الخامسة فجراً، كوبرى الفنجرى يعج بالسيارات كأنها ساعة الذروة، الجميع فى اتجاه ميدان رابعة العدوية لأداء صلاة العيد، الأطفال يحملون البالونات، فيما ينتشى ذووهم ملوحين بعلامات النصر من النوافذ وهم يكبرون: «يا الله انصر مرسى واللى معاه»، من أمام استاد القاهرة، يقف السيد عبدالعزيز إلى جوار التاكسى الذى يقوده متصلاً بصديق عمره، مخبراً إياه بتغيير وجهته من حدائق القبة حيث مسكنه إلى ميدان الاعتصام حيث أنصار الشرعية، حسب وصفه، الأعداد تتزايد، أمام المنصة تطل الحواجز المبنية من أحجار الأرصفة، يعتليها عدد من الشباب كفرق استطلاع، فيما يقبع خلف الأسوار الحاج «سليم» ممسكاً بعلبة تمر يوزع منها على الوافدين. يسير «أحمد الأزهرى» ممسكاً بيد رفيق دربه، قادمين من إمبابة، الشاب الكفيف يقول بوجه باسم: «مرضتش أصلى هناك وقلت أجيب إمبابة وأجى ننور رابعة»، تبدأ الأسر فى افتراش الأرض، فى الوقت الذى يبحث عدد غير قليل عن مكان للوضوء، فيما قرر آخرون التيمم بسبب الزحام الشديد على دورات المياه المصنوعة من كردونات خشبية، الساعة تشير إلى السادسة إلا الربع، يُسمع أصوات الصلاة فى المساجد المجاورة، غير أن المنصة لا تزال تردد تكبيرات العيد، يتساءل عادل طه عن سبب التأخير، فيأتيه الرد «الصفوف مش متنظمة.. وعايزين الكل ياخد الثواب»، الرجل الأربعينى القادم من محافظة المحلة يؤكد أن انضمامه لصفوف الجماعة بالقاهرة أفضل من «الدعوة» فى بلدته، لذا يأتى إلى القاهرة مرتين فى الأسبوع برفقة خالد ولده الأصغر «الإعلام أكل دماغ الناس وبيضحك عليهم.. وهنا الرسالة بتوصل أوقع»، عشر دقائق مرت على موعد إقامة الصلاة، فيما يسود الصمت الأجواء. فى أحد الأركان، وقف أحمد سعيد، الذى لم يكمل عامه الخامس عشر أمام منضدة تحمل منشورات «مع الشرعية.. يسقط حكم العسكر»، ممسكاً ب«ختامة» تحمل عبارة «ضد الانقلاب» لختم أموال الزائرين، الصبى الصغير معتصم فى الميدان قبل شهر كامل، مؤكداً أنه فخور بإظهار الحقيقة للزوار، على بعد خطوات نصبت خيمة كبيرة غلفتها عبارة «مركز توثيق مجازر ميادين مصر» تضم صور ضحايا أحداث الحرس الجمهورى والمنصة، بعيون دامعة راح «إبراهيم حسين» يتفحص الصور عسى أن يعثر على «صبى ورشته» الذى رحل فى أحداث المنصة، فيما راحت «هدى» ابنة الاثنى عشر عاماً تدقق فى المشاهد للوقوف على أسماء الضحايا، يقول «أحمد الشاطر»، أحد المسئولين عن الخيمة أن المكان أسسته حركة «شباب ضد الانقلاب» لدحض أكذيب الإعلام «إحنا هنا الشعب الحقيقى ولازم الناس تعرف إن فى حق للناس اللى ماتت»، يجيب الشاب العشرينى على سؤال بأن أجواء العيد لا تتناسب مع وضع صور مأساوية «بالعكس الحدث الأهم من العيد إن مصر كلها حزينة بسبب الانقلاب». على أطراف ميدان رابعة، كان الجميع ضد الانقلاب «معلمون ضد الانقلاب، ومهندسون، وفلاحون، ومحامون.. » هكذا تشير اللافتات فيما كانت اللافتة الأبرز «رنجة ضد الانقلاب» تعتلى «موتوسيكل» يتراص فوقه عدد من صناديق السمك الذى اشتراه «ياسر صلاح» يوم الوقفة، «معتصم من يوم 28 يونيو والحال واقف قلت استرزق بدل ما الإحباط يخلينى أسيب المكان»، الرجل الأربعينى، عامل نسيج باليومية، يقطن حى البساتين، ولم يترك الميدان لوهلة مدللاً على عدم انتمائه لجماعة الإخوان بتلك السيجارة التى يدخنها أثناء حديثه، تمر سيارة ربع نقل تحمل فوقها براميل مياه لتروى عطش المارة، بينما تقبع خيمة «كحك وبسكوت الشرعية» فى الجهة المقابلة، أمام الفرن تراقب هدى فهمى، إحدى أخوات محافظة الشرقية العمل مؤكدة أن الغرض الأساسى من المكان هو إدخال السرور على قلوب المعتصمين «عشان محدش يحس إن العيد غير السنة دى عملنا كل أجوائه وإحنا هنا». ببطء يسيران، يكتمان الضحكات، ملابسهما تناقض تماماً مظهر آلاف الحضور، يرتدى أحمد حمدى بنطالاً يتخطى الركبة بالكاد، دخل وسط الاعتصام رغماً عنه بسبب صديقه الذى يقطن بالعمارات المجاورة للاعتصام «مش عاجبنى الوضع هنا.. الناس دى فاهمة إن الإسلام ملكهم وبس.. والمشكلة إن مرسى كان لازم يمشى عشان غرق البلد»، يدخل فى الحديث «عمر محمد» الذى تطوق رقبته سلسلة فضة، معتبراً أن معظم الموجودين مغرر بهم باسم الدين، قبل أن يعبر عن حزنه بسبب سقوط ضحايا «خايف على العيال الصغيرة اللى هنا.. المشكلة الغلابة بيموتوا والقيادات محدش بيشوفهم». يبدأ الجميع فى تشغيل هواتفهم المحمولة لرصد «الإرهابيين اللى ملوا رابعة» حسب شاب عشرينى ساخراً، فيما يهرع عدد من الأطفال صوب ملاهٍ أقاموها خصيصاً للاحتفاء بصغار السن، داخل خيمة تتجاوز مساحتها 500 متر تحت اسم «أطفال ضد الانقلاب» كانت الأجواء كرنفالية بطعم السياسة، لذا يقول «عمر عصام» الذى لم يتخطَ عامه العاشر أنه حضر بوعد من والده أنه سيقضى وقتاً ممتعاً فى الملاهى.