تناولنا فى المقال الأول من هذه المقالات ضرورة العمل بجد ودأب لإنتاج منظومة فكرية بديلة لفكر الجماعة الإرهابية تكون سنداً فكرياً ودعامة سياسية للمواجهة الأمنية الجارية الآن ضد إرهاب وعنف الجماعة المحظورة، ولتعرية الطبيعة الإرهابية المناقضة لأسس الإسلام الوسطى الصحيح والتى تكمن فى أساس تاريخ جماعة الإخوان وتغلف كل مواقفها المعادية للوطن والهادفة إلى تمزيقه وضرب استقراره، وقد ناقشنا فى مقال الأسبوع الماضى مفهوم «البيعة» التى يفرض على أعضاء الجماعة الالتزام بها، واليوم نستكمل الحديث. فقد حدد الشيخ حسن البنا عناصر «البيعة» فى الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوَّة والثقة. وكما يقول أ.ثروت الخرباوى فى كتابه: «أئمة الشر: الإخوان والشيعة أمة تلعب فى الخفاء» الصادر 2013: «تجد حسن البنا يقول فى رسائله كلاماً طيباً فى ظاهره، إلا أنك إذا تأملته وسبرت غوره وأنزلته إلى حياة البنا وتوجهاته، فستجد معنى يختلف عن المعنى الظاهر، بل ستجد غموضاً وتقية»، وهذا الوصف أشد ما يكون انطباقاً على عناصر «البيعة» الإخوانية، فإنها تبدو فى ظاهرها مجموعة من القيم الأخلاقية التى لا يمكن الاختلاف عليها فى ظاهرها، ولكن ما إن يتأملها المرء ويقارن الأقوال والمفاهيم بما يصدر عن «الجماعة» من أفعال وتصرفات، حتى يدرك حجم الخداع والكذب الممنهج وإظهار الإخوان ما لا يضمرونه فى نفوسهم الشريرة من نقمة على الوطن والمواطنين من غيرهم، لدرجة تصدق فيهم مقولة مرشدهم العام و«إمامهم الشهيد» حسن البنا الشهيرة: «بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، وذلك فى محاولة منه لتبرئة أعضاء جماعته من جريمة قتل المستشار الخازندار بواسطة عضوين من «النظام الخاص» الإخوانى! ومن يقرأ رسالة «التعاليم»، يدرك التناقض بين القول والفعل فى سلوك الإخوان الذين أقروا بالبيعة لمرشدهم، كما يلحظ بلا جهد التناقض فيما بين تلك «التعاليم»، إذ بينما تقر بأن «الإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر فى الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شىء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها»، نجده فى موضع آخر من تلك «التعاليم» يقول: «ولا نكفر مسلماً أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأى أو بمعصية إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر»، وهو بذلك يعطى نفسه وجماعته الحق فى تكفير من يرون أنهم ينطبق عليهم ما جاء فى كلام المرشد بغض النظر عن أن «تكفير المسلم» هو شأن الله سبحانه وتعالى إذ قال وقوله الحق: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وقال تعالى: «لا إكراه فى الدين» واختص الحق نفسه بعقاب غير المؤمنين، كذلك فإن رسالة «التعاليم» تتجاهل كثيراً من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام القاضية «بأن من كفر مسلماً، فقد كفر»، وأنه فى حالة ارتكاب الكبائر، فإن مسئولية الحكام أو أولى الأمر يجب عليهم البيان لمن ارتكبها وإقامة الحجة عليه، فإن تاب بعد البيان قبلت توبته وإلا نفذ ولى أمر المسلمين وليس المرشد العام ولا أى من أعضاء جماعته القصاص لردته، كذلك خالف حسن البنا نص «التعاليم» حين اتهم مرتكبى جريمة قتل الخازندار من أعضاء النظام الخاص بأنهم ليسوا مسلمين، أى أنه نعتهم بالكفر. كذلك نجد أن الجماعة الإرهابية وحلفاءها ينعتون كل من خالف منهجهم بالكفر، ويصفون أهل الكتاب من المسيحيين المصريين بأنهم «كفار»، يهاجمون كنائسهم ويعملون فيهم القتل والحرق، وتشهد جرائمهم الإرهابية ضد أفراد الشرطة والقوات المسلحة وضد المواطنين العزل والأبرياء فى حوادث القتل العشوائى واستخدام قذائف «الآر بى جى»، والسيارات المفخخة وقتل ضباط مركز كرداسة وسحلهم والتمثيل بجثثهم أنهم يخالفون شرع الله ويختصون أنفسهم بأمور لا يرقى إليه فهمهم ولا مداركهم القاصرة المنقادة كالقطيع لتعليمات قادة الإرهاب، ويسلمون عقولهم بلا مناقشة حتى لو وصل بهم الأمر إلى قتل زملائهم لإلصاق الاتهام بالغير كما حدث فى الهجوم على دار الحرس الجمهورى، حيث قتل الإخوان زملاءهم والمتعاونين معهم حتى يصوروا الأمر لوسائل الإعلام الأجنبية بأنهم ضحايا القوة المفرطة للقوات المسلحة. وإذا رجعنا إلى الكتابات غير رسالة «التعاليم» لوجدنا العديد من الآراء التكفيرية فى آراء سيد قطب، كما سطرها فى كتابه «معالم فى الطريق»، ووصف فيها المجتمعات الإسلامية بالجاهلية وحكم بضلالها وجاهليتها لعدم التزامها بالمفهوم الحقيقى للإسلام ولعدم التزامها بتطبيق الشريعة الإسلامية، على حد تعبيره، كما جاءت فى القرآن الكريم فى نظره، خاصة أن من يسيطرون على «الجماعة» الآن هم من فصيل «القطبيين» نسبة إلى سيد قطب! ونذكر بأن الخطاب الإخوانى الإقصائى/ التكفيرى، قد بلغ ذروته فى عهد محمد مرسى، وخاصة فى مؤتمر «نصرة الشعب السورى»، وفيه تسابق المشاركون من الدعاة إلى تكفير طوائف إسلامية متعددة، إضافة إلى تكفير المشاركين فى مظاهرات الثلاثين من يونيو! والحديث مستمر إن شاء الله، إذا كان فى العمر بقية!