الدراسة حملت عنوان "ترويض الميليشيات: بناء الحرس الوطني في الدول العربية المتصدِّعة".. وأكدت أن المليشيات تهدد استقرار الدول العربية "الحرس الوطني" مشروع نجح في أمريكا .. وفشل في الدول العربية نظرا للصراعات الدينية أمريكا فشلت فى تشكيل حرس وطنى"سنى" بالعراق لمحاربة تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين الجيش الليبى رفض فكرة تنظيم "حرس وطنى" خوفا من الصراع العسكرى والانقلاب على الشرعية ظهور الميليشيات المسلحة فى الدول العربية كان سببا فى انهيار الجيوش بها والتدخل الأجنبى في ظل الصراعات والأزمات التي تعيشها الدول العربية وتحديدا في العراق وليبيا وسوريا واليمن والتي أدت إلى انهيار الجيوش بتلك الدول لأسباب مختلفة ظهرت المليشيات المسلحة التي تكونت في إطار تحيز عرقي أو إثني ،وتميزت بعدم ارتباطها بالحكومة كما أن وجودها كان غير قانوني على الإطلاق من هنا ظهرت فكرة الحرس الوطني التابع للجيش والدولة إلا أن هذه الفكرة لم تنجح لعدة أسباب أكدها الباحثان فريدريك ويري وأرييل أرام في دراسة لهما بمركز كارنيجي للسلام في دراسة لهما بعنوان "ترويض الميليشيات: بناء الحرس الوطني في الدول العربية المتصدِّعة" , حيث أشارا إلى أن فكرة الحرس الوطني هي الحل الوحيد لعودة الأمن في الدول التي تشهد صراعات وكذلك قد تعمل على الحد من خطر وجود مليشيات مسلحة غير تابعة للدولة وقد تناولا كل من التجربتين العراقية والليبية بالتحليل ثم حددا أهم الدروس المستفادة من هاتين التجربتين لأخذها في الاعتبار. الحرس الوطني العراقي تقول الدراسة إنه في آواخر عام 2014، حين كان العراق يجتهد لاحتواء تقدم الدولة الإسلامية، دعا مسئولون عراقيون وأمريكيون إلى تشكيل حرس وطني، كوسيلة لدمج الميليشيات القَبَلية السنية في هيكلية القيادة الوطنية. هذا الاقتراح له الكثير من القواسم المشتركة مع حركة الصحوة السنية في أواسط العقد الأول من القرن الحالي، حين دعمت الولاياتالمتحدة تكوين ميليشيات سنية للمساعدة على إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة في العراق إلا أن الفكرة الجديدة الخاصة بتشكيل حرس وطني عراقي جديد، واجهت العديد من العقبات وفشلت في التجسد على أرض الواقع. وأكدت الدراسة أن ظاهرة الميليشيات شهدت صعوداً في العراق منذ إلاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين في عام 2003. وكانت الولاياتالمتحدة سارعت إلى حل الجيش العراقي ووحدات الشرطة فورا، واعتبرتهما حصنا للنظام القديم، كما خشيت أن يكونا مصدرا لانقلابات عسكرية. في هذه الأثناء، كانت الأحزاب الشيعية والكردية التي هيمنت على الحكومة المشكّلة حديثا، تعتمد على قوات الميليشيا الخاصة بها والمستقلة ذاتيا. فقد كان للحزبَين الكرديين الرئيسين وحدات بيشمركة خاصة بهما، كما كان للأحزاب السياسية الشيعية فصائلها المسلحة التابعة لها، على غرار قوات بدر التي أصبحت الآن منظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي أُعيدت تسميته المجلس الأعلى الإسلامي العراقي. وظهرت أيضاً قوات ميليشيا أخرى لتوفير الأمن وإبراز العضلات السياسية لطامحين سياسيين جدد، على غرار رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر وجيشه المهدي. وفي المناطق السنية في شمال وغرب العراق، عمد المتمردون، والإسلاميون، والميليشيات القبلية، إلى ملء الفراغ بسرعة، بهدف إحباط مخططات الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والولاياتالمتحدة. وفشلت الولاياتالمتحدة في مساعيها لحشد الموارد الكافية للمساعدة على تسريح وتجريد ضباط الجيش السابقين ومقاتلي الميليشيات من السلاح في هذه المناطق، ثم إعادة دمجهم في الحياة المدنية. وأكثر من ذلك، ترددت الأحزاب السياسية الشيعية في التخلّي عن قوات