شىء ما لا يريحنى -من الناحية الشكلية على الأقل- فى ظاهرة المحلل السياسى اللوذعى، والخبير والمصفّى والمثمّن الليبرالى «حسن نافعة». أولاً: هو يعتقد أن ل«المحلل» وظيفتين: الأولى هى نقد وتفكيك واستبطان الظواهر والأحداث السياسية، وهى الوظيفة التقليدية التى أنشئت من أجلها كليات ومعاهد ومراكز أبحاث. والثانية تشبه وظيفة عادل إمام فى مسرحية «الواد سيد الشغال»، و«المحلل» فيها شخص بلا حيثية اجتماعية أو مهنية فى الغالب، وبلا أى طموح طبقى محتمل، لذا يلجأ إليه أهل الزوجين بعد الطلاق الثالث وهم مطمئنون فى البداية: «المأذون اللى هيكتب الكتاب بالليل هييجى الصبح عشان يطلق.. عايز كام يا سيد؟». لكنهم سرعان ما يصطدمون بضرورة «أن يدخل بها» إعمالاً لشرع الله، ثم يستمرئ المحلل الحكاية ويساومهم، ثم يبدأ فى استمالة الزوجة التى تكتشف تدريجياً أنه «الرجل» الذى يستحقها وتستحقه، بصرف النظر عن الفروق الطبقية بينها وبينه، فترفض العودة إلى زوجها الأول لأنه أصبح فى نظرها «خرع» و«عابث» و«مالوش فى الستات».. وعندئذٍ فقط يقبل المحلل بتطليقها طائعاً وكأنه اكتفى من الغنيمة بتحقيق هذه المصالحة الطبقية!. وظنى أن حسن نافعة يتأرجح بين الوظيفتين منذ كان مرشحاً للانضمام إلى لجنة سياسات الحزب الوطنى وسعى إلى ذلك عبر وسطاء ما زالوا على قيد الحياة، على الرغم من ادعائه بأنه تلقى دعوات كثيرة للانضمام إلى الحزب ولقاء جمال مبارك لتدشين مشروع التوريث، فرفض متعللاً بالسفر!. ثم حين أصبح واحداً من النخبة البائسة، المضحوك عليها، والمخدوعة فى عبدالمنعم أبوالفتوح، إذ كان عضواً فاعلاً فى حملته الانتخابية أثناء انتخابات 2012 الرئاسية، وكان ككثيرين غيره يعتقد أنه الأكثر ثقلاً وذكاءً، وأنه لم يعد محسوباً على الإخوان، وأنه جسر تفاهم بين التيارات الإسلامية والقوى السياسية الأخرى!. وعندما خسر أبوالفتوح وذهبت الغنيمة إلى الخائن محمد مرسى وجماعته الإرهابية.. غيّر حسن نافعة وجهته وشارك بكامل وعيه وإرادته فى فضيحة «فيرمونت»، معتقداً -كغيره من مرتزقة 25 يناير- أن مرسى وجماعته الحقيرة أفضل من المراهنة على أحمد شفيق الذى اعتبروا نجاحه «ثورة مضادة» وعودة إلى دولة مبارك!. فى كل هذه المواقف المائعة، «غير الوطنية»، كان حسن نافعة نموذجاً ل«المحلل النخبوى الشرعى»، الباحث عن أية مكاسب مادية أو اجتماعية خاصة، وهو ما يبرر عناده وإصراره على ضرورة إعادة الإخوان إلى المشهد السياسى.. حتى بعد أن تبين لأشد المدافعين عنهم أنهم أصبحوا عدواً صريحاً للدولة المصرية. ثانياً: لا يريحنى إقحام «تاء التأنيث» على لقبه، إذ كيف ينسجم «حسن»، وهو اسم ل«مذكر»، مع «نافعة»، وهو وصف ل«مؤنث»؟ أنا أفهم أن يقال مثلاً «إبراهيم نافع» أو «إيهاب نافع» أو «حسن نافع»، بصرف النظر عما إذا كان أى منهم «نافعاً» بالفعل أم مصدراً للأذى والضرر!. أما أن يؤنث اللقب فهذا يعنى أنه لم يعد جزءاً أصيلاً من بنية الاسم.. بل يمكن أن يكون وصفاً لسلوك أو عمل إنسانى أو إنجاز شخصى لصاحبه، وهو هنا مبادرة الصلح الساذجة والمغرضة التى أطلقها حسن نافعة فى الأسبوع الأول من فبراير الماضى، وقال إنها جاهزة منذ أكتوبر، مدعياً أنه كتبها إثر مكالمة تليفونية من اللواء العصار وأرسلها بالبريد الإلكترونى (لم يقل لمن أرسلها!)، وتأخر طرحها لأنه أراد أن يكون مختلفاً عن غيره من سماسرة الإخوان وتجار المبادرات: «أردت أن أطرح آلية للخروج من الأزمة التى تمر بها البلاد ولم أشأ أن أطرح حلولاً». وبعيداً عن كل هذه الأكاذيب والادعاءات، فإن الأساس فى هذه المبادرة الحقيرة، التى لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص مخبول، منفصل تماماً عن الواقع، هو اقتراح هدنة تسمح للإخوان -باعتبارهم نداً للدولة فى معركة.. يبدو للأخ حسن أنه لا طائل من ورائها- بأن يعيدوا ترتيب أوراقهم التفاوضية، ومن ثم عودتهم إلى الحياة السياسية.. وإلا «سنصنع منهم بعبعاً جديداً» كما قال فى حوار لمجلة «الأهرام العربى»، ولأنه -كمحولجى مخضرم- أراد أن «يفتح سكة جديدة بعد أن اختلطت الأوراق». وظنى أن مصير مبادرة الأخ حسن نافعة لن يختلف عن مصير مبادرة كمال أبوالمجد أو غيرها من المبادرات: أقرب سلة زبالة إلى قصر الاتحادية. ثالثاً: ملامح هذا الرجل تبدو لى «منضغطة» قليلاً من أعلى إلى أسفل، أى إن المسافة بين منبت الشعر وحافة الذقن أقل مما هى عليه فى أى «حسن» آخر خلقه الله.. أو حتى خلقته ظروف «مهببة» كالتى تعيشها مصر منذ «هبابة 25 يناير»!. لا أعرف لماذا تبدو ملامح هذا ال«حسن» -الذى ليس فيه من صفات الحسن جرام واحد- منضغطة هكذا: هل أدركته تقنية الفوتوشوب والعياذ بالله على كبر، فشوهت عظام جمجمته، فضغطت على مركز إطلاق المبادرات فى المخ؟.. أم لأنه ولد «زرع بصل» كغيره من الأطفال، لكنه أصبح بمرور الوقت مولعاً بالمشى على رأسه، كما يحلو لأى بهلوان نخبوى فى سويقة ثورية؟.. أم لأن ما نراه ليس وجهه الحقيقى، بل هو قناع مطاط اقتربت منه نار الثورة فكشكشته وزرزرته وجعلته أشبه بقناع «الضاحك الباكى» الذى يرمز إلى فن المسرح؟. أياً كان سبب تشوه ملامح الأخ حسن نافعة فقد تبين أنها تخفى شخصاً مغرضاً، لا تربطه بالواقع السياسى والاجتماعى لهذا البلد سوى أوهام ودوافع شخصية مريضة، ستهبط بأسهمه فى بورصة «المحللين» إلى مستوى «لابد أن يدخل بها»، وستهبط بأسهمه فى بورصة كتاب الرأى وضيوف برامج التوك شو إلى مستوى ندّابات منصة رابعة (جريدة الشروق سابقاً) وذباب المراحيض الذى يتقوت من عفن «الجزيرة» مثل محمد الجوادى، وقد تهبط بأسهمه فى بورصة الطموح الوظيفى من أستاذ «النحت السياسى» بجامعة القاهرة إلى مستوى «لو كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدى».