يطرح المشهد السائد، حاليا، فى العالم العربى، سؤالا، علينا جميعا الاجتهاد للإجابة عنه، وهو: لماذا تسيل دماؤنا فى كل يوم، بدعوى «الجهاد الإسلامى»؟ وكيف يقبل البعض أن يمتد «ميدان الجهاد!!» من المحيط إلى الخليج، ولكنه، بقدرة قادر، يقفز من فوق إسرائيل ولا يدنو منها مترا واحدا؟، وهو ما قد يعزز اعتقاد البعض، وأنا منهم، بأن أيادى عدة مخابرات أجنبية، خاصة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلى، هى المحرك والمايسترو، الذى وصل ببلد مثل أنجولا، وبعد نحو 15 قرنا من الإسلام، إلى إغلاق المساجد فيها وحظر الدين الإسلامى بين مواطنيها، وهو ما جاء فى مقال رائع لشاعرنا الكبير فاروق جويدة، بصحيفة «الأهرام»، أمس الأول.. تحدث عن «خطايا المسلمين» وأشار فيه إلى الصراعات الدامية والمعارك المشتعلة بين المسلمين، على مرأى ومسمع من العالم كله، والوحشية المفزعة التى تتسم بها الجماعات التى ترفع راية الإسلام، ودعا «جويدة» نخبة الإسلام السياسى إلى مراجعة تاريخها المعاصر «فقد أساءت كثيرا لشعوبها وأساءت أكثر لدينها حين تحولت الدعوة من السماحة إلى الإرهاب، وتحولت العقيدة من رسالة سماوية عظيمة إلى أحزاب وفصائل سياسية أغرقت نفسها وشعوبها فى بحار من الدم والفتن» فهل يُعقل أن يكون توقيت كل ما من شأنه تنفير الناس من الإسلام والمسلمين، مجرد صدفة؟ وكيف وصل بنا الحال إلى الارتجاف، قبل انتقاد، ولا أقول إدانة، الجرائم التى ارتكبتها هذه الجماعات باسم الدين، وكأن كل ما يقترفونه مباح، لمجرد لصق كلمة الإسلام بما يفعلون، كيف تركتهم الأنظمة الاستبدادية ينشرون مفاهيم خاطئة عن الدين ويرهبون كل غيور على دينه أو مرتاب، فى خطورة انعكاسات ما يفعلون على الإسلام؟ وكنت قد كتبت منذ عدة سنوات مقالا فى صحيفة الأخبار بعنوان «صورة الإسلام وعقلية التصدير» نبهت فيه إلى أننا يستحيل أن «نصحح» صورة الإسلام فى الخارج، ما لم نصححها فى الداخل، بحيث لا نتبع سياسة تصدير أفضل ما ننتجه إلى الخارج ونفرض على المواطنين، البواقى!! وأدهشنى أن اعتبرت إحدى الصحفيات بالجريدة، اننى أشوّه الإسلام!! وحاولت إثارة المسئولين ضدى، ل«عدائى» السافر للدين الحنيف.. وقد نبهنى موقف هذه السيدة، إلى أننا دخلنا مرحلة جديدة من تاريخنا، الإرهاب الفكرى والتكفيرى هو سمتها البارزة، وهو ما بات لا يحتاج إلى دليل لإثباته.. فهل يتصور أحد مثلا، أن مشهد إلقاء طفل من فوق سطح منزل بالإسكندرية، بأيدى ملتح، قذف بالطفل، بعد قتله، وهو يُكبّر، فى صالح صورة الإسلام؟ وهل مشهد الرجل الذى كان يُكبّر أيضاً وهو ينزع كبد جندى سورى من أحشائه ويأكله نيئا أمام الكاميرات، مثال مضىء للإسلام والمسلمين؟ وهل تتابع قادة الإخوان وبقية جماعاتهم عقب خلع مرسى، مهددين بتحويل شوارعنا إلى أنهار من الدماء وتفجير الوطن بما فيه ومن فيه، دليل ساطع على سماحة الإسلام؟ والأمثلة باتت لا حصر لها، وآخرها، حتى كتابة هذه السطور، شيخ المعهد «الدينى؟» الذى فقأ عين طفل بمحافظة الدقهلية كما أوردت «الوطن»، وهو خبر أفزعنى وأحزننى إلى حد البكاء.. وكما أشرت يصعب القبول بأن تزامن ذلك كله مجرد صدفة.. فى ليبيا وسوريا وتونس واليمن ومصر.. وجميعها ترفع لافتات إسلامية.. وأفعالهم تتشابه، بل وتتطابق لترويع الموطنين وتمزيق الأوطان، أى أنهم يقومون، بالوكالة عن الأعداء، بتنفيذ المخطط الذى وضعوه منذ «وعد بلفور» وأعقبوه بتشكيل «جماعة الإخوان المسلمين» حتى نغرق فى مستنقع التقاتل والتناحر بيننا، ونترك إسرائيل تواصل تهويد الأقصى، الذى اختفى تماما الآن، من قائمة أولويات الجماعات الإسلامية.. وقد استوقفتنى «مناشدات» أطراف كثيرة، لجماعات الإسلام السياسى بمراعاة حرمة أوطانهم، وتنبيههم، إلى مخاطر ما تقوم به على الوطن وعلى صورة الإسلام!! وكأن هؤلاء لا يدركون، هول ما يفعلون، مع أنهم جاهروا أكثر من مرة بإنكارهم لمفهوم الوطن والمواطنة، وهم أدوات لتنفيذ المشروع الدامى، باستبدال الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية فى الوطن العربى بالصراع الإسرائيلى العربى. وكأن مشكلتنا مع إسرائيل مشكلة عقيدة دينية وليست اغتصاب وطن..!! وهذا ما كشفت عنه ثورة يونيو المجيدة.. فطاش صوابهم..