الميليشيا التابعة لها، وامتنع السنة من ذوي الخبرة العسكرية عن العمل مع من اعتبروهم مدنيين غير مهنيين وغير مدربين وتحالف العديد منهم مع إيرانوالولاياتالمتحدة. وفي عام 2006، كان العراق في حالة حرب "عرقية- طائفية" تامة, فالمتمردون السنّة استخدموا العبوات الناسفة المرتجلة، والقصف، والهجمات الانتحارية ضد الشيعة والأكراد وأهداف أمريكية. والحكومة شنت حربها القذرة الخاصة بها، مستخدمة الخطف والتعذيب والاغتيالات ضد المشتبه بأنهم إرهابيون سنة. وغالباً ما استعملت لهذا الهدف الميليشيات الشيعية التي عملت بالتنسيق مع قوات وزارة الداخلية. كان هذا هو السياق الذي بدأت خلاله الولاياتالمتحدة تمكين القبائل السنية وتجنيدها بفعالية، كوسيلة لقطع صلاتها بالتمرد. وهكذا، استندت الصحوة السنية إلى صفقة مهمة بين الولاياتالمتحدة والقبائل، تقوم بموجبها الأولى بتوفير الوظائف والسلاح للقبائل، وتحميها بفعالية من تدخلات الميليشيات الشيعية وقوات الأمن العراقية. وهذا ما جعلها تتمتع عمليا بالحكم الذاتي، وباتت مسئولة عن اقتلاع المتمردين. إضافة إلى ذلك، كان دعم الأردن والسعودية حاسماً لبناء الروابط والحفاظ عليها مع القبائل السنية في المناطق الغربية. وقبل نهاية 2007، كانت الميليشيات استوعبت أكثر من 65 ألف رجل في السلك العسكري في سبع مقاطعات عراقية. وأوضحت الدراسة أن مثل هذه المقاربة بدت في البداية فعالة حيث انحسرت وتيرة الحرب بشكل ملموس في العامين 2007 و2008، ما أوحى بأن الحرب الأهلية وضعت أوزارها. واليوم يبادر العديد من المراقبين إلى طرح تجرية الصحوة كنموذج يمكن أن تحتذي به عملية بناء حرس وطني مستقبلي في العراق, ولم تكن الحكومة المركزية في العراق طرفاً كاملاً في المفاوضات بين الولاياتالمتحدة والقيادات السنّية، ولم تحتضن خطة الصحوة ومع انسحاب القوات الأمريكية من العراق في العامَين 2009 و2010، بدا أن الحكومة العراقية نكثت بوعودها لدمج هذه القوة، السنية أساساً، في جهاز الدولة فلم تُجنَّد سوى حفنة من مقاتلي الصحوة السابقين في الشرطة والجيش أو في مواقع أخرى في الحكومة ومعظم هؤلاء صرفوا من الخدمة لاحقاً أو عرضت عليهم وظائف وضيعة ثم بدأت حكومة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي حملة على قادة سياسيين سنّة بارزين، وقاضت واعتقلت بعضهم بتهم الإرهاب أو ممارسة سياسات هدّامة. وبدأت القبائل الساخطة بالعودة ثانية إلى التعاون مع بقايا قوات حزب البعث التي كانت مختبِئة في الشمال السني، ومع الجماعات المتطرفة على غرار الدولة الإسلامية التي بدأت نشاطها في إطار تنظيم القاعدة في العراق، والتي تزايدت قوتها بشكل كاسح بعد أن سنحت لها فرصة إقامة ملاذ آمن في سوريا حين اندلعت الحرب الأهلية فيها عام 2011. وأشارت الدراسة إلى أنه في هذه الأثناء، سيطر المالكي على قوات النخبة في جهاز العمليات الخاصة التي جندت من بين صفوف الميليشيات الشيعية وتلقّت تدريبات وتجهيزات خاصة من الولاياتالمتحدة كما أنه أدار ميليشيات محلية مرتبطة به مباشرة من خلال الشبكات العائلية ومن جهة أخرى، بدا أن الميليشيات الشيعية الأخرى المرتبطة بمنافسي المالكي، مثل جيش المهدي التابع للصدر، تتحلل، فيما تواصِل صفوف الجيش العراقي وباقي فروع أجهزة الأمن التوسع بدعم غربي. ورأت الدراسة أن الإنجازات المفاجئة للدولة الإسلامية "داعش" في مقاطعتي الأنبار ونينوى في غرب العراق في صيف 2014 , أوضحت مدى الهشاشة التي كانت عليها هذه الترتيبات فالقوات النظامية العراقية أظهرت كم هي ضعيفة التدريب وتفتقد إلى الانضباط فهي تبعثرت بسرعة ولاذت بالفرار. ووفق بعض الإحصاءات، تبيّن أن 300 ألف من العسكريين المسجّلين في قوائم قوات الأمن العراقية، أي نحو 30-40 في المئة من إجمالي القوات، كانوا وهميين ولم ينخرطوا