لم تختلف ثورة 23 يوليو 1952 كثيرا من حيث الأسباب التى قامت من أجلها عن معظم الثورات التى شهدها العالم، فقد قام الضباط الأحرار بمشاركة جماعة الإخوان المسلمين ومساندة أبناء الشعب المصرى بثورة يوليو ضد الدولة الملكية بحثا عن الحرية والعدالة الاجتماعية وللقضاء على الطبقية التى كانت من أهم سمات المملكة المصرية حينئذ، وبالفعل قد نجحت الثورة فى الإطاحة بملك مصر ورحل الملك عن عرشه ليستتب الأمر للضباط الأحرار. وانتظر الإخوان المسلمون أن يفى الرئيس جمال عبد الناصر بوعوده لهم التى وعدهم إياها مقابل مشاركتهم فى الثورة لإعطائها الصبغة الشعبية وكان من أهم هذه الوعود هو تحكيم الشريعة الإسلامية، ولكن سرعان ما انقلب ناصر على شركاء الثورة فراح يصب جام غضبه عليهم وذلك بأن فتح لهم أبواب السجون والمعتقلات ولا أدل على ذلك من إعدام مفكر جماعة الإخوان الشيخ سيد قطب وخمسة آخرين من أهم قيادات الجماعة. ولقد استمر ذلك الوضع طوال حكم عبد الناصر إلى أن جاءت فترة حكم الرئيس السادات والتى شهدت هدوءًا نسبيا لم يدم بسبب إبرام معاهدة السلام والتى شهدت جدلا سياسيا وشرعيا انتهى بمقتل السادات فى 6 أكتوبر عام 1981، ليتولى نائبه محمد حسنى مبارك حكم مصر والذى أذاق الشعب المصرى كل ألوان العذاب وبخاصة المنتمين للتيار الإسلامى، حيث إنه قالها صريحة: (لن أرحم أحدا من الإسلاميين)، لقد ظل مبارك على عرش مصر قرابة الثلاثين عاما أصبح الفساد فيها ضاربا بجذوره فى أعماق أعماق الدولة المصرية، حتى أن الشعب قد ضج بكامل طوائفه، فانتفض ثائرا على تلك الأوضاع المتردية فى الخامس والعشرين من يناير لتبدأ مصر فى بناء دولة يناير المدنية بعد دولة يوليو العسكرية التى حكمت البلاد قرابة الستين عاما. "المصريون" رأت أن ترصد ما يدور من خواطر فى عقول الساسة فى الذكرى الستين لثورة يوليو: د.محمود غزلان: وجود العسكر فى السلطة هو العائق فى البداية، يقول الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين إن مصر لن تتحول إلى مدنية يناير التى قامت من أجلها، حيث ثار الشعب المصرى ليقضى على عسكرة يوليو، إلا إذا تحول نظام الحكم من نظام ديكتاتورى فاسد إلى نظام ديمقراطى يؤمن بتداول السلطة والممارسة السياسية فى الإطار الذى يحدده القانون. كما أكد غزلان أن المعوقات التى ستقف حائلا دون تحقيق ذلك تتمثل فى وجود العسكر فى السلطة كشريك فى الحكم وهذا ما سوف يؤدى إلى ضياع المدنية والعودة بمصر إلى ما كانت عليه قبل الثورة من بيروقراطية سياسية لا تؤمن بالتعددية الحزبية ولا بالحريات وهذا ما لن يرضى به الشعب المصرى. كما أبدى غزلان أسفه من بعض الأحزاب السياسية والقوى الثورية وممن يوصفون بالنخبة لوقوفهم ضد إقامة الدولة المدنية من خلال انحيازهم الواضح للعسكر وتأييدهم له وترحيبهم بكل ما يتخذه من قرارات حتى وإن كانت تلك القرارات خاطئة. د.عبد الله الأشعل: مدنية يناير ليست سهلة والأمر قد يستغرق وقتاً من جانبه، أكد الدبلوماسى د.