نظراً للجرائم الكثيرة التى قام بها الحشد الشعبى فقد حذرت منظمات حقوقية كثيرة من دخول ميليشيات الحشد الشعبى إلى المدن السنية المختلفة، لكن أصوات تحذيرها ذهبت أدراج الرياح، ودخلت هذه الميليشيات هذه المدن لتسلب القرى السنية وتنهب فيها وتشعل النيران فى البيوت بعد سلبها وتعذب الأبرياء دون وجه حق. ميليشيات الحشد الشعبى هى الوجه الآخر لداعش، فهما وجهان لعملة واحدة تحمل عناوين التكفير والتفجير والقتل والتطرف، ولكن الحشد الشعبى أذكى بكثير من أغبياء داعش، لأن الحشد يتبع دولة ذكية هى إيران ويتبع ميليشيا غاية فى الذكاء والتنظيم وهى «الحرس الثورى». والحشد الشعبى ميليشيات شبه عسكرية تدعمها إيران والحكومة العراقية السابقة أيام «المالكى» الذى كان يزعم ميليشيا هو الآخر، وهو الأب الروحى للتطرف المذهبى العراقى، ويتألف الحشد الشعبى من تجمع حوالى 40 ميليشيا وفصيل شيعى مسلح. والحشد الشعبى هو ميليشيا طائفية من الطراز الأول، أشرف على تدريبها وتسليحها وأدلجتها وتمويلها الحرس الثورى الإيرانى، وقد تجمعت فى منظومة واحدة بناء على فتوى المرجع الشيعى العراقى الأبرز السيستانى بالتزام شيعة العراق بالجهاد كفرض كفاية. ورغم مساندة الحشد للجيش النظامى العراقى فى محاربة داعش فإن ميليشياته معروفة بحرق المدن والقرى السنية بعد نهبها واغتصاب نسائها وتعذيب شبابها. وأخيراً انضم الحشد الشعبى كقوة مسلحة ضمن الهيكل العسكرى العراقى، وأخيراً أصبح فى العراق حرس ثورى طائفى متطرف. من يصدّق أن قوة طائفية مذهبية متطرفة ولاؤها الأكبر لوطن غير وطنها العراقى العربى مثل الحشد الشعبى تتحول إلى قوة عسكرية نظامية تابعة للدول العراقية؟ معروف أن الحشد الشعبى عبارة عن ميليشيات عقائدية مذهبية متطرفة كلها تنتمى لمذهب واحد وتدربت على يد الحرس الثورى الإيرانى ولديها الكثير من التعصب والتطرف وولاؤها للمرشد الإيرانى أكبر من ولائها لأى رئيس عراقى. يعرف الجميع أن جرائم ومخازى الحشد الشعبى أكبر بكثير من أن تسعها كتب ومجلدات، فكيف يتحول بقدرة قادر إلى جزء من الجيش النظامى العراقى؟ إنه قرار إيرانى ملزم للعراقيين جميعاً، بدءاً من الرئيس وحتى أصغر جندى فى ميليشيا الحشد الشعبى. من يصدّق أن هذه الميليشيات الدموية تتحول بين عشية وضحاها إلى وحدة من وحدات الجيش أو الشرطة العراقية، من يصدق تحول الحشد الشعبى إلى مؤسسة عسكرية عراقية وهو لم يغسل يده بعد من جرائم القتل بالاسم، حيث لم يكن يدع عراقياً اسمه أبوبكر أو عمر إلا وقتله وكان يقتل بالمذهب فيقتل كل من هو سنى بصرف النظر عن أى شىء آخر، ويقتل كل من ينتمى لحزب البعث ناسياً أن العراق كله كان مجبراً على دخول حزب البعث؟ من يصدّق الحشد الشعبى الذى كان يفجر مساجد السنة وهى مكتظة بالمصلين الآمنين المسالمين يوم الجمعة. من يصدّق أن العراق ستكرر مأساة الحرس الثورى فى إيران.. وستكون نواة هذا الحرس الثورى العراقى ميليشيات الحشد الشعبى. الحرس الثورى الإيرانى هناك يتبع المرشد، فتُرى من سيتبع الحشد الشعبى العراقى؟ إنه سيصبح جزءاً من الحرس الثورى الإيرانى ولا تهمه الدولة العراقية البتة. الغريب فى الأمر أن الرئيس الإيرانى ووزير دفاعه ليس لهما سلطان على الحرس الثورى الإيرانى الذى تفوق ميزانيته وتسليحه وعتاده ميزانية وسلاح الجيش. فالحرس الثورى الإيرانى يفعل ما يشاء داخل البلاد وخارجها.. يدرب جميع الميليشيات، يرسل المليارات إليها هنا وهناك، وميزانيته مع ميزانية المرشد وميزانية قم وصلاحياتهم أكبر من ميزانية وصلاحية الدولة والرئيس الإيرانى. دولة برأسين.. دولة مزدوجة. إيران تكرر هذا النموذج فى كل بلاد العرب.. فى لبنان حزب الله أقوى من الدولة اللبنانية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وتكنولوجياً ومخابراتياً. باختصار، حزب الله هو الدولة، يأخذ مغانمها ولا يدفع مغارمها، الحزب هو كل الدولة اللبنانية وابتلعها وهضمها. أما الحوثيون فهم النموذج الثانى للحرس الثورى فى بلاد العرب، فقد تغير اسمهم إلى أنصار الله، ميليشيات وسلاح وعتاد وقنوات وإعلام وعقيدة ومذهب مع القات القاسم المشترك بين اليمنيين، كل شىء تحول إلى نموذج مكرر من حزب الله اللبنانى. وها نحن أمام تكرار النموذج فى العراق.. مأساة عراقية فوق مآسيها.. فلتذهب إذاً الجيوش الوطنية إلى الجحيم، ولتحيا الميليشيات حسب المذهب الإيرانى الذى تريده فى بلاد العرب. هذه الميليشيات لها فكرها وقنواتها ومدارسها وجامعاتها ومن لا يقتنع بعقيدتها بهدوء ورفق فهناك سجونها السرية وأدوات تعذيبها وسوابق اختطافها وتأديبها لخصومها. إننى أقرر بيقين، وأنا فى هذا العمر وبعد خبراتى الحياتية الكثيرة ودراساتى الكثيرة فى تاريخ الشعوب والدول والجيوش والميليشيات، أن أسوأ الجيوش أفضل من أحسن ميليشا وأن كل الميليشيات سيئة لا يُستثنى منها أحد سواء السنية أو الشيعية أو المسيحية أو الشيوعية أو غيرها، لك أن تقرأ تاريخ ميليشيا الكتائب فى مذابح صبرا وشاتيلا فى لبنان لتعرف ما هى الميليشيات حقاً، أو تاريخ داعش أو القاعدة أو الحشد الشعبى أو الحوثيين أو غيرها، إن مصيبة الميليشيات أنها لا ضابط لها ولا رابط، وأن الإنسان عندها لا يساوى جناح بعوضة، وأن دماء مخالفيها أهون عليها من ماء الترع. وداعاً للدولة الوطنية، ووداعاً للجيوش النظامية التى لا تعرف الطائفية ولا المذهبية ولا العرقيات ولا تعرف إلا خدمة أوطانها.. سلام على العراق حتى يحل به الفرج.