رئيس جامعة سوهاج يشيد بالامتحانات الإلكترونية لكلية الصيدلة: «تقضي على الغش والتظلمات نهائيًا»    لينك نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني    انطلاق فعاليات مبادرة «سلامتك تهمنا» بزراعة المنيا    وزيرة التخطيط تبحث تعزيز التعاون بين صندوق مصر السيادي والبنك الإسلامي للتنمية    رئيس الإمارات يمنح وزير البيئة المصرية «وسام زايد الثاني» من الطبقة الأولى    ماذا تفعل حال تسجيل مخالفة مرورية غير صحيحة على سيارتك؟    ما سبب وجود رائحة عند تشغيل التكييف؟.. «اتخلصي منها في خطوة»    ترحيب عربي باعتراف عدد من دول أوروبا بالدولة الفلسطينية    ألمانيا: حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة سيظل هدفا راسخا لسياستنا    15 من الأهلي و8 من الزمالك.. مفاجآت حسام حسن في قائمة منتخب مصر.. عاجل    مانشستر يونايتد يحدد موعد إقالة إيريك تين هاج ويحدد البدائل    نتيجة الشهادة الابتدائية الأزهرية 2024 برقم الجلوس والاسم في المحافظات    شغف المصريين في السعودية بمعرفة موعد اجازة عيد الأضحى 2024    «تعليم كفر الشيخ» تكرم صاحبة فيديو «التهوية على الطالبات»: نموذج مشرف (فيديو)    ضبط كيانات تعليمية وهمية تنصب على المواطنين    تطورات الحالة الصحية ل شاروخان بعد تعرضه لوعكة مفاجئة    نسرين طافش تغيب عن فيلمها «بنقدر ظروفك».. ما علاقة أحمد الفيشاوي؟    استقبال حافل للفيلم الصومالي «The Village Next to Paradise» في مهرجان كان    إعلام فلسطينى: 4 شهداء ومصابون جراء استهداف الاحتلال نازحين    جامعة سوهاج: استئصال ورم بقاع الجمجمة لعشريني وإنقاذه من فقدان البصر    أمين الفتوى يوضح أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة: هذا اليوم صيامه حرام    رامي رضوان يهنئ زوجته دنيا سمير غانم على فيلمها الجديد روكي الغلابة    الكشف عن ملعب نهائي دوري أبطال أوروبا 2026    برلماني: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    إعلام إسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات شمالي الأراضي المحتلة    اتحاد الكرة يكرم حسن وسامي بعد ظهورهما المشرف في كأس الأمم لكرة الصالات    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    تقارير| بوتشتينو يدخل اهتمامات اتحاد جدة    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    الجارديان: وفاة رئيسي قد تدفع إيران لاتجاه أكثر تشددًا    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    اتصالات النواب: البريد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني وحقق أرباحا بمليار و486 مليون جنيه    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    مرفق الكهرباء ينشر ضوابط إستلام غرفة المحولات للمنشآت السكنية    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر لبدء موسم الحج البري    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دقيقة
نشر في الوطن يوم 04 - 01 - 2014

لا يبقى معك بعد الخذلان سوى الوحدة، وبضع قضمات من ذاكرة مهترئة..
لم نفترق حقًا بالمعنى المتداول للكلمة، أو ربما .. نحن افترقنا في تعريفه هو لما حدث، ولكن في تعريفي أنا فهو قد سافر .. سافر وتاه مني في زحام الغربة؛ ولذلك أتمسك بآخر خيط قد يُعيده لي..
أُسمعه يوميًا صوتي وحكايات يومي .. ربما يكون لصوتي عليه فعل "الندّاهة" فيجذبه لي، وننتهي من التعريفات المختلطة تلك.
في البداية .. كنت أشعر أن الأمر قد أصبح شبه روتيني بيننا، معتاد بالنسبة إليَّ أن أتصل به لأفرغ كل ما في جُعبتي، ويتحملني هو، ويبتلع يومي داخله؛ فأعود طبيعية ونبقى متحابَين، يداوي أحدنا الآخر .. حتى قرر أن يُسافر، لا لسبب جديد غير المعتاد "المال".
حاولت كثيرًا إثناءه .. خشيت فقده وافتقاده؛ فلم نعتد ألا يجد أحدنا الآخر أمامه في اللحظات المهمة من حياتنا، ولكن بعد السفر سيبقى بيننا ذلك الحاجز الكبير الذي سيمنعني من احتضان صوته برحابة؛ لأن المسافة قد اتسعت حجم الكرة الأرضية كلها، فلا أتمكن من محادثته ليلاً لأطلب منه - بجنوني المعتاد - أن نتقابل الآن، وننفذ بالفعل.
ولكن بعد السفر .. سيوضع حد لذلك؛ فبيننا مسافات تمنعني من لمس يده وقت احتياجي للأمان.
