نتيجة لصدمة الكثيرين من نتائج الجولة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية قرر البعض مقاطعة الانتخابات فى جولة الإعادة أو «جولة الحسم» يومى 61 و71من يونيو الجارى، فيما قرر البعض الآخر الذهاب إلى مراكز الاقتراع ليس لأجل التصويت وإنما لإبطال أصواتهم، خاصة بعد أن أصبحت جولة الإعادة محسومة بين مرشح الإخوان محمد مرسى، والمرشح المحسوب على النظام السابق أحمد شفيق، وهو الأمر الذى أصاب الكثير من المصريين بخيبة أمل وإحباط ووضعهم فى مأزق لأن الاختيار صعب، فإما انتخاب رئيس ينتمى إلى جماعة الإخوان وبالتالى إقامة الدولة الدينية على الطريقة الإيرانية أو الأفغانية، أو إعادة إنتاج نظام مبارك الذى ظل جاثما على صدورنا ثلاثين عاما. فى ذات الوقت فالذين يدعمون الدولة المدنية يرون أن المقاطعة ستكون لصالح الإخوان المسلمين، والعكس حيث يستميل التيار الإخوانى البسطاء بأن عدم ذهابهم يعنى فوز أحمد شفيق فى جولة الإعادة، فى حين علق المحللون السياسيون بأن المقاطعة لن تكون فى صالح الشعب نهائيا، لأنه سواء وافقنا أو رفضنا فإن أحد هذين المرشحين سيأتى لا محالة، وأشاروا إلى أن المقاطعة سلبية و«جبن»، مؤكدين أن كلا الخيارين مر وصعب ولكنهم قالوا دعونا نختار ونجرب من نراه مناسباً.
وكان للشباب الذين أعلنوا مقاطعتهم لجولة الإعادة من انتخابات الرئاسة رأى مختلف فهم يرون «أن مقاطعة الانتخابات وسيلة للتعبير عن رفضهم العودة لعصر مبارك لكون هذه الانتخابات كما قالوا «لعبة مخابرات وعسكر وشرطة مبارك» وقالوا أن المشاركة فى هذه الإعادة «مهزلة انتخابية»، واعتبروها «سركا مقاما على مكتسبات الثورة»، كما دعت بعض الحركات الثورية إلى مقاطعة الانتخابات أو إبطال الأصوات فى جولة الإعادة، ومنها اتحاد شباب الثورة، وائتلاف ثوار مصر، وغيرهما معتبرين أن المقاطعة سلوك احتجاجى إيجابى، لفضح التزوير، والتأكيد على أن الثورة لم تقم من أجل صعود الإخوان أو الفلول.
ولم يختلف موقف العديد من الأحزاب السياسية عن موقف شباب الثورة، والحركات والائتلافات الثورية، فالحزب المصرى الديمقراطى لم يحدد بعد دعمه لأى من أحمد شفيق أو محمد مرسى، وأعلن أعضاء الحزب أن الاتجاه الأقوى داخل الحزب يسير فى طريق مقاطعة الانتخابات الرئاسية أو إبطال أصوات أعضائه، كما حدث العديد من الاجتماعات واللقاءات المكثفة بين جميع الأحزاب المدنية وعلى رأسها المصريون الأحرار، والتجمع، والجبهة الديمقراطى، والتحالف الشعبى الاشتراكى، والوفد وغيرها للاتفاق على المرشح الذى سيدعمونه فى جولة الإعادة. والجميع أكد أن الموقف صعب من الاختيار بين الفريق أحمد شفيق الذى يمثل الثورة المضادة والمدعوم من النظام السابق، أو بين الدكتور محمد مرسى الذى يمثل تيار الإسلام السياسى، الذى يسعى إلى إنشاء دولة إسلامية ذات مرجعية دينية متشددة على غرار إيران وهو ما يرفضه الشارع.
وأعلن محمد أبوالعلا رئيس الحزب الناصرى، إن الحزب سيقاطع جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية لأنه لن يدعم أحد المرشحين، وقال الشعب لن يرضى بقيام دولة دينية أو استنساخ النظام السابق مرة أخرى، فالاختيار أمام أمرين، إما دولة مبارك من جديد، أو دولة المرشد، وشدد أبوالعلا على ضرورة تكاتف الجميع، ووضع مستقبل مصر فى المقدمة، وترك الخلافات جانبا، حتى نستطيع العبور بمصر إلى المقدمة، والسير بعيدًا عن الهاوية وبحر الدم الذى يحاول البعض جر مصر إليه. فى حين رفض فريق ثالث النتائج التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، مبررين ذلك بأن الطعون على النتائج مازالت منظورة أمام اللجنة الانتخابية، ولذا انطلقت دعواتهم لإبطال الأصوات فى جولة الإعادة، معللين ذلك بأنه الوسيلة الوحيدة لإبطال الانتخابات الرئاسية وإعادة إجرائها مرة أخرى.
وقال مروان على أحد الشباب المنتمين إلى حملة «مقاطعون» أنه ليس أمامه خيار سوى مقاطعة الانتخابات، معلقا على ذلك بأنه يكره الإخوان، ويكره كذلك نظام مبارك، وقال إنه لن يستطيع الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإذا ذهب إليها فإنه لن يستطيع وضع علامة صح أمام أى من المرشحين محمد مرسى أو أحمد شفيق.