من الأساس في الخدمة الفعلية. وأوضحت الدراسة أنه في ذلك التوقيت دخلت الميليشيات الشيعية غير التابعة للدولة على الخط لملء الفراغ، وأصدر أية الله السيستاني، وهو السلطة الدينية الشيعية العليا في العراق، فتوى تدعو المدنيين العراقيين إلى حمل السلاح دفاعا عن النفس وبعدها أعاد جيش المهدي تشكيل نفسه بسرعة، وتمركز في ثكنات في بغداد وسامراء القريبة منها كما أرسلت إيران وحدة قوات خاصة من الحرس الثوري الإيراني، وهي فيلق القدس، للمساعدة على تنظيم وتجهيز وتدريب الميليشيات الشيعية التي باتت تعرف ب"قوات الحشد الشعبي" وفي أغسطس 2014، بدأت الولاياتالمتحدة في تقديم الدعم الجوي للقوات العراقية التي تقاتل الدولة الإسلامية وسعت واشنطن إلى تحفيز الحكومة العراقية على مد يد التعاون إلى الطائفة السنية المَقصية وعمد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وجه التحديد، في بيان أصدره في 10 سبتمبر 2014، على طرح مسألة الدعم الأمريكي لتشكيل حرس وطني، كوسيلة لمساعدة الفئات السنّية العراقية على تحصين حريتهم ضد الدولة الإسلامية. حينها، شبَّه العديد من المعلقين فكرة الحرس الوطني بالحرس الوطني الأمريكي، فيما عمد آخرون إلى ربط الحرس الوطني الجديد بتجربة الصحوة السنّية، حيث أن توفير الدعم العسكري والمالي من خلال الحرس الوطني قد يشجِّع فصائل القبائل السنّية على الانقلاب على متطرفي الدولة الإسلامية.. لكن، لاقوات الحشد الشعبي ولا مبادرة الحرس الوطني كانتا تستندان إلى أُسُس قانونية والدستور العراقي يحظّر على وجه الخصوص تشكيل ميليشيات خارج إطار القوات المسلحة ماعدا قوات البشمركة الكردية. ومع ذلك، بدا أن فكرة الحرس الوطني قادرة على الإقلاع إذ أعرب رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي عن دعمه للفكرة، لكن، سرعان ماتبدد هذا الزخم، الذي انطلق في البداية مع طرح مبادرة الحرس الوطني المقترحة فواجهت المبادرة مقاومة حادة داخل معسكر العبادي، وجرت عرقلة تعيين مرشحي العبادي في مواقع حساسة مثل وزارتي الدفاع والداخلية كما أن مشروع قانون الحرس الوطني ضعيف وفَقَدَ حيويته في البرلمان وفي نهاية المطاف، شغل منصب وزير الدفاع سياسي سنّي مخضرم لكن ليس له سوى تأثير ضئيل على المقاطعات الحاسمة التي أقام فيها تنظيم الدولة الإسلامية موطئ قدم له وشغلت شخصية مرتبطة بالمجلس الأعلى الإسلامي منصب وزارة الداخلية، الأمر الذي عزّز الروابط بين الحكومة وبين الميليشيات الشيعية. أما السنّة فقد رأوا أن الحرس الوطني بوصفه أداة للمطالبة بحكم ذاتي فعال وبمشاركة أوسع في تقاسم السلطة، واشترطت بعض القبائل السنّية في الأنبار أن تترافق مشاركتها في الحرس الوطني مع إخراج الميليشيات الشيعية من هذه المقاطعة وكما كان متوقّعاً، تخوفت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة من نوايا السنّة، وبدت محترسة من تشكيل قوة قد تُصبح طرفاً موازياً للحكومة المركزية، أو حتى تتحالف مع الدولة الإسلامية واعتبر العديد من العراقيين أن الحرس الوطني هو خطوة أخرى في اتجاه تفتيت العراق ككلّ. وفيما كان الأمل بإقامة حرس وطني رسمي يخبو ويضمحل في أواخر 2014، كانت ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية تواصل النمو بدعم إيراني. ومع ذلك، شابت هذه الميليشيات بعض المشاكل الرئيسة المتعلقة بالانضباط والتدريب التي هي ميزة قوات الميليشيات غير المُتفرغة فخلال الهجوم على تكريت في شهر مارس 2015، تمتّعت الوحدات المشتركة المُشكّلة من أجهزة الأمن النظامية ومقاتلي الحشد الشعبي بتفوُّق عددي واضح، لكنها مع ذلك تعثَّرت مراراً أمام المقاومة الشرسة لمقاتلي الدولة الإسلامية. ثم أن الاستقلال الذاتي لقوات الحشد الشعبي عقّدت جهود التنسيق بين العراقوالولاياتالمتحدة. وقالت