محافظ أسيوط يستقبل نقيبي المهندسين والأطباء لبحث سبل التعاون المشترك    نتيجة تنسيق تقليل الاغتراب المرحلة الثالثة 2025.. رابط وزارة التعليم العالي الرسمي    مصر وفرنسا تبحثان إطلاق 100 مدرسة مصرية فرنسية لتعزيز التعليم العام والفني    لنشر الفكر الوسطي ونبذ العنف، رئيس منطقة الإسماعيلية يستقبل قافلة مجمع البحوث الإسلامية (صور)    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لمواجهة موسم الأمطار والسيول    «التضامن» تقر قيد تعديل 4 جمعيات في محافظة البحيرة    وسط ترقب قرار الفيدرالي.. انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف تعاملات الأربعاء    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    أستاذ إدارة مياه: الذكاء الاصطناعي يرفع كفاءة الإنتاج الزراعي    أحصنة وحرس شرف وعرض جوي.. بريطانيا تستقبل ترامب بمراسم غير مسبوقة    قصص متفوتكش.. تحرك مفاجئ للزمالك بعد إصابة إمام وصدمة شوبير.. وغضب جون إدوارد    شوبير يصدم جماهير الأهلي بشأن إمام عاشور: تناول وجبة فاسدة ومدة غيابه ليست قليلة    إنزاجي: ندرس ضم مهاجم جديد للهلال    المرور يضبط 1174 مخالفة و10 سائقين متعاطين على "الإقليمي"    قرار قضائي جديد في اتهام ميدو بالتشهير بالحكم محمود البنا    خلال تصوير برنامجها.. ندى بسيوني توثق لحظة رفع علم فلسطين في هولندا    مخرجة وين ياخذنا الريح: الجونة أول من دعم الفيلم وفخورة باختياره    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    انتعاشة في حركة التفريغ والشحن في ميناء دمياط    الصحة: إصدار 776 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة 6.3 مليار جنيه في شهرين    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    «عودة دي يونج».. قائمة برشلونة لمباراة نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    أيمن الشريعي: علاقة عبد الناصر محمد مع إنبي لم تنقطع منذ توليه مدير الكرة بالزمالك    إسرائيل تعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا| لمدة 48 ساعة    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 13 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    مصرع شخصين وإصابة آخر فى اصطدام قطار بدراجة نارية بالشرقية    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    الفنان عيد أبو الحمد يتعرض لأزمة صحية.. و«المهن التمثيلية» تستجيب لاستغاثته (تفاصيل)    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    2 أكتوبر.. انطلاق فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان هي الفنون    جيش الاحتلال: قصفنا أكثر من 150 هدفًا في غزة خلال اليومين الماضيين    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    بدء الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في الشرقية    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    بعد إصابة إمام عاشور.. طبيب يوضح أعراض التهاب الكبد الوبائي وفترة حضانة الفيروس    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة يستقبل وزير التعليم العالى والبحث العلمى    «طلبت الطلاق أمام البنات».. ضبط «جزمجي» أنهى حياة زوجته في الغربية    كندا: الهجوم البري الجديد على قطاع غزة «مروع»    ارتفاع مخزونات الشركات في أمريكا خلال يوليو الماضي    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عفيفي يكتب ل "حرارة" : أنت عين وأنا عين .. ونشوف سوا مصر الجديدة
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 12 - 2011

لا أعرف كيف سيتم نشر هذا الموضوع ، فهو ليس بمقال كما تعوّد القراء مني ، وليس ايضا بخبر ، لكنه نوع من المناجاة الإنسانية ، أناجي المولى تعالى أن يلقى عرضي هذا قبولا ، ولا يظنني البعض مدّعي بطولة ، او انني أسعى الى الشهرة ، فقد تخطيت هذه المرحلة من زمن طويل ، فالعمر قد اقترب من الستين ولا يبقى للعاقل في هذا السن الا التقرب الى الله ، ورمي الدنيا خلف ظهره عساه سبحانه ان يغفر لي ذنوبي الكثيرة.

كما قلت قبل ان اكتب ما سوف تقرأونه لا أعرف في اى زاوية او باب سينشر، فبعثت برسالة الى أخي وصديقي الأعز الاستاذ ابراهيم منصور رئيس التحرير التنفيذي لأترك له حرية التصرف في الطريقة التي سينشر بها كلماتي ، وهو أقدر مني وأعلم بمثل هذه الامور .. المهم عندي ان تصل الرسالة الى من أعنيه بها .. وهو أخي الذي لم تلده أمي ، والصديق الذي لم أتشرف بلقائه يوما ، والحبيب الذي فدى حبيبته مصر بنور عينيه.
الى الدكتور احمد حرارة أبعث بهذه الرسالة لعلها تصله ويقرأها .. و"لايكسفني " برفض رجائي ويعلم الله كم أنا صادق فيه.

