تفلتت غالبية المراكز الانتخابية الحضرية من أيدى مسئولى الانتخابات فى الإخوان؛ فذهبوا للريف لتعويض فارق الأصوات. ولتضرب الأقاليم المتفلتة رأسها بالحائط. بداية، لا بد أن أوضح أنى لا أرفض مطلقا مرجعية الصندوق الانتخابى، بل أجدها -على اختلاف طرائقها المتعارف عليها عالميا- الوسيلة الأنجع فى المدى الطويل لتقويم الأداء السياسى وتبادل الأدوار بين من لم يحسن فى بناء وإدارة سياساته ومن كوّن رؤية ببدائل أفضل واستعداد تطبيقى أكثر لياقة، كما أن الصندوق يسهم فى ترشيد السلوك السياسى وإدارة التوازنات فى المدى المتوسط. كما أنى لست ضد توجه جماعة الإخوان للترتيب لتعظيم عوائدها الانتخابية، بل هذا من ملامح السلوك السياسى التراكمى البنّاء المنبنى على الرضاء المدنى، لكنى -وبكل حزم- ضد أن تتحول المرجعية النسبية للصندوق إلى مرجعية مطلقة، يتمحور حولها الأداء السياسى دون نظر أو اعتبار للظرف التاريخى أو مصلحة الوطن، ويضحى فى سبيلها بالتلاقى بين فرقاء/ شركاء الوطن. ولكى تكون الصورة أكثر وضوحا، أريد أن ألفت إلى أنه على الصعيد الآخر، تثير المعارضة الميدانية فى التحرير أكبر حملة دعاية مضادة ضد الرئيس مرسى لمنعه والجماعة -على المدى المتوسط- من الحصول على أصوات انتخابية، وفق نفس منطق مرجعية الصندوق؛ حيث ترى أن تأزيم الواقع يحول فائض الأصوات إلى «التيار غير الإسلامى». وبين رؤية هذا الطرف وذاك للتعامل مع مرجعية الصندوق يضيع بلدنا. وفى تفسير ما يجرى، تحضرنى كلمة للمخلوع قبل أن يقرر الشعب المصرى خلعه؛ حيث قال: «أنا دكتوراه فى العناد». المشكلة أننا جميعا -معارضة وسلطة- نسير على خطى المخلوع فى أكثر السلوكيات التى أثارت عليه حنق المعارضة، ألا وهى العناد. ففى البداية عاندت المعارضة مع نتائج «غزوة الصندوق» الرئاسى، وبذلت الوسع لكى تحبط مسيرة إدارة الرئيس. ومع تراكم أخطاء إدارة الرئيس مرسى، خاصة الأخطاء الاستراتيجية، تعالت الترتيبات الرافضة لحكمه، لكنها فى البداية تجاهلت الصندوق وأنكرت نتائجه، ثم عادت بعد اطمئنانها لتحولات كافية فى الرأى العام، فقبلت بحاكمية الصندوق تحت لافتة «انتخابات رئاسية مبكرة». فى المقابل، عاندت إدارة الرئيس مرسى فيما يتعلق بقواعد اللعبة التى شاركت جماعة الإخوان فى الانتخابات الرئاسية لأجلها وفق تقديرى، وقدمت إدارته تنازلات متعددة إلا ما أصرت عليه مطالب المتحاورين من تغيير فى قواعد اللعبة، ومنها قانون الانتخابات والدستور، وجاء تذرعها الضمنى بالتهكم على التراجع كمبرر لعدم تقديم مزيد من التنازلات. ما يلمسه كل مصرى الآن أن كلا الفريقين -فريق الاتحادية وفريق الشارع- يتطلعان للصندوق، ويلهثان لتحقيق نسبة صوتية؛ كيدا فى أحدهما الآخر. أولهما يتصور أن التهاب الشارع وإبراز السوآت وسيلة لإعادة توجيه الأصوات الباحثة عن الاستقرار ولقمة العيش، وثانيهما يراهن على دور الأداء الخدمى لظهيره الاجتماعى والسياسى (جماعة الإخوان) سيقوده لتحصيل أصوات المهمشين فى المناطق البعيدة عن المراكز. وينسى كلاهما أن الوطن فى حاجة إلى تهدئة. الدور الحقيقى لمرجعية الصندوق أن يكون حكما بين الأطراف المختلفة فى أدائها لصالح أبناء هذا الوطن، وليس دوره أن يكون تلك الغاية التى نقوم بصياغة خطواتنا السياسية لأجلها، والتى لا نراعى معها الدفع بمصر نحو الهاوية.