ثم كانت المشكلة الأولى التي تواجهني بعد سفره، هو قصر المدة المتاحة لي لأقص عليه يومي؛ فكيف سأنهي أحداث 24 ساعة في دقيقة؟!
سافر .. ولم أجد له سبيلاً، فلا هو يتصل بي ولا هو يرد على مكالماتي؛ فأصبحت في مواجهة شرسة مع البريد الصوتي الذي لا يمنحني سوى دقيقة لأوصل للبعيد رسالة تحمل كلمات قدر المسافة بيننا؛ فارتبكت بين أهمية ما يُقال وما أبقيه داخلي ليوم آخر .. يوم آخر لا يوجد به ما يُقال.
"الأول ازيك؟
مش عارفة أنت مش بترد ليه ولا روحت فين أو إيه حصلك بس ..
(تتنهد)
عاوزة أطمّن عليك ومش عارفة ألاقي حد أحكي له وأسمع منه .. مش عارفة أتكلم، وكأنك سافرت وأخدت صوتي معاك، وكأني مش أنا من غيرك .. مش عارفة خايفة عليك كتير، وأكتر لأني مش عارفة أوصل لك.
(تُغالب دموعها لتستطيع الإكمال)
النهاردة فيه حاجات كتير حصلت معايا، وفيه ناس كتير قابلتهم، كان فيه واحد حابب يتعرف عليا، وشجعه أكتر إن مفيش دبلة في إيدي .. أنا يمكن كسرني إن حد يتشجّع انه يفكر أصلاً يكلمني في حاجة كدا، بس واسيت نفسي بأنهم أوقات مش بيرجعهم وجود الدبلة أصلاً.
طب مش هتقولّي أنتَ فين؟ أنا مش عارفة حاجات كتير من غيرك .. أنا تايهة وكنت عاوزاك...".
قاطعتها الحرارة التي سكنت، وصوت يُعلن لها أن وقتها المتاح قد انتهى.
دقيقة!
دقيقة هي كل ما تملك لتقول له كل ما تُريد، وهي لا تُريد إزعاجه برسائل كثيرة، لذا ستكتفي برسالة يومية، وتُقنع نفسها أنها ستتدرب مع الوقت للتأقلم مع الدقيقة لتقول كل ما تُريد دون أن تُبتر كلماتها، وأبقت أسئلتها الكثيرة عنه، ولماذا لا يُحدثها هو أو لا يتلقى مكالماتها .. لذا تتأقلم ذاتيًا مع الدقيقة، وتكتفي بها حتى تطمئن نفسيًا أن هناك ما يربطها به وهو البعيد بأميال والمُحتل روحها.
"أنت مش متخيّل قد إيه صعب إني أحكي لك كل حاجة في دقيقة! متخيل الدقيقة دي متكفيش إزاي !
طب متخيلني ؟!
فاكرني؟!
النهاردة بقى ماما سألتني عليك، وإنت ليه مش بتتكلم ولا تسأل .. هو احنا كده خلاص ولا إيه؟
أنا معرفتش أرد
(تئن وتكتمها بتنهيدة، وكأنها تتمسك بأنفاسها كي لا تهرب)
بس عمومًا كان يومي كويس النهاردة، ومحدش ضايقني...
(بعد صمت لثوان)
غيرك .
الدقيقة دي بقت أصعب حاجة بتمر عليا في يومي ومش عارفة انت بتسمع كل ده ولا لا!
طب بياخد منك دقيقة بردو؟ بتقدر تفك تفاصيل كلامي والدواير اللي بتكلم فيها في دقيقة زي مانا ملخومة في دقيقة؟!
مبقتش باخد من وقتك وأزحمك بأكتر من دقيقة .. وياريتني عارفة هي..."
تُقاطعها الصفارة اللعينة مرة أخرى أو مرة عاشرة لا تتذكر، ولكنها حتمًا باتت تكرهها حتى أنها ترن بأذنها طوال دقائق اليوم الأخرى، فباتت كل دقائقها تُرتب بصوت الصفارة، وعليها أن تنظم حديثها مع الجميع ليُلائم حديث الدقيقة المعلّب.
"فيه حتة في قلبي اتقطمت معاك !
عارف إنك غيّرتني طبعًا، وللأحسن، وكنت دايمًا السبب إني أحاول أكون أفضل نسخة مني، بالظبط زي تحديثات البرامج في الكمبيوتر بتاعك، وفي كل تغيير كنت بحس إني بتبري زي القلم الرصاص .. بس دلوقت سني اتقطم !
(تصمت لثوان ثم تكمل)
مش هحكيلك يومي أو هقاوم إني محكيش لأني عاوزة أسمع .. مفتقدة صوتك، وإنت عارف إني بحب صوتك، وأول مرة أعرف إنك قاسي كدا، والأوحش إنه معايا أنا !