العزيز الغالي احمد حرارة .. لن أضحك عليك وأقول أن الامر كان سهلا ، وان القرار اتخذته دون تفكير .. لا .. فكرت وحسبتها وراح عقلي وجاء ، بل اكثر من ذلك .. قمت بعمل تجربة مبدئية فأغمضت عيني اليمين لأرى باليسرى ، فكأن نصف الدنيا قد اختفت من أمامي .. أمسكت بجريدة اقرأها فوجدت صعوبة .. جئت بقلم وورقة وكتبت ولازالت اليمين مُغمضة ، فشعرت بوجع وصداع .. قلت في نفسي أجرب الشمال وأغمضها ، فلم يتغير من الأمر شيئ .. فأدركت هذه النعمة التي لا تُقدر بمال ان ترى بعينيك الاثنتين .. ياسبحان الله ألهذه الدرجة تأخذنا الدنيا ونغضب من توافه الأمور ونتعصّب ونتشاجر ، وقد منّ الله علينا بنعم كثيرة لاندرك قيمتها ونعتبرها أمرا عاديا .. عينان تبصران ولسان يتكلم وآذان تسمع .. ويد تكتب وتأكل .. وقدمان تسيران الى حيث نريد .. ولم نجرّب ماذا سيكون حالنا اذا حرمنا الله من واحدة فقط من هذه النعم .. لكن كله مقدور عليه الا البصر .. فأصعب شىء في الدنيا السواد .. والليل نحبه اذا حلّ النهار بعده ، لكن ان يُفرض علينا فرضا ولا نرى غيره ، فالامر صعب وغير محتمل.

بعين واحدة شعرت ان شيئا كبيرا ينقصني .. اليمين زي الشمال .. لا فرق ، وعندما رأيت ابتسامتك الجميلة المستبشرة شعرت بخزى شديد .. رأيتك اكثر مني سعادة واكثر رضاء بما قدّره الله عليك ، وقد فقدت نور عينيك .. فكيف تضحك من قلبك دون تمثيل ، وانا في احيان كثيرة اغضب واثور وأرى الدنيا سوادا في سواد لأمور راحت او جاءت تافهة .. حسدت شجاعتك وإيمانك .. ولم تُتح لي ولا لغيري فرصة التعاطف معك .. تعاطف إيه ياعم .. ده احنا اللي عايزينك تتعاطف معانا وتواسينا على الخيبة اللي احنا فيها .. عندنا كل حاجة وحاسين اننا ناقصنا كل حاجة .. وانت فقدت عينيك الاتنين وتشعر انك تملك الدنيا بما فيها .. انت جنسك ايه يا أخي .. ربنا يزيدك من نعيمه وينوّر بصيرتك كمان وكمان.

ابو حميد م الآخر واقسم لك بالله .. لاهى عزومة مراكبية ولا ادعاء بطولة ولا طمعا الا في إرضاء ربنا .. قررت يا بو حميد ان اأعطيك عينا واحدة من الاتنين .. يمين شمال اللي انت عايزها .. خدها .. متغلاش عليك .. ورحمة امي وابويا با تكلم جد وبمنتهى الصدق والإخلاص .. فحينما اغمضت واحدة لأختبر قدرتي على التعامل مع الأشياء بالاخرى فقط .. رأيت رغم الصعوبة ان ذلك ممكنا .. فما حالك انت وقد اغمضت الاثنتين رغما عنك .. انت عين وانا عين وحنشوف سوا .. نص نص أحسن من مفيش .. بس يا ابو حميد اللي أوله شرط أخره نور .. وان كنتوا اخوات اتحاسبوا .. انا معيش فلوس للعملية .. صحيح انا عايش في الكويت واسرتي في مصر ، لكن اللي جاى على قد اللي رايح ومش مكفي كمان .. ولو معايا بزيادة ، اقسم لك بالله مش حتأخر .. والجودة م الموجود .. خدها يا ابو حميد .. وانا راضي ومرتاح .. صحيح هى مش 6 على 6 وده بحكم السن ، فأنا لا استغنى عن نظارة القراءة .. وهى "خضرا " ياعم .. كنت زمان بتعايق بيها وبشعري اللي طار.. وانت كمان شعرك غضب وتركها لك صلعاء مثلي .. بس مش مهم اللي ع الرس .. المهم اللي في الراس .. وانت دماغك ما شاء الله مليانة حب وعلم وحرية وايمان مطلق بأن بكره أحلى كتير من النهارده .. واذا ماكنش أحلي حنحلّيه احنا غصب عن عين المجلس والحكومة واللي ميتسموش.

وبمناسبة " الصلعة " حا اضحكك .. كان ابني محمد عنده 3 سنين ودلوقتي يربنا يخليه فوق العشرين .. سألني مرة : هى مامتك يابابا كان شكلها ايه .. فقلت له : كانت شبهي بالضبط ، فقال بعفوية جميلة ودون تفكير : يانهار اسود يابابا .. هى امك كان قرعة.
اضحك يا احمد وخليني اضحك معاك .. عايز اتشرف يا أخي وأعتز بنفسي واحس اني عملت حاجة واحدة مهمة في حياتي .. صحيح انا بقلبي مع الثورة والثوار .. وكتبت كثيرا لأبث الهمة في نفوسهم .. لكنني في حقيقة الأمر لم افعل شيئا اراه ذا قيمة .. أروح انا فين جنب اللي استشهد واللي جاله شلل .. أروح انا فين جنبك انت تحديدا .. فقدت عينيك .. واحدة في 28 يناير والتانية في معركة محمد محمود .. فاذا اعطيتك عينا فسوف أرى بالأخرى ما عجزت عن رؤيته بالاتنين .. فلا تبخل علي بهذا الجميل الذي واقسم لك لن انساه ماحييت.