عبد الله الأشعل أن انتقال مصر من عسكرة يوليو إلى مدنية يناير ليس بالأمر السهل وإنما ذلك قد يستغرق وقتا طويلا لأن دولة يوليو قد كرست لأوضاع خاطئة كثيرة هذه الأوضاع قد صورت العسكر على أنهم أصحاب الشرعية وأنهم هم الكنز الوطنى وذلك ما جعلهم يتعاملون باستعلاء مع جميع القوى الوطنية. وأضاف الأشعل أن التاريخ لن يعود للوراء يوما وأن حكم العسكر قد انتهى وأنه قد أصبح عنوانا للماضى وأن الشعب قد أراد المدنية بدليل أنه قد اختار الدكتور محمد مرسى رئيسا للجمهورية منصرفا عن أحمد شفيق ممثل الدولة العسكرية. د.طارق الزمر: لقد حُكِمنا 60 عاماً بمنطق القوة يقول الدكتور طارق الزمر القيادى البارز بالجماعة الإسلامية: نحن لدينا أمل كبير فى أن تستكمل ثورة يناير إنجازاتها حتى تستطيع مصر أن تسير على طريق الدولة المدنية. وأكد الزمر أن أول شىء ينبغى فعله هو أن يبتعد العسكر عن الحكم لأنه ليس من المعقول أن يقوم الشعب المصرى بثورة مجيدة ثم يظل يُحكم بنظام بدائى فالنظم البدائية هى التى كانت تحكم من منطلق القوة. كما أكد الزمر أن الشعب المصرى لن يسمح باستنساخ النظام التركى الذى تخلص منه الأتراك فى وقت نحن فى أمس الحاجة إلى أن تعود لنا كرامتنا وشرفنا. وأضاف: لقد أُعطى العسكر فرصة الحكم مدة 60 سنة وبكل أسف قد أوصلوا البلاد لأوضاع مأساوية فى كل المجالات ، وختم الزمر كلامه مستنكرا على بعض القُوى الليبرالية التى تقف بكل قوة خلف العسكر وهم بذلك يريدون حمل البلاد نحو الديكتاتورية مرة أخرى. د.عمرو هاشم : تدخل العسكر فى الشأن العام يقضى على أمل المدنية يرى د.عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام الإستراتيجى أن انتقال مصر من دولة يوليو العسكرية إلى دولة يناير المدنية يتطلب أن تكون الحكومة مدنية على أن يتم اختيارها بالأسس الديمقراطية وأن تُجرى العملية الانتخابية فى مناخ يؤدى فى النهاية إلى نزاهة نتائجها. كما أشار ربيع إلى أنه لابد من إعطاء الحرية المقننة للمجتمع المدنى للقيام بدوره هذا مع حرية تأسيس الأحزاب السياسية لتقوم بدورها فى قيادة المجتمع لصنع جيل على قدر عال من الوعى السياسى الذى حُرم منه الشعب المصرى طيلة العقود الماضية فى ظل حكم العسكر للدولة. د. كمال الهلباوى: ثورة يوليو لها بعض الايجابيات يقول المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان فى الغرب د. كمال الهلباوى: إن ثورة يوليو التى قامت عام 52 ضد الملكية الفاسدة الظالمة قد استطاعت أن تؤسس للجمهورية الأولى، ولا ننكر أن لها بعض الإيجابيات ومنها أنها قد فتحت مجانية التعليم، وقامت بتوزيع الأراضى على الفلاحين، وأنشأت المصانع التى أسهمت فى توظيف الشباب... وأضاف: إن مصر الآن تعيش فى بداية عصر الجمهورية الثانية، والتى بدأ مع قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير- وإن من أسباب قيامها هو تحويل مصر من دولة عسكرية إلى دولة مدنية بمعنى نقل جميع السلطات للمدنيين المنتخبين من قبل الشعب، وهذا ما لن يتم بسهولة، ومن ثم فعلينا أن ننتظر بعض الوقت حتى يتمكن المضطلعون بتلك السلطات من الحصول عليها كاملة. كما أكد الهلباوى أنه يجب على العسكر أن يعلموا تمامًا أن العالم كله الآن يُحكم من خلال الحكام والحكومات المدنية المنتخبة، وأنه لا مكان للحكم العسكرى. وعن أنصار ثورة يوليو فى هذا العصر، يقول الهلباوى: لقد وقف الكثيرون