من السهل أن تتأثر بمشهد ما، ويحرك ما بداخلك من أحاسيس ومشاعر، وربما تبكى وتنهمر الدموع من عينيك ولا تستطيع أن توقفها حتى تهدأ وتتأمل المشهد بدقة وإمعان وربما بعد أن تجهش فى البكاء، تتعالى صيحات الضحك منك على نفس المشهد وتدخل فى نوبة من «البكاء الضاحك». من الممكن أن ترى مشهدا واحدا بطريقتين، يضحكك ويبكيك، ويكون البكاء من القلب والضحك من داخلك، فإذا وضعنا أى مشهد أمام أعيننا فى الفترة الحالية لوجدنا انطباق نفس المبدأ عليه وربما يكون المثل القائل «شر البلية ما يضحك» هو العنوان الحقيقى للمشهد، لكننا إذا أمعنّا النظر أكثر من ذلك المشهد وشاهدنا المسرحية بالكامل بكل فصولها ومشاهدها من البداية منذ لحظة رفع الستار فهل سنضحك أم نبكى أم يمتزج البكاء بالضحك؟ لكننا الآن فى موقف صعب، مشهد لا يُبكى ولا يُضحك؛ لأننا باختصار لم نفهم المشهد؛ فإذا كان المشهد واضحاً أمامنا فرد الفعل أسرع إليه، أما إذا كنا نعيش مشهدا لا نفهمه فهو مشهد يكون فى البكاء دون دموع أو صوت وتكون فيه الضحكات أشبه بفتح الفم على آخره دون حركة والتى نطلق عليها «الضحكة الصفراء» وهذا هو الواقع. فعلى الرغم من قدرتنا على تمييز الأبيض والأسود والتفريق بينهما جيداً فإننا عجزنا فى التمييز بين اللونين رغم وضوح كل منهما، والسبب أننا لم نستطع قراءة المشهد أو نصنفه بدقة؛ لذا رسبنا وباقتدار و«لم ينجح أحد». وبات المثقف مثل الجاهل، الكل يتحدث فقط ويسرد المشاكل، والكل يعجز فى إيجاد الحلول، الكل خرج مع الثورة، والكل الآن يبحث عنها من مسجون إلى حاكم ومن حاكم إلى مسجون ولاعب أساسى إلى معتزل ومن لاعب احتياطى إلى هداف دون أهداف.. وتغير المشهد تماما وأصبحنا نضحك على أنفسنا الضحكة الصفراء وننظر للمشهد بالسخرية والضحك والتريقة، وبات أفضلنا من يجيد التعليق على المشهد وعلى حمادة وسحل حمادة وطلع حمادة مش حمادة وتسابقنا لنضحك أكثر ونطلق أمثلة المرحلة.. «ربنا ع الظابط والعسكرى وابن النظام».. و«اللى تحسبه مرسى يطلع حسنى».. و«سبحان مغير الإخوان».. و«خيرت تعمل شاطر تلقى». باتت السخرية العمياء هى الحل للهروب من الحل وعجزنا عن أن نواجه أنفسنا ونواجه المشهد الصعب.. المشهد باختصار هو احتياجنا إلى الأخلاق لثورة من الأخلاق والاحترام؛ فنحن أصحاب حضارة ال7 آلاف سنة والآن ألوان إشارة المرور فى العالم تقف عند اللون الأحمر ونحن ننطلق ولا نحترم أنفسنا؛ لأننا نحب الكذب ونكره النظام؛ فمن المضحك أن نطلب الحرية وعندما تصل إلينا نهرب منها، ومن المبكى أن نستغل حريتنا حتى نعود لطريق الماضى. فما أسعد دييجو أرماندو مارادونا، نجم الأرجنتين، الذى ذهب إلى إيطاليا ليطلب حريته من الطليان ويطلب العدل ويواجه العالم ليسترد حريته ويتحرك فى روما دون قيود ولم ينتظر أن يضعوا غيره فى مكان حريته.. وما أسعد لحظات محمد بركات، لاعب الأهلى، عندما بكى بعد أن سجل هدف الفوز للأهلى وحصل على السوبر الأفريقى؛ فهى دموع نهاية عبودية الملعب وشعور بحرية المستقبل؛ ف«بركات» الذى أدهش عشاق الكرة وأضحك الجميع بكى وحيدا، وهذا هو المشهد الأخير فى المسرحية، أين من كانوا يضحكون معنا الآن؟ ولماذا تركونا نبكى مع أنفسنا؟ وماذا ننتظر من إشارة مرور حمراء يراها الناس بعين المصلحة، خضراء إذا أرادوا عبورها، وصفراء إذا أرادوا مغازلتها، وحمراء إذا أرادوا الابتعاد عنها؟ ويسدل الستار ويضحك من يضحك ويبكى من يبكى والمشهد لم يتغير، والجماهير ما زالت فى صمت لا تصفق؛ لأن النهاية كانت أسوأ مما توقع الجميع وظل من يضحك يضحك ومن يبكى يبكى.