خمسة قرون مضت منذ تعرض اليهود السفارديون، أو ما باتوا يعرفون بالشرقيين، في إسبانيا إلى الحرق أحياء أو الإكراه على ترك دينهم أو الطرد إلى المنفى. اليوم تسعى البلاد إلى تصحيح "خطأ" قديم ارتكبته ضد تلك الجالية المزدهرة آنذاك. ويوشك هذا البلد الأوروبي على منح الجنسية إلى ذرية الضحايا الذي يقدر عددهم بالملايين. وتعتزم الحكومة الإسبانية المحافظة إدخال تعديلات على قانون يتوقع أن يمرره البرلمان في غضون أسابيع أو شهور تمنح بموجبه الجنسية إلى أحفاد جحافل من اليهود أجبروا على الفرار عام 1492. في العاصمة مدريد، تحتفل اليهودية السفاردية سيلكا إيريز مع أسرتها ببداية اليوم، الذي يمثل العطلة اليهودية التقليدية. إيريز، 65 عاما، تعيش في إسبانيا منذ عشر سنوات وتحمل جواز سفر إسرائيلي. لكن إيريز تحمل أيضا حبا عميقا لإسبانيا، وبفضل عرض من الحكومة الإسبانية، ستتمكن من حمل الجنسية المزدوجة. وتقول إيريز: "أنا هنا من أجل حبي لإسبانيا". وقالت: "لو تخيلت أن لك قلبين، فلدي واحد في إسرائيل، حيث ولد أبنائي، حيث توجد أسرتي، لكنني أكن مشاعر جمة تجاه إسبانيا". يُذكر أن كلمة "سفارديم" تعني حرفيا "إسباني" باللغة العبرية، لكن المصطلح بات ينسحب أيضا على إحدى الطائفتين الرئيسيتين في ممارسة الشعائر الدينية اليهودية. أما الطائفة الأخرى، وهي السائدة عالميا، تسمى "أشكيناز" والتي تنسحب على اليهود الذي تعود أصولهم في الأزمة الحديثة إلى شمال وشرق أوروبا. وبسبب الاختلاط بين الجماعتين وعوامل أخرى، لا يوجد إحصاء مقبول لعدد السفارديين في العالم، لكن تقديرات معقولة تشير إلى أنهم يشكلون ما بين خمس وثلث يهود العالم البالغ عددهم نحو 13 مليون يهودي. ويعيش مئات الآلاف منهم في فرنسا ويحملون بالفعل جوازات سفر أوروبية. لكن الجالية الأكبر منهم تعيش في إسرائيل حيث يعتبر نحو نصف ستة ملايين يهودي هناك من السفارديين. وزير العدل الإسباني ألبيرتو رويز غالاردون تربطه صلة شخصية بالقضية. فقد كان جده الأكبر خوسيه روخاس مورينو سفير إسبانيا لدى رومانيا خلال الحرب العالمية الثانية ويرجع إليه الفضل في المساعدة على الحيلولة دون ترحيل يهود إلى معسكرات الاعتقال. وساعدت إجراءاته على إجلاء خمسة وستين يهوديا إلى إسبانيا، كما كفل الحماية لبضائع وضياع مائتي يهودي آخر، بحسب مؤسسة راؤول والينبرغ الدولية التي تجري أبحاث متعلقة بالهولوكوست. ويصف رويز غالاردون مرسوم طرد اليهود بأنه "أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها الإسبان في تاريخهم". ويقول: "كان يتعين علينا إيجاد آلية لإصلاح ذلك اللقاء الفاشل، ذلك الانفصال، تلك المعاناة، التي شهدت طرد مثل العدد الكبير من الإسبان من قبل إسبان آخرين". ولم يتضح تماما مقدار الرابط التاريخي الذي ستطلبه إسبانيا لكي يثبت المتقدمون أهليتهم الحصول على جواز سفر أسباني. وينحدر معظم الإسرائيليين السفارديين من شمال إفريقيا وجنوب أوروبا والتي كانت أولى المقاصد بعد الطرد من إسبانيا، لذا ربما سيتمكنون بسهولة من إثبات صلتهم المباشرة بإسبانيا. ويقول المحامي ريكاردو دي لا سيرنا: "ثم هناك ظروف أخرى يمكن أخذها في الحسبان من قبل مسجل (اليهود السفارديين) أو القنصليات في الدول المعنية. على سبيل المثال، انخراط الشخص في المجتمعات أو المجموعات الإسبانية، أو ما إذا كان الشخص على معرفة بالثقافة