منهم مع الدكتور محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة إيمانًا بضرورة أن تحكم البلاد حكمًا بعيدًا كل البعد عن حكم العسكر مرة أخرى ولكن وبكل أسف لقد وقف بعض الناصريين مع شفيق ظنًا منهم بأنه الوحيد القادر عل السير بمصر على المسار الصحيح. د. محمد حبيب: جذور يوليو ضاربة فى أعماق الدولة يرى النائب السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد حبيب، أن ثورة يناير قد أطاحت برأس النظام فقط ولكنها إلى الآن لم تستطع اجتثاث رجال النظام وأركانه وجذوره المتغلغلة فى عمق الدولة المصرية.. كما أكد أن الفساد الذى قد أصلت له العهود السابقة من حكم العسكر لازال هو المتحكم فى كل مفاصل الدولة وأن ثورة يناير لن تستطيع نقل مصر من العسكرية إلى المدنية إلا إذا نجحت فى القضاء على تلك الجذور الفاسدة، وأضاف أنه لا يمكن أن تتحول مصر إلى المدنية إلا إذا عاد الشعب المصرى إلى الروح التى كان عليها يوم انطلاق الثورة حتى الحادى عشر من فبراير 2011، كما أكد أن هناك شرائح عديدة داخل المجتمع وبخاصة (حزب الكنبة) قد أصبحت تحمل فى صدرها بغضًا شديدًا للثورة وهؤلاء قد تم تزييف وعيهم وإقناعهم بأن الثورة هى المتسببة فى الانفلات الأمنى وهى التى ضيقت على الناس فى أرزاقهم، كما أن هناك أبناء الحزب الوطنى وميليشياته وبعض الرموز المحسوبة على الثورة تلك التى قد روجت للفريق شفيق، وهؤلاء ما سعوا إلى إعادة إنتاج النظام القديم إلا لالتقاء مصالحهم الشخصية معه. د. إكرام بدر الدين: الدستور هو الخطوة الأولى للسير فى طريق المدنية يقول د. إكرام بدر الدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الانتقال من الدولة العسكرية إلى المدنية فى أى مكان على وجه الأرض يتطلب أن يُطبق القانون فى دولة مؤسسات تؤمن بالحرية والمساواة الكاملة بين جميع أفراد الشعب بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الانتماء السياسى.. وأضاف قائلاً: إن العقبة التى تأخر مصر الآن من السير على مسار المدنية تكمن فى تأخر صياغة الدستور، فمنذ ما يزيد عن عام ونصف والدولة تعيش فى حالة من الفراغ الدستورى بغض النظر عن الإعلان الدستورى، فنحن نحتاج إلى دستور متكامل لينظم حركة الشعب. د.محمد الجوادى: الحل فى مَدْيَنة كل المؤسسات يؤكد د. محمد الجوادى أن انتقال مصر من عهد وأثر ثورة يوليو إلى طموح ثورة يناير يحتاج إلى آليات وخطوات واضحة المعالم ومنها العمل على مَدْيَنة كل المؤسسات والجهات الخاضعة للعمل تحت قيادات(الميرى)، ومثال ذلك أن تقوم الدولة بتحويل قطاع المرور إلى هيئة مدنية يقودها المهندسون المدنيون المتخصصون وليس ضباط وجنود الشرطة، وأيضًا المساحة والجوازات.. إلخ.. وأضاف: أن الحاكم إذا تربى على حياة الميرى ثم ترك خدمته لسنوات ليعود بعد ذلك رئيسًا أو مسئولاً فى الدولة لابد أن تكون شخصيته متأثرة بالطباع العسكرية من حيث الأمر والنهى وإطاعة الأوامر بغض النظر عن مدى صوابها أو خطأها، وهذا ما عانت منه مصر فى العهد السابق.. وختم الجوادى حديثه قائلاً: نأمل لبلادنا فى ظل القيادة الجديدة أن تبتعد عن رقابة الميرى التى قد أعيت البلاد عقودًا من التخلف السياسى .