ربما تكون كلماتي هذه محل انتقاد من جانب العديد من القراء أو استغراب من قبل البعض الآخر، فكيف للحب أن يكون مصدرًا للفراق؟. الحب هو شعور أبدي، هو السر في بقاء الجنس البشري، هو الفطرة التي زرعها الله عز وجل في سيدنا آدم، والتي كانت السبب في استمرار البشرية.. الحب هو سيد القلوب، هو وقود الروح وملهمها.. الحب حالة فريدة من نوعها، لها مفاهيم عديدة، ولكن في الحقيقة لها معنى واحد وطريق واحد، إذا انحرف عنه يتجرد من كل ما ذكرته سابقًا، ويصبح لعنة على كل مبتلي به. هو عهد بين طرفين، يكللوه بالمضي في الخطوات الصحيحة، فجميع العلاقات سواء أكانت زمالة عمل أو صداقة أو رفقاء كفاح، كل صور العلاقات تبدأ ببدايات جملية، صدق في القول وبساطة في التعامل وشفافية في التعبير، الكل يكن للآخر كل احترام واخلاص، لاعتاب لا تكلفات، العلاقة خفيفة ومستمرة في هدوء وعنفوان، لا يشوبها أي أهواء أخرى. حتى إذا تطورت العلاقة بعض الشئ، والتقى بها بعض الاعجاب، وانتظار اللقاء والمشاعر الجياشة، يبدأ الطرفان في البحث عن نهاية الخيط، ويصران على وجود مسمى يصف تلك المستجدات على علاقتهما، لكنهما يسرعان في ذلك ولا يجدا مسمًا لها سوى (الحب). فكلا منهما ترواده نفسه بأنه يكن للآخر كل الحب، وتبدأ حبات العقد في الانفراط.. مشاعر ملتهبة فكل شئ في كل منهما يعجب الآخر، إلى أن يعترفا بحبهما لبعضهما، وهنا تأخذ العلاقة منعطفًا آخرًا تمامًا، ويبدأ هذا الطريق محملًا بكل معاني الحب الجميل بأحاسيسه المرهفة والمشاعر البراقة. همسات، نظرات، واهتمام بكل تفاصيل الآخر، فكل شئ بسيط وجميل في بدايته، ولكن هذه الرحلة لها تكلفاتها ولها أعبائها، فلم تعد علاقة الطرفان مثل قديمًا، سطحية وبسيطة، فلكل منهما حق على الآخر وعتاب، لتبدأ براثن الغيرة وطرح الأسئلة، أين كنت؟ ومن هذه التي تحدثك على الفيس بوك؟ طريقتك في الحديث مع الزميلة الفلانية لا تعجبني؟ مع العلم أنها صديقتها وكانت في نفس موقفها بل ارتباط بالحب، وهذا من حقها الطبيعي كحبيبته، فهي تريد منه تغيرات، وهو يريد منها في المقابل بتغيرات أكثر. فطريقة لبسها لم تعد تعجبه ولا بد لها من تغيير الجينز إلى الجيب وهكذا، فهو يريد أن تكون له فقط، تحدثه هو فقط، وتهتم به فقط، كما أن تحركاتها تصبح بأمره، فهو الآمر والحاكم في عالمها.. ثم يتطور الحب، فتطلب الفتاة أن تكون علاقتهما في وضح النور بعيدًا عن غياب الظلام، وتضغط عليه لأخذ خطوات إيجابية، هي تريده أمام الجميع ولم تعد تطيق أن يكون لديها سر لا أحد يعلمه، ولأن هذه العلاقات غالبًا ما تحدث بين شباب في عمر الجامعة أو أقل، فإنهم غير مهيئين ماديًا للمضي قدمًا في علاقة جادة. تلك حقيقة تغافل عنها الشاب لانشغاله بزهوة الحب وألوانه البراقة، فيختلق الأعزار ويسرد أمام فتاته الواقع المؤلم والحقيقة المرة، فتقدم هي بدورها مزيد من التضحيات وبعض التنازل عن أحلامها، في مقابل تسهيل الطريق عليه، ولكن هذا لا يكفي، فهو لا يملك المقومات التي تؤهله لذلك، وهنا تبدأ العلاقة في الفتور ويزورها زائر جديد (الملل)، فكل منهما اقتحم غموض الآخر ولا جديد في العلاقة. ويقعان بين سيطرة الرجل وتحرر المرأة، ويبدأ الشاب في التغيب والتهرب واختلاق المشكلات، لأنه هو من يقع على كاهله التحرك للأمام، فقرر الهرب متعذرًا بأي حجج، ليعود إلى حياه الحرية غير عابء بشئ أو البحث عن علاقة جديدة، ولكن هذه المرة دون أدنى عهود أو وعود.. وتبقى الفتاة تعاني من محاولات النسيان المتعثرة والمضي قدمًا في حياتها، ولكن قلبها يأبى بعض الشئ. وأنا أقول الفتاة، لأنها ربما تكون هي الأكثر معرفة بالمعنى الحقيقى لكلمة حب، وهي الاكثر وفاءً من سواها، وأيضًا هي الأكثر قوة في التحمل والتضحية من أجل حب وقع بقلبها، ولكنها قليلًا ما تجد من يقدر ذلك.