لا أتصورُ أن يمرّ شهر نوفمبر دون أن أكتبَ مقالي السنوي لفيروز في عيد ميلادها. لكنها شؤون الثورات! حين يضربني الحنينُ إلي مصرَ، وأنا خارجها، أستمعُ إلي أم كلثوم وعبد الوهاب. وحينما يضربني الحنينُ إلي الإنسانية والطفولة، أُنصِتُ إلي "فيروز"، عصفورة الشمس رمز العذوبة والبراءة. 21 نوفمبر، في مثل هذه الأيام الخريفية الجميلة، التي تقف علي الخط المراوغ بين الصيف بخيوطه الصفراء الحادة، والشتاء بخيوطه الرمادية الحزينة، كانت هديةُ السماء للأرض المنذورة للوجع والأحزان، فمنحتنا "نهاد حداد"، الطفلة الجميلة التي ستغدو في مقبل الأيام: فيروز، جارة القمر. كلَّ عام، في عيدها، أُهديها مقالاً أنشره في إحدي الجرائد الكبري؛ أحكي لها عن مكانتها الرفيعة في حياتي وكيف غيّرت في تركيبتي المِزاجية والروحية، وأخبرها كم أنا مَدينةٌ لها بالكثير. هذا العام فكرتُ علي نحو مختلف. طلبتُ إلي قرائي أن يكتبوا برقيات حبٍّ لفيروز، لأنشرها في عمودي "زهرة"، فتكون زهرة نقدمها، لفيروز، علّها تسمع أصواتنا العديدة تشدو لها نشيدًا جماعيًّا، بدلا من أن تسمع صوتي منفردًا. ولم أصدق كم ما وصلني من كلمات حب، عبر الإيميل وتويتر وفيس بوك. أنقل هنا بعضها، وليسامحني مَن لم تتسع له مساحة عمودي. مينا نبيل: "لو كانت فيروز في مصر في زمن الفراعنة لاستحقت أن تكون ربّة الغناء." د. نجوان محمد: "صوت أحلامنا وذكريات حبنا." ريمون سمير: "فيروز هي فنُّ صناعة الحب والجمال بصوتها الملائكي الذي يعطي للحياه لونًا وفرحًا". أسامة عمران: "ولا تزال القيثارةُ تشدو في عمر مديد." د. شارل بشري أستاذ أمراض القلب: "سيدتي الرائعة المنذورة للجمال، كم نحن محظوظون بوجودنا في عصرك. كم نحن ممتنون لخالقنا المبدع الذي أهدانا صوتك الحاني. كم تُعجزنا الكلمات أن نشكر من هيأ الزمان والمكان وصاغ انصهارك مع الرحابنة العظام ومن بعدهما المبدع زياد لتنيروا ليالينا بأقواس قزح مبهرة تملأ حياتنا بالفرح والبراءة والطوباوية. يكفيني شرفًا أن يُكتب في سيرتي الذاتية أنني عشت عصر فيروز." أحمد فواز: "يا فيروز، حبيتك تانسيت النوم." سامح النواح: "علمني أعزُّ أصدقائي عشق فيروز، ثم رحل عني، وبقيت أغاني فيروز." محمد ربيع: "أطال اللهُ لنا عمر مَن لا نسمعها إلا بطقوس خاصة." هايلا السليمان: "علمتني فيروز أبعادًا جديدة للحب لم أكن أعرفها. الله يسعدها بقدر ما أسعدت الملايين." حسين البكري: "فيروز، يا جارة القمر يا قيثارة السماء يا سفيرة البشر إلي النجوم، كل سنة وأنتِ سالمة." رانوا الماسي: "يا سيدة القلوب المتعبة، أغتسل بصوتك كل صباح." محمود إبراهيم: " أشعر أني انتقلت إلي عالم آخر نقي عندما أغمض عيني وأسمع صوتها." روماني رخا: " دُمْتِ لنا صوتًا سمائيًّا يخلو من شوائب الأرض." وجاءت رسائلُ تنشد الأمل في صوت فيروز. إسكندراني: "مازلتِ قادرةً علي إخراجي من أسوأ حالة مزاجية. دمتِ ودام صوتك يصدح لشط إسكندرية." مثلما جاءت رسائلُ قانطةٌ تبثُّ حزنها علي حال مصر الراهنة في صوت فيروز. أوشي صبري: "كان نفسي أحضر لك حفله في مصر. بس نعمل ايه مبقناش وش حفلات! كل يوم واحد فينا بيمشي في جنازه التاني!" وتسألها نورا نصيف ورونالدو: "متي تعود لمصرَ شمسُها الذهبُ؟" ويسألني أشرف عازر: "ممكن حضرتك تقولي لفيروز: رُدني الي بلادي؟" أما فارس شريف فيقول: "ليت الظلم والفقر يستمعان إلي فيروز لكي يرحلا عنا." أكتبُ مقالي هذا من مقهي "بيتا باراديس" بمدينة أنهايم/كاليفورنيا. سألتُ النادل الأردني أن يشغّل لنا أغنية لفيروز لأن اليوم عيد ميلادها. فقال لي النادل نسيم عُبيدات مبتسمًا: "تكرم عيونك، بشرط، أن تقولي لها، عيشي ألفَ عام يا فيروز!"