صلى «عبدالحليم» صلاة الجنازة على الشهيد «عبدالرحمن أبوالعربى» بمسجد «مريم» وشارك فى حمل نعشه إلى المقابر، لكن لم يتخيل أنه سيلحق ب«عبدالرحمن» وسيُصلَى عليه بنفس المسجد وسيُحمل إلى نفس المقابر ويُدفن بها بجوار شهداء حرب 56. تشابهت ظروف وفاته مع ظروف وفاة «عبدالرحمن» والسبب واحد. بعد الجنازة وفى تمام الثانية ظهراً، فضّل الذهاب إلى محيط مديرية أمن بورسعيد قبل موعد عمله بنصف الساعة «عشان يشوف الدنيا فيها إيه»، وهناك التقى بضباط الجيش وطلب منهم «أن يمسك الجيش البلد عشان يحافظ عليها» بالقرب من مدخل المحافظة هاجمت مدرعة تابعة للشرطة المتظاهرين وأطلقت طلقات حية وخرطوش. انبطح الجميع على الأرض باستثناء عبدالحليم، لأنه لم يتعود على الوجود بالمظاهرات، فأصيب بطلق نارى فى رأسه نقل على أثره إلى المستشفى العسكرى، وبسبب عدم وجود إخصائيين مؤهلين للتعامل مع مثل هذه الحالات الخطرة تم نقله إلى مستشفى الإسماعيلية الجامعى الذى لم يستطع مداواته، فقرر تحويله إلى مستشفى الزقازيق الجامعى، وهناك قضى نحبه حسب رواية «إيهاب» شقيق الشهيد الأكبر، وهو شاب ثلاثينى يعمل مرشداً سياحياً بالقاهرة، كان يهاتف شقيقه المتوفى قبل إصابته ب10 دقائق. علم بخبر إصابته من أحد زملائه بالمستشفى «تعالى شوف أخوك اتصاب»، التقته «الوطن» فى شقتهم الكائنة بمنطقة أرض الجبل بحى الزهور غرب مدينة بورسعيد وسط أجواء يُخيّم عليها الحزن والبكاء المتواصل، والد الشهيد رقيب شرطة سابق متوفى منذ عام. كان «عبدالحليم» يقيم بمفرده مع والدته بعد زواج جميع أشقائه، يحاول «إيهاب» استجماع قواه والتماسك، لكن تنفرط الدموع من عينيه، ويقول بصوت خفيض: «عبدالحليم أخويا ضحية حب الإخوان للكرسى لأنهم مش بيدوروا إلا على مصلحتهم وبس، حسبى الله ونعم الوكيل فى كل ظالم»، «عبدالحليم» شاب بورسعيدى مكافح يعمل بمنطقة الاستثمار، قسم الملابس، فى الوقت الذى يُكمل فيه تعليمه بمعهد السياحة والفنادق، عقد قرانه على فتاة من الدقهلية منذ فترة وكان ينوى إتمام حفل الزفاف بعد شهور، لكن «مش هنعزّه على ربنا، عليه العوض ومنه العوض»، على حد تعبير شقيق الشهيد. والدة «عبدالحليم» جلست فى زاوية صغيرة من الشقة البسيطة ومن حولها العديد من السيدات المتشحات بالسواد يطيّبون بخاطرها، علامات الحزن تكسو ملامح وجه الأم المكلومة وتقول فى صوت خفيض «كان عريس يا عينى كاتب كتابه مالحقش يتهنا، فرحه كان بعد العيد، كان مالى عليا الحتة، من بعد موت أبوه السنة اللى فاتت وجواز كل إخواته»، وتتابع الأم الحزينة وهى غارقة فى دموعها «أبوه كان بيحبه لأنه بيسمع الكلام وحافظ القرآن وبيصلى كل الفروض». يتحشرج صوت السيدة ويخرج بصعوبة بالغة حينذاك تكمل شقيقته: «لسه مقدم على شقة فى المحافظة الشهر اللى فات عشان يتجوز فيها، وكان فرحان ومبسوط أن ربنا هيعوض صبره خير. أبويا كان شغال فى الداخلية طالع منها وهو رقيب شرطة»، ومع ذلك قُتل شقيقى برصاص الشرطة الذى لا يُفرّق بين أحد، وتكمل شقيقة «عبدالحليم»: «كان مكافح بيعتمد على نفسه، الصبح فى الشغل وبالليل بيذاكر، كان نفسه يكمّل تعليمه وياخد شهادة عالية». «حَمى» الشهيد رجل خمسينى اسمه صلاح اليد نمر من ميت غمر محافظة الدقهلية، يرتدى جلباباً متسعاً يبدو متماسكاً لكن حزن ابنته على عريسها يذرف عينه بالدموع «بنتى بتشتغل فى صيدلية لما عرفت بخبر إصابته أغمى عليها وجابوها ع البيت». أخبار متعلقة: مشاهد من 9 مارس منزل "مهاب" الأهلاوي..انهيار وصراخ ورفض حي "المعاشات" في بورسعيد: "نص بيضحك والتاني زعلان" الجزء الثاني من حفلة المجزرة حصرياً علي كل "القهاوي" التحرير.."طائرة النظام" تعود لمراقبة الميدان