فرصة عمل جديدة للمعلمين.. «التنظيم والإدارة» يعلن عن 11693 وظيفة معلم مساعد لمادة الرياضيات (ابتدائي و إعدادي)    بعد هبوطه في 7 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الخميس 5-6-2025 والذهب الآن    زعيم كوريا الشمالية يتعهد بدعم روسيا "دون قيد أو شرط"    زلزال العيد.. هزة أرضية تضرب دولة عربية بقوة    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    دعاء يوم عرفة مستجاب كما ورد في السنة النبوية    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    تحقيق في استخدام بايدن لتوقيع آلي: ترامب يشكك في شرعية قرارات رئاسية    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    وول ستريت جورنال: ترامب نفد صبره من انتقادات ماسك للمشروع الضخم    مسؤول أمريكي: هجماتنا ضد الحوثيين كلفت أكثر من 1.5 مليار دولار منذ أواخر 2023    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 5-6-2025    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    توافد الحجاج إلى مسجد نمرة بمشعر عرفات استعدادا لأداء ركن الحج الأعظم (فيديو)    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    10 أدعية ليوم عرفة مستجابة تجلب الخير والرزق والعتق من النار    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    قاضٍ أمريكي يوقف ترحيل عائلة المصري المشتبه به في هجوم كولورادو    دعاء يوم عرفة مستجاب في 9 أوقات للحاج وغير الحاج ( تعرف عليها)    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    هل تسقط مع الظهر بصلاة العيد؟.. حكم صلاة الجمعة يوم «الأضحى المبارك»    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة «المصرى المسالم»!
نشر في الوطن يوم 23 - 09 - 2013

من المعانى الرائعة التى تأملتها كثيراً، ما من الله به على أهل مكة فى قوله تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، وهذه العبارة لخصت ما أسهب فيه -بعد أكثر من ألف سنة- مؤرخ الحضارة، ويل ديورنت، فى المجلد الأول من كتابه «قصة الحضارة»، عندما أكد أن الحضارة لا تقوم إلا على ساقين: الوفرة والأمن.
فالوفرة تمكن من التجويد ثم التخصص، والأمن يوفر بيئة للإبداع، أما الندرة والخوف فيصنعان البربرية. ومن المفارقات الملفتة أن مصر ليست مجتمع ندرة، ولم تعرف تجذراً لثقافة العنف كسمة مميزة، ورغم هذا فإن من يتأمل حالها يستشعر وجود يد قوية تفرضهما على شعبها. وقد كان طبيعياً أن تشيع ثقافة الندرة فى الخليج العربى، الذى لم يعرف الوفرة إلا منذ عقود محدودة، فالشكل الأكثر شهرة لثقافة الندرة هو نمط حياة البدو الرحل، الذين يتتبعون الكلأ، وهكذا كان عرب الجاهلية، ومع الندرة جاء العنف وأخلاق السلب والإغارة.
لكن ما حدث بالفعل أن من عاشوا قروناً من «البداوة» تخلصوا سريعاً منها، بينما نحن نعيش على ضفة واحد من أكبر الأنهار فى العالم، وتتسرب إلى حياتنا بشكل متصاعد سمات ثقافة الندرة، والمثال الأشهر لذلك سلوكنا -كمصريين- فى البوفيهات المفتوحة، وهو سلوك عدوانى لا يكاد يستثنى منه إلا القليلون، وكأننا فى هذه اللحظة نعود إلى حالة بداوة -هى فى الحقيقة- ليست من مكونات ذاكرتنا الاجتماعية، لكنها حاضرة بشكل جلى فى واقعنا!!
ويمكن أن تضاف شواهد كثيرة إلى المثال السابق، مثل «ثقافة الاحتفاظ بالكراكيب»، التى هى دليل جدير بالتأمل على إحساس عميق واسع الانتشار فى مجتمعنا، بأن المعروض أقل من المطلوب، وأن القادم «أسوأ»، ولا شىء يوفر تربة خصبة للعنف اللفظى والجسدى، كسلوك اجتماعى واسع الانتشار، أكثر من هذا الإحساس بغياب قدر من الاطمئنان إلى أن القادم ليس أسوأ!
