في فندق لإحدى المدن السياحية الواقعة على البحر الأحمر، اعتدت منذ ثلاث سنوات أن أرى سيدة ذات ملامح إفريقية تتكلم الألمانية، لم يحدث أن تعارفنا مسبقا، ولكني لم اتفاجأ عندما ألقت علي التحية وطلبت الجلوس، فكلتانا تعرف وجه الأخرى جيدا، لطالما تابعتها وشاهدت انطلاقها ومداعبتها أطفالي، وطريقة استمتاعها بنفس المكان الذي شعرت فيه بالملل. اندهشت كثيرا عندما اخبرتني أن لديها ثلاثة أبناء أكبرهم بنفس عمري، وأصغرهم تسع سنوات، فقد ظننت أنها لم تتجاوز الأربعين، ثم سكبت الثلج فوق رأسي حينما أخبرتني أنها آسفة من أجلي، وحزينة لعبوث وجهي، قالت لي نصا "كأن قيودا حديدية وضعت بيديك وقدمك"، وكأن صاعقة من السماء وقعت فوق رأسي، ازداد وجهي عبوثا وانصرفت مستأذنه، ثم انطويت بجانب بعيد، استعيد كلامها وأردده على نفسي أفند حياتي وأحللها، كم هو مقدار السعادة الذي حافظت عليه، استحضرت صورا لمراحل حياتي، استطعت بالكاد أن أذكر قليلا من الانطلاق والحرية، تذكرت زمنا لم أكن مضطرة فيه للعبوس حتى تظهر تجاعيد وجهي كي أضفي علي نفسي مظهرا وقورا، فلا يطمع الرجال ولا تثرثر النساء، تذكرت أياما ضحكت فيها من قلبي، لعبت وجريت وقفزت في الماء دون أن أكترث بمن يراقبني ومن يقتفي أثري. ثم تأملت حياتنا الآن فرأيت مجتمعا بآئسا ينقب دوما عن التعاسة ثم يوزعها على الجميع، حقا! لقد تآمر الجميع على الفرحة والرضا والحب وصفاء البال، فالنساء تمثلت اهتمامتهن في الكيد لبعضهن وعقد المقارنات، ثم الخوف من الحسد وملاحقة الزوج وقصقصة ريشه، وأما عن الرجال فحدث ولا حرج، رغم أني أشعر بقليل من الحرج في انتقاد الرجال حتى لا أتهم بالعنصرية. ولكن لا مانع من بعض النقد، فالرجل المصري هو ذلك الكائن الساحب للأكسجين من الهواء، الهابط بمظلته على حياة المرأة ليحجب عنها ضوء الشمس، ثم يصب عليها جميع إحباطاته وإخفاقاته، يظل يستنزف شبابها ساحلا إياها بحبل العرف والعادات والتقاليد، حتى تسحق تحت قدميه تماما، فينظر إليها ليرى أمامه مسخ لامرأه شاحبة الملامح عديمة الرحيق، فتشمئز منها نفسه فيذهب ليبحث عن أخرى يجد معها سعادة فقدها في رحلة بحثه عن التعاسة. أخرجتني من شرودي صديقتي الخمسينية عندما جاءت معتذرة عن نقدها، خوفا أن يكون قد أغضبني، ابتسمت لها ثم تمتمت "تبا لهؤلاء التعساء".. خذيني معك، أوشكت الشمس على الغروب.. والعمر أيضا.