انا عشت حياتي كلها لا افعل شيئا ذا قيمة .. صحيح اتعلمت واتجوزت وربيت عيالي احسن تربية ، لكنني كنت مثل جيلي أخرس .. جبان وخائف .. اشوف الظلم والخراب معشش في البلد واقول في نفسي : هو انا يعني اللي حا فتح عكا .. ما دام الكل ساكت .. اشمعنى انا اللي حاعمل فيها ابو زيد الهلالي .. جيل جبان متواكل .. كان فاكر الرجولة في الزواج والإنجاب ، مع ان الكلاب نفسها بتعاشر اناثها وتُنجب .. مش عبقرية يعني اني جبت عيال .. العبقرية الحقيقية شفتها فيك انت وفي غيرك من شبابنا اللي زي الورد .. احرجتونا يا ابو حميد وكشفتوا ضعفنا وقلة حيلتنا .. عشان كده امنحني هذا الشرف وخليك جدع كعهدك دائما واقبل عرضي المتواضع .. خليني احس ولو مرة واحدة في حياتي اني راجل بمعنى الكلمة.. وزي ما قلت لك مش بطولة والله .. فانا عمري 57 سنة .. فاضل كام يا عم احمد ؟ .. مش قد اللي راح ، وسوف أوصي زوجتي اذا حلّ الأجل ان تأخذ انت العين الاخرى.

حاحكيلك حكاية سريعة ومش بعيد كتير عن موضوعنا .. كنت مسئولا عن قسم التحقيقات الإنسانية في مجلة " كل الناس " .. وهذا الباب قرّبني كثيرا من أوجاع البشر والغلابة ، وبفضل ربنا استطعت ان أساعد الكثيرين من خلال هذا الباب الإنساني النبيل .. وللاعتياد على التعامل مع هذه النوعية المسكينة قلّ الانفعال التقليدي الذي كان يصادفني في البدايات .. فكنت أوظّف مهنيتي وحرفيتي في الكتابة للتأثير على القارىء الكريم المعطاء .. غير أني مرة واحدة بكيت لحالة صادفتني ، وكلما تذكرتها دمعت - دون إرادة مني - عيناى .. سأحكي لك : جيهان كانت فتاة زي القمر وعمرها 18 عاما وكانت مريضة بسرطان العظام - واحدة من ضحايا نظام مبارك القذر - .. حين طالعت صورتها قبل ان أراها بهرني جمالها .. وحين رأيتها وقد تمكّن منها المرض زلزلت كياني .. الجسد الجميل الممشوق صار جلد على عضم والشعر الاسود الطويل لم يبق في رأسها منه شيء ، وكانت تصرخ من الألم .. وابوها فقير والأطباء أخبروه ان أمامها على الأكثر شهر واحد وتموت .. وكل ما كانت تحتاجه مني جيهان - وهنا المأساة الحقيقية - 5 حقن .. الواحدة ب 500 جنيه .. لا لكي تشفى ويزول المرض الخبيث عنها .. لكن لكي لا تتألم الى ان تصعد روحها الى السماء.
تخيّل يا احمد الموقف .. اعتاد منى القراء وقتها ان اطلب تبرعا لكي نساعد في شفاء مريض .. لكن ان اطلب تبرعا لكي نساعد مريضا على الموت دون ألم .. فقد صدمت بموضوعي عن جيهان كل صاحب قلب رحيم وغير رحيم ايضا ، وما من أحد اتصل بي بعد النشر إلا وهو يبكي ويرجوني ان أسرع بشراء الحقن كي تموت جيهان بسلام!.
وماتت جيهان قبل انقضاء الشهر .. واذكر أخر مرة زرتها قبل ان تودع الدنيا بيومين ان قابلتني بابتسامة عجيبة وعيناها شاكرة وقالت لي : اللي انت عملته معايا مش ممكن اقدر اوصفه .. كفاية اني حاموت وانا مرتاحة مش حاسة بألم. . يومها قبّلت يدها وخرجت وعيني دامعة وانا اشعر انني لن أراها مرة اخرى.

شعرت وابوها يخبرني بوفاتها ان حقها في رقبة مبارك .. ولم اشعر ان ربنا جاب لها حقها الا من خلالك انت والجدعان اللي زيك .. وأخر حاجة حاقولها لك : وحياة جيهان .. البنت الجميلة اللي قتلها مبارك بالسرطان .. متكسفنيش .. انت عين وانا عين .. ونشوف انا وانت مصرالجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.