الدراسة إن الاعتماد على الميليشيات الشيعية فاقم مشاعر تغرُّب السنّة إزاء الحكومة المركزية، وربما حتى دفعهم أكثر إلى أحضان الدولة الإسلامية. الحرس الوطني الليبي أشارت الدراسة إلى أن معمّر القذافي، الذي كان زعيم ليبيا لأمد طويل كان يخشى الانقلابات العسكرية وقد أبقى الجيش النظامي ضعيفاً، باستثناء ألوية النخبة الأمنية التي كان يقودها أبناؤه. وبعد ثورة عام 2011، تحول الجيش الوطني وقوات الشرطة المركزيان للغاية واللذان يعانيان ضعفاً في التجهيز ونقصاً في التمويل، إلى قطاع أمني متفكك وغير رسمي يشهد استقطاباً على أسس جغرافية. وشارف الجيش على الانهيار وكان النفوذ الحقيقي يكمن في العديد من الكتائب الثورية والشركات والميليشيات المحلية التي حاربت القذافي وملأت الفراغ الأمني بعد الإطاحة به وقد استولت الميليشيات على مستودعات الأسلحة والمطارات والوزارات. وعندما بدأت السلطات الحاكمة الانتقالية في ليبيا بدفع رواتب للميليشيات، فاق عدد المقاتلين الثوار بكثير أولئك الذين حاربوا الديكتاتور وأربكت مسألةُ كيفية تسريح هؤلاء المقاتلين ودمجهم في هيكل رسمي كل الحكوماتِ المتعاقبة في ليبيا في مرحلة مابعد القذافي. ووفقا للدراسة حاولت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا حل هذه المعضلة، واقترحت في أواخر العام 2012 مفهوماً شبيهاً بالحرس الوطني سُمّي "جيش ليبيا المدني"، الذي تقرّر أن يتألف من ثلاث كتائب ثورية تتولّى تأمين استقرار مؤقّت، بينما يجري تدريب الجيش الوطني النظامي وتوطيد صفوفه. وكانت الفكرة تقتضي إنشاء قوة عسكرية دائمة تتألف بشكلٍ أساسي من المجنّدين في مختلف الميليشيات التي ترعاها الدولة. وفي أبريل 2013، طرح رئيس الوزراء آنذاك علي زيدان خطة لإنشاء قوات حرس وطني منفصلة، أيدتها مبدئياً بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا كان الغرض منها أن تؤدي مهام الشرطة في كل أرجاء البلاد، فيما يتواصل تجهيز وتدريب أجهزة الأمن النظامية. وتمحورت إحدى النقاط الخلافية الحرجة حول ما إذا سيسمح الحرس الوطني لفصائل ثورية كاملة بالبقاء كما هي على شكل وحدات وشدّد واضعوا الخطة على أن تنضم العناصر إلى صفوف الحرس الوطني بصفة فردية، وأن يتم تعيينهم في وحدات مختلطة لمنع تكرار بنية الميليشيا الفئوية داخل القوة الجديدة. لكن العديد من منتقدي الخطة لم يقتنعوا بذلك فقد اعتبر سياسيون ذو ميول ليبرالية في تحالف القوى الوطنية، وهو تحالف يضم أكثر من 50 حزباً، أن الاقتراح هو محاولة من الإسلاميين لإنشاء ميليشياتهم الخاصة، لكن تحت اسم رسمي أكثر. أما ضباط الجيش النظامي، الذي بلغ عدده حوالي 35 ألف جندي في عام 2012، فقد خشوا من جهتهم من التنافس على الموارد والنفوذ مع الحرس الوطني، الذي من المتوقع أن يبلغ عدده أيضاً 35 ألفاً. الأهم مع ذلك، أن العديد من منتقدي الحرس الوطني يعتقدون أنه مجرد نسخة طبق الأصل من مشروع قوة درع ليبيا الذي نشأ في عام 2011، لكنه تفكك في عام 2014 بعد بدء الحرب الأهلية بين ما يسمى عملية فجر ليبيا وعملية الكرامة كانت قوة درع ليبيا من نواحٍ كثيرة أول اختبار لدمج الميليشيات في مرحلة ما قبل الحرس الوطني، ويحمل انهيارها عدداً من الدروس الهامة. في نهاية المطاف، تداعى الحرس الوطني الليبي بسبب الانقسامات في قطاع الأمن الليبي واستيلاء مختلف الفصائل السياسية على الوزارات والقوات المسلحة. والواقع – بحسب الدراسة- أن بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا وضعت فكرة إنشاء حرس وطني على أجندة حوار وطني مُقترَح في منتصف عام 2014، ما أثار استياء الناشطين من الميول الليبرالية، والفصائل الشرقية وفصائل الزنتان، والتكنوقراط والضباط الأقدم. لكن الحوار تداعى مع اندلاع الحرب الأهلية. وفي أوائل العام 2015، مرر المