الأيسر. ولكني في تلك الأثناء لازلت أري الأشياء من حولي تتحرك، أسعي الي معرفة ما البدء كان؟ أمرا ما يجول بخلدي ولا اجد الي صرفة سبيلا، في الوقت الحالي، انتهي اجتماع الطبعة الأولي بالجريدة، ومديرو التحرير تمكنت من ملامحهم بعض من الراحة، في حين ترجلت عن مجلسي فور انتهائي من كتابة تقرير كنت اعدة عن انتخابات يعتقدون انها تحدث في بلادنا!، ركضت الي الممر الخالي أمام مكتب رئيس التحرير لأقصْ علي ورقي اشتياقاً يلتهمني حياً نحوك. كيف كان يومك؟ منذ سافرتي وكل شئ أصبح يمتهن النُقصْان، يتغزل بالأشياء من حولي التشوية كأنما تعاقبني علي غياب دوران أنفاسك حولي لأني وافقت علي رحيلك. الأن يطالبوني بالتحري عن خبر لا أعرف من قام بصياغته، ولا أجد انتباها لذلك، فأنا غارق حتي أذناي في عنوان ثبتْيه ذات مرة علي عُنقي وما ذابت حروفه، ضغط العمل اليوم لذيذ علي غير العادة، ربما لأن صوتك منذ البارحة يغازل تركيزي باتقان. .......................... (2) محطة المترو، الخامسة وخمس وأربعين دقيقة مساء منذ سافرتي وقد ذهبت عني الرغبة في قيادة"عزيزة"، أشعر انها هي الأخري محزونة، منذ اليوم الأول لسفرك وهي لا تنفك تشتكي من بطارية الي اطارات الي "شكمان"، صرت اشتم دموعها حين أنظر الي المقعد الخالي الي جانبي واتصورك وانتي تقومين بارجاعه الي الوراء كما تحبين لتتوة أنظارك عبر البنايات واعلانات الطرق، واشبهك أنا ب"السائحة التائهة" في حين تردين ب"حلوف". شريط أغاني سيناترا وماجدة الرومي بدأوا يصدرون أصواتا غريبة منذ أن ابتعدت أُذناك عن سماعهم، ينوْحون ولا يغنون فهلا تحضرين؟! ملحوظة: لم نشاهد الفيلم الذي اتفقنا عليه بعد، حين أعود لا تنسي ان ترسليه قبل ان أتصل بك. القطار جاء الأن، مزدحم بعض الشئ ولكني سأستقله، ربما يفضي في نهاية نفقه الي أطراف الخليج العربي، ربما... سأعود أدراجي وأحادثك. ......................... (3) المنزل، التاسعة مساء عُدْت! هل استيقظتي بعد؟ أعرف كم يدنيك النوم لاحضانه بنهم لمرات عدة في اليوم، هل يتعرض لك الجوع؟ سأحضر لك الوجبة الرابعة لهذا اليوم،أعرف حبك لالتهام الطعام دون ان يعير وزنك هذا الطعام انتباها، أم تريديني أن أنهي تغطية المظاهرة وأمرر الي شرفة منزلك شيكولاتة بابلي وأرحل؟! قد تنزلين الي وقفة احتجاجية وتطوفين الأرجاء لساعات دون كلل أو خوف، ولكنك قد تستسلمين لكسلك اذا اردت توصيل الهاتف المحمول بالشاحن! صمتك التائة في اللاشئ يغريني بعقد المباحثات مع عينيك للوصول الي تفسير، فاذا بك تتفوهين بفكرة في لهجة طفولية، ونظرة تعاند الصواب فتهزمة، قد تدعميها بحركة يديك فتثيرين رغبتي في احتضناهما بشفتاي، أو تركنين الي الصمت فأواري رأسي علي ساقيك. ....... اعرف انه لا يبدو كلامي منطقيا، ولكني في تلك الأثناء أجلس بغرفتي عن يمين أم كلثوم، وعلي يساري فيروز، وزياد الرحباني يشعل سيجارته في ركن بعيد من الغرفة، أما ماجدة الرومي – بتعطيش الجيم لأجل عيونك- فتجلس علي طرف الاريكة بحيائها المعهود، مثبتة يديها علي ساقيها. لا اعتقد اني في حاجة الي قسم صدقيني أنا لم