متوقعتش، مش هكدب وأقول اللي بيتقال في المواقف دي، وإنك تتوقع أي حاجة من أي حد، دا بس كلام .. فيه ناس بتبقى عارفها زي كف إيدك، لو تتوقع إنك تصحى تلاقيك بسِت صوابع ممكن تتوقع منهم القسوة والهجر، أو يمكن أنا كنت عبيطة إني متوقعتش .. تفتكر؟"
وللمرة الأولى أغلقت هي الهاتف دون الصفارة.
قررت بعد هذه الرسالة أن تمتلك زمام صبرها لأيام ولا تُحدّثه؛ فباتت تُمسك بالهاتف لتضغط أزرار تجمع لها أرقام هاتفه، ثم تبقى تنظر لها ولا تتصل.
لم تفقد الكلمات اللازمة لترك رسالة، ولكنها فقدت الحماسة أو الدافع اللازم لذلك.
زاد ارتباكها لعدم فهمها ما يجري معه، وما كان يؤرقها هو نسيانها الابتسام .. ليس أنها لا تريد أن تبتسم، ولكن نسيانها لكيفية مساعدة عضلات الوجه كي ترتفع قليلاً لتُشكل ذلك القوس.
والآن، هل كان هو ما يُساعدها في ذلك أيضًا؟
وماذا فقدت غير ذلك معه؟
"ماقدرتش مكلمكش أكتر من كدا، ومكانش عندي صبر إني أستنى إنك تكلمني، بداري على نفسي إنك مش هتتصل أصلاً، فبلاحق أنا وأكلمك عشان مايبقاش فيه فرصة إنك تخذلني لما ماتتصلش، هيبقى إني اتصلت، بس المشكلة في إنك مش بتتصل ومش باسمع صوتك، ومش عارفة انت عرفت كل الكلام دا ولا لأ .. أنا لسه مستنياك، مستنياك رغم إن صبري بدأ يهرب .. يمكن بيهرب لك هو كمان، بس المهم إنه معادش معايا .. بردو زيك بالظبط.
اللي واجعني قوي دلوقت إني قربت ماشبّهش الحاجات بيك."
والآن قد اعتادت ألا تنتظر لنهاية الدقيقة اللعينة، فما لديها لتقول بات أقل، ما لديها لتحكيه بات يندثر، ويُزاحمه وجع لا يُحكى عنه لأحد، ولا حتى له، أو بالأساس يجب ألا يُحكى له هذا النوع من الوجع؛ لأن درجة الضعف تلك إن بُحتَ بها لمن أضعفك هكذا ستنكسر، سيصير كلامك هو الضغطة الأخيرة التي ستحيلك لأشلاء لن تستطيع جمعها سوى بعد فترة كبيرة من الترميم الداخلي قبل الخارجي كي يتلاءمان ويرتفع القوس على فمك مرة أخرى دون مساعدة من أحد لتتحكم أنت به.
لكن هناك أوقات يكون الانكسار ذا فائدة أكبر مما نعِي في حينها، فلكي تتم شفاءك وتستعيد زمام أمورك بيدك؛ عليك أن تنكسر لتستخلص أجزاءهم بعيدًا عنك.
في مرحلة ما من البُعد وجدتْ قوتها دونه، وجدت أنها يمكنها أن تُطيب جراحها بنفسها، وتحتفظ بيومها وذكرياتها في صندوقها الخاص دون إهدارها في حكي فارغ .. ويجب عليها أيضًا أن تختصره وتضغطه ليُعلّب في دقيقة لا تعني أي شيء لأنها مُلئت بفواصل من حديث طويل لم يُحكى.
"النهاردة قربت كتير من إني أكون نفسي، وقل الوقت اللي بسأل فيه عنك أو اللي حد بيسألني عنك فيه، أظن إنه بقى ظاهر عليا إن اشتياقي ليك بيروح مني .. وياريت يكون بيروح لك هو كمان عشان تقدّر وجع الدقيقة وزحمة الكلام فيها.
مش عاوزة صوتك .. تخيّل؟!
مش عاوزة أعرف أنت بتعمل إيه دلوقت وبتسمع ولا لأ .. متصور ازاي لهفتي بتبهت مني؟
وجعك كان جامد على قماشة قلبي فبقت بتتنسّل وتتقطع كل يوم كل ما تزيد قسوتك، قولت لك إن الحاجات اللي إنت مالكها فيا بتروح مني، وإنت لو كنت بتسمع كنت هتصدق .. أنت عارف صوتي، أكيد هتصدق.
مش سلام؛ لأني مش هشوفك ولا هكلمك تاني .. موعدكش، بس هحاول."
وانتظرت كي تأتيها الصفارة كي يكون آخر حديثها له صمتٌ مزدحم بما لا يجب أن يُقال بعد الآن.
تخيل أن تمتلك زمام حياتك..
أن تمتلك زمام حياتك وتتراجع عن ضعفك .. بسبب دقيقة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.