الإسبانية". وسيتعين على طالبي الحصول على الجنسية تقديم تفاصيل عن مكان ميلادهم واسم عائلتهم أو يثبتوا معرفتهم باللادينو، اللغة اليهودية الإسبانية التي تعتبر نظير "الياديش" الإشكينازية. وقال دي لا سيرنا "ما زال الكثير من اليهود السفارديين يتحدثون اليهودية الإسبانية التي كانت اللغة المتداولة إبان طردهم من إسبانيا في 1492، أو إحدى اللهجات المتداولة آنذاك، مثل الحاكيتيا، التي كان يتحدثها اليهود من أصل مغربي". جاليات أخرى، لا سيما من أماكن مثل العراق واليمن، تعتبر سفاردية من حيث الممارسات الدينية لكنها ربما تجد صعوبة في إثبات ارتباطها بإسبانيا. على أي حال، فإن الاهتمام بالقضية مرتفع جدا. وقام مئات الإسرائيليين الذي يدعون أصولا سفاردية بالاتصال بالسفارة الإسبانية في تل أبيب وبدأوا البحث عن تواريخ أسرهم وانتقلوا إلى موجات الأثير لبحث فرصهم في الحصول على الجنسية الجديدة. بالنسبة للبعض يمثل احتمال الحصول على الجنسية الإسبانية جرعة كبيرة من العدالة التاريخية. ولآخرين لا يتجاوز كونه فرصة للحصول على جواز سفر أوروبي. هذه القضية لها أهمية كبرى في بلد مازال من الناحية النظرية في حالة حرب مع الكثير من جيرانه والرخاء يعد ظاهرة حديثة نسبيا. ويقول ليون أميراس رئيس مجلس إدارة رابطة مهاجري أمريكا اللاتينية وإسبانيا والبرتغال متحدثا من القدس "نتحدث عن نحو 3.5 ملايين يهودي سفاردي وفي إسرائيل، نحو 800 ألف". وسيسمح القانون الجديد بازدواج الجنسية ما يمكن الإسبان الجدد من الاحتفاظ بجنسياتهم السابقة. ومن شأن ذلك الترتيب أن يمنح اليهود السفادريين نفس ميزة ازدواج الجنسية التي تمنحها إسبانيا حاليا لأبناء أمريكا اللاتينية. وقال أميراس: "السفارديون في جميع أنحاء العالم لديهم الحق في العودة إلى إسبانيا والقول 'هذا جواز سفري وأنا جزء من السفارديين'". أضاف أميراس: "وإسبانيا، يمكنهم أن يدعوا رجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم ويقولون 'تعالوا، تعالوا إلى مدريد، برشلونه، يمكنكم استثمار أموالكم'". يذكر أن متوسط دخل الفرد في إسرائيل والذي يبلغ نحو أربعين ألف دولار سنويا أعلى كثيرا من نظيره في إسبانيا - التي زعزعتها أزمة اقتصادية في السنوات الأخيرة- ويقف على قدم المساواة مع دول غنية مثل فرنسا وبريطانيا. لكن السفارديين في إسرائيل، رغم أعداهم الكبيرة، لم ينجحوا بعد في جسر الفجوة الاجتماعية السياسية مع اليهود الأوروبيين الذين أسسوا البلاد ويسيطرون على معظم مفاصل السلطة فيها. السفارديون لم يتول منهم أحد رئاسة وزراء البلاد على الإطلاق، كما يتفوق عليهم في متوسط دخل الفرد اليهود الأشكيناز الذين يهيمنون على المناصب الأكاديمية ومناحي الحياة الأساسية الأخرى. يذكر أن ألمانيا أيضا تمنح جنسية البلاد لأحفاد اليهود الذين أجبروا على الفرار إبان حكم النازيين. وإسرائيل بالطبع تقدم جنسيتها لجميع اليهود. وكان الملك الإسباني فرديناند وزوجته الملكة إيزابيلا قد أصدرا مرسوم الطرد الذي يعرف أيضا باسم "مرسوم الحمراء" في مارس 1492، الذي قضى بنفي اليهود في إطار سياسة قاسية تهدف إلى توحيد إسبانيا تحت لواء الكاثوليكية. ويتهم المرسوم اليهود الإسبان، أحد أعظم مراكز العلم اليهودية في تلك الحقبة، بمحاولة "حرمان المؤمنين المسيحيين من إيمانهم الكاثوليكي المقدس.. وإفسادهم من أجل إيمانهم وقناعتهم الشريرة".