سادت وتسيدت، وحكمت وتحكمت، وآن لها أن ترحل، مثل جميع رجالها المحالين للمعاش فى سن الستين، جاء الدور على الدولة العسكرية أن تتقاعد هى الأخرى عن العمل السياسى فى السن نفسها، هكذا شاءت الأقدار أن يكون شهر «يوليو» الممهور فى سجلاتهم بتسلم الدولة -بعد 147 عاما من حكم أسرة محمد على- عام 1952، والمدون فى كتب التاريخ بالثورة المجيدة «للضباط»، أن يكون الشهر ذاته الذى ترفع فيه من على أكتافهم نياشين قيادة جمهورية مصر العربية. 60 سنة بالتمام والكمال -إلا 23 يوما- منذ أن تولى العسكر حكم مصر -بناء على ثورة يوليو التى خلصت الدولة من العهد الملكى- تنتهى اليوم بمجرد أن يحلف مرسى يمينه، يسلم العسكرى الحكم إلى ثورة جديدة تبدأ عهدا جديدا من «إن الحكم إلا للمدنى». «رأس الدولة فقط هو الذى لم يعد عسكريا» هكذا يرى خالد عزب -أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والمشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة- فانتقال السلطة من وجهة نظره تعنى انتقال مصر لدولة مؤسسات تضع الرؤى والأسس للبلاد على عكس ما كان يتم خلال الستين سنة الماضية، والتى كان يديرها العسكر ومؤسسات الأمن القومى، فالعسكر لا يزالون مسيطرين على المحليات وتفاصيل البلاد، معتبرا أن الرئيس الجديد سيضطر آسفا للجوء رغما عنه للمؤسسة العسكرية، إذا لم يتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور. يُقسِّم أستاذ التاريخ «حكم الدولة العسكرية» إلى 3 مراحل أولاها ما سماه بالشرعية الثورية التى مثلها عبدالناصر، والثانية مرحلة ثورة الدولة برئيسها السادات، والثالثة مبارك الذى كان من المفترض أن يمثل بداية الدولة المدنية كونه لم يحمل شرعية ثورة يوليو -حسب صاحب مشروع ذاكرة مصر المعاصرة- ويرى «خالد» أن الدولة العسكرية كانت لا بد أن تنتهى بعد 40 سنة من ثورة الضباط الأحرار فيما أسماه «سن الرشد»، مضيفا أن مبارك لو كان تنازل عن الحكم طواعية فى أوائل التسعينات لشخص مدنى كانت الدولة العسكرية ستمجد فى تاريخنا، إلا أن مبارك ورجاله تسببوا فى الهتاف ضدها «يسقط يسقط حكم العسكر». الطريف أن الذى استلم الراية من «العسكر» ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، تلك الحركة التى تذبذبت مؤشراتها صعودا وهبوطا طيلة الستين سنة حسب اسم الحاكم، ف«عبدالناصر» الذى كان صديقا لحسن البنا الأب الروحى للإخوان نكل بهم بعد حادث المنشية فى 1954، وأعدم كبار رجالها فى 1965، غير أنهم عادوا للأضواء مع «السادات» الذى هدم لهم سجون المعتقلات وعقد معهم الصفقات للإطاحة بيسار «ناصر»، فجاء رحيله برصاصة من أفراد الجماعة الإسلامية، فيما وصمهم مبارك ب«المحظورة» قبل أن تقع على يديه الدولة العسكرية من خلال ثورة شعبية ألقت به فى غياهب السجون. يرى «عزب» أن ما يفعله المجلس العسكرى من ضمانات لحقوقه كالإعلان المكمل لا يتم وضعه تحت بند محاولات الإبقاء على الدولة العسكرية، بقدر ما هو ممثل لحالة عدم الثقة الموجودة بين كل أطراف المجتمع