أتعاطي شيئا الا صوتك، في تلك الأشهر صوتك هو المخدر الوحيد القادر علي فصلي عن الوجود وانت بعيدة. عزيزتي! أنا لم أشكو للست أمرا! ولكنها تخبرني الأن وهي تشيح بنظرها جانبا في استنكاف :" أهل الحب صحيح مساكين!" قلت لها:" غلبني الشوق وغلبّني يا ست !" ردت وهي تحاول التنعم علي وجهي بنظرة :" يا سعد اللي عرف مرة حنان الحب وقساوته، ويا قلبه اللي طول عمره ما داق الحب وحلاوته" " والعمل يا ست الستات؟" "الحب كده وصال ودلال ورضا وخصام... اهو من ده وده الحب كده مش عايز كلام.. فاهمني؟!" "فاهمك بس صعب؟!" "في الدنيا ما فيش أبدا أحلى من الحب، نتعب نغلب نشتكي منه لكن بنحب، ياسلام ع القلب وتنهيده في وصال وفراق، وشموع الشوق لما يقيدوا ليل المشتاق، يا سلام ع الدنيا وحلاوتها في عين العشاق!". تنهدت لا أكذب عليك يا عزيزتي، تذكرتك وعدت اسأل الموجودين:" أعينيوني أريد أن اعرف البدء لقد تاه انتباهي عن أمرا ولا أتبينه! اعينوني!" لم تبخل علي جارة القمر، خرجت عن صمتها المرصع بالكمال وأخبرتني:" يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعو صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعو" سألتها وقد أمسكت بابرة وخيط وبدأت تغزل ما لا يعتريني فضولا لأعرفه:" أكتب عن ايه؟ طب ممكن انسي؟ أقدر انسي؟" "جرب انك تنسي وراح تسرق هي النسيان وتفتكر لقيتها يرجعلك اللي كان!" "يا ست ماجدة خبريني اكتب ايه؟" " قولها : انت وانا، انت وأنا، ياريت فينا نطير عجوانح عصافير نطير، عمطارح اللي ما في حدا خلف المدي ما في حدا" صرخت يا عزيزتي في تلك اللحظة، اكاد اجن!، أيتحدثون عنك ولا يدركونك؟! أم انك قد اتفقتي معهم مسبقا؟ استنجدت بزياد الذي نظر لي بلؤم وهو ينفث دخان سيجارة تدلت بثقة من بين شفتية:" قايلي في اشارة، عيونا صوبك بتدل، كل ما بتمرق بالحارة بشوفا بتطلع عالكل، حاج تحلل بحياتك تسلملي تحليلاتك!" رديت عليه:" انتا السبب في الاساس يا زياد انتا اللي وصلت القلم للجواب من سنة!" "وهي؟ شو قالتلك؟" ردت فيروز عليه صائحة فيما تغزل ما تغزل:" قالتله يا ابني: في ناس كتير لكن بيصير ما في غيرة، قالتله انتا الاساسي وبحبك بالاساس يا ابني! قالتله حبيتك تانسيت النوم يا خوفي تنساني اةة شو بدك انتا ؟ معقول فية أكتر؟!" لا استطيع تمالك حالي الأن ربما حين زادت تنهيدتي قالت الست وقد قررت ان تنظر لي اخيرا:" آه منه الهوى سهران الهوى.. يسقينا الهنا.. ويقول بالهنا" أخبرت الغالية أني افتقدك، أخبرت صاحبة الاسم الاعجمي اني افتقدك، اخبرت عاشق التشجيع اني افتقدك، أخبرت حديقة المطار التي تستجدي مننا رقصة أخري علي "كلمات" انني افتقدك، أخبرت سور قصر البارون الذي ينادينا كي نقفز فوقه ثانية انني افتقدك، أخبرت الحرية، وزهرة البستان،والحسين، والحاكم بأمر الله والمنيل، واخبرت الدنيا باسرها انني قد انهكني الاشتياق الي لمسة يديك. حدثتني الأرقام عن مصادفات كتلك التي تجرعنا من جمالها اشهرا، لقد اعتدت انتظارك في كل شئ، بدءً من أمام درجات منزلك قبل ان تنزلين، وصولا الي أي شئ أخر، ولكنك انتظرتيني واحد وعشرين يوما كي اعتذر عن تاخري عن حضوري الي العالم، وانتظرتك اثنتي وعشرين عاما كي تحضري أنت الي عالمي. "أتيت الي الكرة الأرضية بنيسان يوم الثلاثاء وكذا أتيت انا بعدك ب21 يوما بنيسان يوم ثلاثاء ولقاءنا الاول بتشرين الماضي كان يوم ثلاثاء!" أتذكرين حين قلت لك كيف أشعر ان كل الأشياء حولنا تشبهنا؟، تملك نفس الأشكال والمفردات؟ الشجر والعواميد والطرقات؟ أما أنت.. فتتوة أمام ذكراك الأقاويل وتتمنع التشبيهات، اياك ان تنسي انك تجودين علي البشرية بالخلود الخلود في كل مرة تحركين فيها يديك في الفراغ؟ اولا تعلمين انك ليس كمثلك شئ؟ لماذا ركض بجوارنا الشاب والفتاة عند سور المطار؟ لماذا ازدحمت الشوارع في طريقنا لاحضار تليفونك؟ هل كان مخططا كي اكتشف الممر؟ الخيط الرفيع الفاصل بينك وبين الألوهية يعدني بنعيم تدور أصداءة بين أزقة الحسين وممرات وسط البلد وكوبري ستانلي في الخامسة فجرا، وحرف الراء وأة من حرف الراء حين يتأرجح اسمي بدلال علي لسانك! سألتني فيروز:"ليش التّعب باين على عيونك؟ تخمين ما بتنام؟ نعسان يا امّا مدبّله جفونك، كترة الأحلام؟، الأزهار عم تتهامس بسّرك، ع مكاسر الميّي، والبنت ياللي شاغلة فكرك، عرفناها مين هيّي، متل ما الوردة بصفا الغدران، بتشوف صورتها، عيني بعينك شايفة ألوان، صورة محبّتها، الله معك، الله معك!" وفي مرحلة ما، بقليل من الانتباة، أخبرني الاربعه: الست، جارة القمر، ماجدة، زياد عن "البدء الذي كنت ابحث عنه لأكتب لك يوم ميلادك.. آلم أخبرك أن ملحمة "الف ليلة وليلة" من مقام موسيقي يُدعي (فرح فزا)؟! نعم، صرت أحبك أكثر من الموسيقي كما سألت بسمة أسر ياسين في "رسايل البحر". ورغم اني" بشتقلك لا بقدر شوفك ولا بقدر أحكيك وبندهلك خلف الطرقات وخلف الشبابيك" وتأكيدا علي أن "لا طول بعدك يغيرني ولا الأيام بتبعدني بعيد عنك" فأني اقول لك، أنه في البدء كانت عيناك، كان السفر المرسوم علي ملامحك المنحوتة علي أناملي وتهت بين ثناياها، في البدء كانت ضحكتك التي تحاصر أفكاري، نعومة يديك التي تلاحق خيالي، شفتاك التي تعصف باتزاني، في البدء كانت غيرة الملائكة ورب العرش من جمالك الذي ألهي عبد من العباد عن المعبود، فأني أعوذ بحضنك من العالمين .. في البدء كان أنت .. وانت فقط دون نساء العالمين من سأحملها علي كتفي وأتبع ضوء القمر .. يا قمر الحلويين، يا زهرة بتشرين في البدء كانت فرح، وكفي بك كل شئ.. ............................... (4) الحادية عشر وخمس وخمسون دقيقة ليلاً دقائق وسيحتضن عمرك ثلاث وعشرون ربيعا، سأزرع علي جبينك ثلاثة وعشرين قُبُلة، لقد عشت قبل سفرك فصول السنة ثلاثة وعشرين مرة حين كنْا معا، كل عام وأنت درة الأعوام، ولكني لازلت أبحث عن طريقا يدنيني الي يديك عبر قارات خمس، قريبا، سألقاك، سأتيك مهرولاً، حتي وأن رأوة بعيدا، فأني أراه قريبا، وانا – والنجم الذي زيْن عينيك- لعاشقون. عدت أسأل الست : "قُرْيب هيبطل فراق المسافات يسقينا؟!" ردت قائلة:" وغير شموع الفرح ما هتشوف ليالينا.. مش بستان الحب عمره طرح غير الهنا؟" جاوبتها:" وغير الفرح". 2 أبريل/2014