أحجار تتراص بأشكال مختلفة على الأرض، تحيط ببقع دماء واضحة على الأسفلت الذي كتب عليه جملة واحدة «هنا دم شهيد»، وبالقرب من المنصة أحاطت الأحجار ببقعة دماء، لكن كُتب بداخلها أيضا عبارة «رائحة المسك تفوح من دم الشهيد». ينحني المارة على الأرض ليشمون الرائحة، ثم يهتفون بصوت عالٍ «الله أكبر»، ليصرخ عجوز في انفعال «اللي بيقولوا عنهم بلطجية، ريحة دمهم مسك». بالقرب من مدخل الاعتصام خيمة كبيرة تراصت بداخلها أعداد جريدة «الحرية والعدالة»، وعُلقت عليها لافتة «هنا مقر تجميع شهادات الحرس الجمهوري»، وعلى العمود الآخر للخيمة عُلقت لافتة «اتصور واطبع صورتك في الاعتصام». يقول معاذ هنداوي الشاب العشريني ذو اللحية الكثيفة، نحن حركة «شباب ضد الانقلاب» أنشئنا هذه اللجنة الإعلامية لتوثيق أحداث الحرس الجمهوري من خلال تجميع الشهادات الحية ممن حضروا الواقعة، وأيضا تجميع الفيديوهات الخاصة ب«المذبحة»، موضحا أن هذه المواد يتم توصيلها إلى وسائل إعلام مصرية وأجنبية، وأيضا سيتم تنظيم معرض عالمي لتوضيح الأحداث. ولا يقتصر العمل فى تلك الخيمة على تجميع الشهادات عن الأحداث فقط، بل يشمل نشاطها تصوير المعتصمين وطباعة الصور لهم مقابل مساهمة غير محددة منهم، مثلما يقول هنداوي، ليحتفظوا بلحظاتهم المميزة داخل الاعتصام. قبل الإفطار بساعة واحدة، غالبية المعتصمون مسترخون داخل خيامهم التي تظهر من فوقها أطباق «الدش» الهوائية، وبداخلها شاشات التلفزيونات التي أحضروها من منازلهم حسب قول ربيع بسيوني، الكيميائي الذي ترك عمله وأتى إلى الاعتصام دعما «لشرعية مرسي، وعودته للرئاسة وعودة الدستور والبرلمان». الحاجة أم الاختراع وللتغلب على حرارة الجو المرتفعة تتألق الاختراعات في اعتصام رابعة العدوية، فبعد اختراع رشاشات المياه الباردة، التي يتولى مسئوليتها بشكل كبير صغار السن في الاعتصام، بحيث يتجولون يرشون المعتصمين بالمياه للتخفيف من درجة حرارة الجو، ابتكر المعتصمون طريقة جديدة يصلون بها زجاجة مياه باردة بالمراوح داخل الخيام لتحمل المروحة رزاز المياه الباردة إلى المعتصمين الذين احتموا داخل خيامهم من حرارة الشمس في نهاية يوم صيام. «عشان يعرف أن أحنا قاعدين 7 سنين ومكملين» قالها المدرس سليمان محمد الذي يأتي من سيناء في أيام إجازته الأسبوعية ليشارك في الاعتصام، تاركا وراءه أهله في سيناء، ليبدأ في شرح الوضع هناك من وجهة نظره، حيث يري أن التفجيرات التي تحدث هناك مفتعلة ولا علاقة لمرسي وأنصاره بها. التقط طرف الحديث ثروت محمد إسماعيل الذي يعمل مدرسا في الأزهر، قائلا: «كل ما يحدث مؤامرة على مرسي، وبالرغم من أني أعمل في الأزهر إلا أني أطالب بإقالة شيخ الأزهر لموقفه المتخاذل من دعم الشرعية مرسي». يعمل المعتصمون على توفير سُبل للراحة ليس فقط للمعتصمين من الكبار، بل لأطفال رابعة أيضا، الذي أهداهم «شباب قرية فاقوس بالشرقية» ألعاب ملاهي عبارة عن حصان عُلقت عليه لافتة «اركب السيسي»، ليلهون بها قُبيل عيد الفطر، ويقول أحد المعتصمين الذي أتي من سيناء بمفرده أنه ينتوي أن يأتي بأفراد أسرته ليقضون معه إجازة العيد فى الاعتصام. ويقضي الأطفال في رابعة العدوية وقت انتظارهم لدورهم في «ملاهي رابعة» يهتفون «كلنا مشروع شهيد»، و«دبابة تحت، طيارة فوق مرسي بالعافية أو بالذوق»، و«ياللى ساكت ساكت ليه مرسي رجع ولا ايه»، ليعلو بعد أن ينهوا هتافهم صوت أحد الأهالي «هما دول رجالة المستقبل».