ومع غياب الوفرة والأمن -وبالقدر نفسه الإحساس بالوفرة والإحساس بالأمن- تصبح كفة البربرية أرجح من كفة الحضارة، وأخشى أن الفساد الوحشى، الذى شهدته مصر خلال حكم مبارك، ربما كان هدفه حرمان المصريين -بشكل مقصود- من شروط لازمة للوصول إلى حالة من الحضارة يستحقونها، ويملكون مؤهلات بنائها، وهذه ثمرة من ثمرات الفساد، أخطر بكثير من انتقال أموال إلى جيوب أشخاص بشكل غير قانونى. وقبل سنوات سأل أستاذ علوم سياسية غربى سؤالاً يستحق التفكير: إذا لم يكن إفقار شعوب معينة «قراراً» فكيف يمكن تفسير الحالة الاقتصادية لمواطنى ليبيا تحت حكم القذافى، ومواطنى الجزائر حتى الآن، وهما دولتان نفطيتان؟ ألا يعنى هذا -ولو احتمالاً- وجود قرار غير مكتوب بإفقار مواطنى حوض جغرافى، يمتد من سواحل الأطلسى للبحر الأحمر، دون استثناء الدول ذات الثروة النفطية؟
والفقر والخوف استدعيا العنف إلى الشارع المصرى، حتى أصبح «المصرى المسالم» فى محنة، بالمعنى الحرفى للكلمة. ولا يعنى هذا تفكيراً رومانسياً أو مغرقاً فى المثالية فى لحظة شديدة التوتر. بل محاولة لقرع أجراس الإنذار لننتبه إلى خطر تساهلنا معه أكثر مما ينبغى، واكتفينا فى تفسيره بالحنين إلى «أيام زمان الجميلة»، وناسها المؤدبين!
ومما استنتجه المؤرخون من تواريخ أمم كثيرة، أن المجتمعات التى يشيع فيها خطاب البكاء على الماضى هى مجتمعات تتجه نحو «الاضمحلال»، وعندما تستولى هذه الحالة على أمة من الأمم، فإنها غالباً تصبح أكثر تعلقاً بكبار السن -لا لفضل يميزهم بل لأنهم أكبر سناً لا أكثر- وقد يصبح هذا التعلق معنوياً أو حقيقياً متعيناً، وعندئذ تصب جام غضبها ولعنتها -بحماس أحمق- على الأصغر سناً، أيضاً لأنهم أصغر سناً ولأنهم يريدون التغيير، وفى مثل هذه اللحظات لا يرى السواد الأعظم من هذه الأمم أن ما يحدث تغيير، بل يصفونه ب«التخريب». وعند هذه الجموع التى حطمها الخوف والجوع -أو حتى مجرد توقع الجوع- فإن الكبار يصبحون معنوياً «مصدرا للبركة»، وإذا كان التعلق بهم حقيقياً ومتعيناً فإنه يكون بوصفهم «الوحيدين القادرين» فعلياً على قتل العدوين المرعبين: الفقر والخوف!
وفى حالات كثيرة يأخذ هذا التعلق شكل افتتان ب«البطل المنقذ»، ولا تكاد توجد أمة فقدت الثقة فى قدرتها كأمة على منع «الأسوأ» إلا وصنعت بيديها المستبد الجلاد، الذى لا يرى فيها إلا فريسة خائفة مذعورة تهرب -بمنتهى اللهفة- من الأوهام إلى فخ الصياد!!
وفى هذه المتاهة فإن «المصرى المسالم» (وبخاصة ابن المدينة) يعانى الأمرين، فهو أولاً يعانى طغياناً للعنف الاجتماعى، لا تكاد مواجهته تشغل أحداً، بسبب الأزمة السياسية وتداعياتها الأمنية، ويعانى سلوكاً خشناً ملأ عالمه، قادماً من العشوائيات ومن عملية «الترييف» الرهيبة، وجعلت مدينة كالقاهرة تبدو كقرية يسكنها أكثر من عشرين مليوناً، وهم أتوا إليها ليفرضوا عليها أذواقهم وأعرافهم، كما هى دون تهذيب، وبالتالى أصبح هذا المصرى المسالم فى غربة مزدوجة: غربة فى حياة يومية أبطالها: فرد الخرطوش وسائقو التوك توك وحرافيش الأحياء الشعبية المتبجحون، وغربة إزاء أفق مستقبل سياسى، تتحكم فيه خيارات أمنية ومخاطر «حرب أهلية»، قد يكون احتمالها الواقعى بعيداً، لكن أشباحها حاضرة فى الخطاب السياسى، وبعض الأشباح تؤثر فى سلوكنا أكثر من كل المعطيات الموضوعية.
ولله الأمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.