يجلس فى أحد أركان المركب الصغير الذى لا يسع سوى سبعة أشخاص، لكنه ضمّ ما يزيد على خمسة وثلاثين شخصاً، كانوا جميعاً يسعون لحلم واحد هو الهروب خارج هذا الوطن الذى لم يجدوا فيه متسعاً لأحلامهم. حركة الأمواج وصوتها كان أشبه بزئير ليث هائج غاضب أما حركة المركب، فكانت تُنذر بين كل لحظة أن الموت سيكون مصيرهم. خائف.. جائع.. كان حال «عماد» الذى يدعو الله فى سره أن يعود إلى أهله فقط سالماً، بعد مرور 4 أيام لم يذق فيها سوى قطع من «الخبز الحاف» وماء البحر المالح. مشهد لا ينساه عماد محمد، 23 عاماً، من رحلة هجرته غير الشرعية إلى إيطاليا، التى انتهت بالقبض عليه على سواحل اليونان وترحيله قسراً إلى القاهرة، ليتحول بعدها إلى كاتب مسرحى يقرر أن تكون قصته عِبرة وعظة ينشرها لعل الشباب المصرى يتعظ. «كنت عايز أعرف الناس اللى فى العالم التانى دول بياكلوا إيه وبيشربوا إيه»، هكذا يصف حاله، فحلم الهجرة راود «عماد» منذ صغره، عندما كان يرى جيرانه وأصدقاءه يعودون من أوروبا بآلاف الجنيهات يبنون بها أرقى الفيلات والبنايات، ليسأل نفسه سؤالاً واحداً دوماً «لمَ لا أكون واحداً منهم؟!». خطوات الذهاب إلى إيطاليا مدينة أحلام «عماد» كتبها واتبعها خطوة بخطوة، بدأها بالعمل على أحد مراكب الصيد بمدينة الإسكندرية، ومنها تعرّف على السمسار الذى ألح عليه بأن يسمح له بالهجرة فى أحد المراكب غير الشرعية، فطلب السمسار مبلغ 18 ألف جنيه، وكان مع «عماد» فقط 1500 جنيه، فاضطر لأن يكتب على نفسه شيكات بباقى المبلغ حتى يسمح له السمسار بالسفر. «كنت باسمع كتير عن المراكب اللى بتغرق والناس اللى بتموت، لكن أنا ماكنتش شايف قدامى غير السفر والفلوس والعيشة الحلوة»، يقولها «عماد» مبرراً لنفسه تغاضيه عن أخطار السفر غير الشرعى.. 6 أيام فى عرض البحر لم يكن متوافر فيها طعام كافٍ أو حتى مياه نظيفة للشرب انتهت بصدمة «عماد» عندما فوجئ بأن ذلك المركب وصل إلى أحد الشواطئ الساحلية باليونان، وليس إلى إيطاليا. وبعد عودته إلى مصر كان قد اتخذ قراره بأن يعبّر عن معاناته بشكل فنى، فقام بدراسة المسرح، وكتب مسرحية بعنوان «الأموات فى أحضان الأسماك» تحكى عن قصص حقيقية لشباب من رشيد حاولوا الهجرة، كذلك كتب كثيراً من القصائد حكى فيها عن معاناته مثل «آه يا بحر وموجك عالى.. وحوشك أحن من فرعون فى بلادى».