كله حب واشتياق لزيارتها والتقرب منها، فجوفه يمتلئ تقديراً.. وقلبه ينبض حنيناً.. وجوارحه تسبح فى كنف سيرتها، الحظ كان فى صفه، فأعطاه ما حُرم منه غيره، المعلم «حسنى» أوتى هذه النعمة من وسع، ونال مجاورتها باستمرار واستنشاق هواء رحابها الطاهر. الكثيرون يقطعون أشواطاً طويلة مقبلين على زيارة «السيدة نفيسة» طالبين «المدد»، صلاة ركعتين فى المسجد وقراءة الفاتحة على مقامها، كافيتان لإشباع لهفة مريديها غير المنقطعة.. إلا أن وقوفه على عربة بيع المشروبات «المتلجة»، أمام المقام، جعله متيماً بها. «تمرهندى.. سوبيا.. خروب.. عرق سوس.. مانجو.. دوم»، مشروبات يعلن عنها «حسنى»، أمام المسجد متحركاً تحت شمسية تحميه من «لدغة» حرارة الجو وقت الظهيرة، ولا يبيع سوى التمر والعرق سوس والسوبيا فقط، من مكانه يشاهد ما يحدث حوله فى الساحة المقابلة للضريح، ويساعده فى البيع ثلاثة أفراد بينهم صبيان، يلازمونه منذ مجيئه فى التاسعة صباحاً وحتى منتصف الليل فى أيام رمضان.. وحتى التاسعة مساء فى غيرها. «الحب فى الله» دفع «أبو أحمد» إلى اختيار مسكنه بمنطقة عين الصيرة، المجاورة ل«كريمة الدارين».. واحتكار السوق أمام المسجد. لم يتوقف تعبيره عند هذا الحد، لكنه امتد لإقران نفسه وعمله باسمها، فعلق «بوستر» على عربيته، مطبوعا عليه صورته بجلبابه الصعيدى ومكتوبا عليه «مشروبات نفيسة العلم»، وجاء التوقيع «مدد يا نفيسة». يقول «حسنى»: «أنا هنا باشتغل كل يوم فى رمضان وغير رمضان». جاء من مسقط رأسه بسوهاج ليعمل فى بيع المشروبات المثلجة، التى يعمل بها أبناء عمومته وأهالى بلدته كلهم، حسب كلامه. أقاربه ذهبوا إلى أماكن أخرى يبحثون عن زبائنهم، والرجل الثلاثينى فضّل الاستعانة بنفيسة العلم فى طلب رزقه: «من زمان واحنا شغالين فى البيع ده.. ولاد عمى فى القطامية، لكن رزق السيدة أكتر من أى مكان تانى». «محمد»، صبى لبائع مشروبات نفيسة العلم، يراقب ولا يتدخل فيما يدور حوله، مؤكداً «المكان ده فيه العجب»، مستنكراً كثرة عدد «الفاطرين» فى رمضان: «الساحة دى أغلبها مش صايمين، بس زى ما فيه ناس وحشة فيه منهم كويسين».