وأضاف لا يمكننى الاختيار بين من يريدون ذبحنا بسيف الدين، أو من يريدون ذبحنا بسيف الفساد، مشيرا إلى أن الثورة لم تقم من أجل هؤلاء، إنها قامت للقضاء على نظام مبارك الفاسد، ولا يمكن أن تأتى بأحد رجاله رئيساً، أما الإخوان فقد خذلوا الثورة كثيرا، هذا إلى جانب كذبهم المستمر، وتاريخهم الملوث بالدماء، كما أنهم السبب لما وصلنا إليه الآن، فالمقاطعة من وجهة نظره هى الحل.
فيما قالت دينا فاروق إنها قررت هى والعديد من أصدقائها الذهاب إلى صناديق الاقتراع وإبطال صوتها، احتجاجا ورفضا لكلا المرشحين، وقالت إن العديد من أصدقائها على الفيس بوك وتويتر يدعمون هذا الاتجاه، بل ويحثون عليه، لشعورهم أن الثورة اختطفت، وقالت إنها لا تخشى لو قاطعت الانتخابات من ذهاب صوتها إلى أى من المرشحين المرسى أو شفيق، خاصة أن كليهما من وجهة نظرها سواء.
وفى هذه الأوقات أيضا سمعنا أقوالا لكثيرين من الشباب يدعمون المشاركة منها «أن من يريد مقاطعة الانتخابات فى جولة الإعادة يعنى أن دماء الشهداء ومصابى الثورة هانت عليه»، كما طالب البعض أيضا باتخاذ موقف إيجابى وحث الشباب بعدم المقاطعة قائلين «لا للمقاطعة وبلاش إنهزامية». [المستشار احمد مكى ]
∎«تصرف مهين»
فى حين يرى المستشار أحمد مكى أن الدعوات التى تناثرت مؤخرا عن مقاطعة الانتخابات أو إبطال الناخبين لأصواتهم تصرف مهين، لأننا فى وقت نحتاج فيه للنهوض بالبلاد من كبوتها، وأضاف لو كانت المقاطعة أو إبطال الصوت أمرا مؤثرا لوافقتهم عليه، ولكنه لن يفيد، أحداً وفاعله بذلك وضع نفسه فى مكان المهمل الذى لا يشعر بقيمته أو قيمة صوته، وقال كل القواعد القانونية تؤكد على أن الإنسان العاقل عليه أن يختار أخف الضررين، لا أن يمتنع تماما عن الاختيار.
ووجه المستشار مكى رسالة إلى كل شباب الثورة وشباب الفيس بوك وتويتر الذين يدعون إلى المقاطعة قائلا: ينبغى أن يكون هناك موقف لتفضيل أحد المرشحين على الآخر، لكن المقاطعة إهانة، وعليهم جميعا أن يقولوا: سننتخب ولن نقاطع «لأن المقاطعة لن تفيد، وأضاف لو كان إبطال الصوت أو المقاطعة لجولة الإعادة وسيلة لإبطال الانتخابات لعاونتهم على ذلك، ولكن المقاطعة لن تبطل الانتخابات، ولن تعيدها مرة أخرى، لأن القانون لا ينص على شىء من ذلك. وقال على الجميع ترك العناد والسلبية والتحلى بالعقل والمشاركة فى جولة الإعادة لأن مركب الوطن عندما تغرق لن يستفيد من غرقها أحد.
∎« المقاطعة لن تفيد»
المستشار حسنى السلامونى نائب رئيس مجلس الدولة بالإسكندرية، فيرى أن الدعوات التى تتردد بشأن مقاطعة الانتخابات غير صحيحة، ولن تكون سببا فى إعادة الانتخابات إذا لم يحصل المرشح الذى يخوض الإعادة على نسبة معينة بحجة أنه لن يعلن فوزه وستتم إعادة الانتخابات.
وقال السلامونى إنه طبقا للمادة «04» من قانون الانتخابات الرئاسية رقم «471 لسنة 5002» وتعديلاته فإنه يفرق بين الانتخابات فى الجولة الأولى وانتخابات الإعادة، ففى الجولة الأولى لا يعلن فوز المرشح بالرئاسة إلا إذا حصل على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة «05٪+1»، فإذا لم يحصل أحد على هذه النسبة يتم الإعادة بين أعلى اثنين فى الأصوات، ولكن فى جولة الإعادة فمن يفوز بالرئاسة هو من يحصل على أعلى الأصوات دون اشتراط نسبة معينة للحضور، وقال السلامونى «لو حضر خمسة ناخبين فقط وأعطى ثلاثة منهم صوتهم لأحد المرشحين، فهذا يعنى أنه أصبح رئيسا للبلاد»، وأضاف أن القانون لم يشترط حدا أدنى للحضور فى مرحلة الإعادة كما لم يشترط حدا أدنى للأصوات لإعلان الفوز فى الإعادة.
ومن ناحية أخرى يقول إن تنازل أحد المرشحين قبل جولة الإعادة أمر خطير، ومن ينادون بذلك يجهلون القانون، لأن تنازل أحد المرشحين يعنى فوز المرشح الآخر [المستشار حسن السلامونى ]