اتصال واحد يغيرنا . دقة جرس واحدة تحدد أقدارنا ومصائرنا. الجميع فى حالة من الصمت والترقب . ولا صوت يعلو فوق صوت الانتظار. ذبابة تحوم حول لمبة متدلية من السقف قد آبت أن تخضع لقوانين الصمت. أرمقها فى شىء من الشرود ينم عن حالة من التفكير العميق. يزوغ بصرى يميناً ويساراً دون قدرة منى على التحكم . فأرمق والدتى المتكئة على أريكة خشبية متلفعة بملابس اليأس والحزن . ترمقنى فى صمت بنظرات أتحسسها بلا اعتراض. وأختى .. وردة الأمل الباهت فى مجتمع أصابه العبوس, تجلس إلى مقعد بجانب والدتى فى انتظار دقة جرس تغير أقدارنا. انطوى كل منا على نفسة محتمياً بأفكاره. فلايعلم أحدنا بما يدور بخلد الآخر ، فالكل أولى بما يدور بخلده حتى يتحدث بما يضمره. ويزوغ بصرى إلى حوائط الغرفة نازعاً عنى حالة الانتظار. أتأمل تجمعات الكلمات الصغيرة المكتوبة على الحوائط المصابة بالشروخ والعجز. أُدقق النظر فيما كُتب. فيلقى المكتوب بظلاله على أيام المراحل المنسية. لم أستطع مشاطرة رغبة داخلى تدفعنى للاقتراب من موضع الكلمات. فحسبى النظر إلى موضع الكلمات فأعرف فى أى مرحلة كٌتبت. فإلى الحائط المواجه للمقعد الذى أجلس عليه هناك بعض الكلمات المليئة بالبراءة والنقاء دون هموم أو خوف من الغد ، ومشاعر صافية وحب لمجرد الحب. تستهوينى العودة إلى الذكريات فضلاً عن الانتظار . فأتجه صوب الحائط المنتصب خلفى حيث مرحلة أخرى فى ارتقاء سلم البلوغ وموثقة بمشاعر الشعراء تجاه أحبابهم . اُدقق النظر إلى الشعر المكتوب ثم أٌتمتم: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا ثم أعتدل فى جلستى منتشياً مما قرأته على الجدار ، وطافت برأسى كل خطوة فى صحبتها كان فيها ما فيها من الجنون والاندفاع والحب الممزوج بمتطلبات المجتمع. أتجه تلقائياً بالنظر صوب إحدى ناطحات السحاب التى أقيمت مكان بيتها الذى تم إزالته. هناك كانت شرفتها التى تطل منها كالقمر ، وتتجاوب إشاراتها باليد مع إشاراتى المتكررة, ثم تبدلت حتى أمست الأيادى تتلاصق على مرأى ومسمع من العالم من حولنا فيما عدا الأهل. تذكرت كل ذلك وكأن أصبعى قد أدار زر المسجل ، فأعاد شريط علاقتنا. ولكن اليوم لا شرفة ولا بيت ولا حبيبة. فقد غادرت مع الزمن البائد لتلك المرحلة وانتزعت لنفسها حياة أخرى. اليوم ليس كالأمس. فالنفوس تتبدل والأفكار تتغير ، وتعلو المادة مكان الحب . لا مكان للحب. فقد تغيرتُ تلقائياً مع المجتمع وطويت كل مراحل الحب المنسية مع كتابات الجدران ولن تعود سوى فى حضور الذكريات. عقارب الساعة تشاطر الذبابة كسر الصمت ، يتبعها صوت هاتفى الشخصى ، أُمسك به فى سرعة ، تطفو السعادة على وجهى ثم أتحدث: وصلتِ!.. مسافة الطريق.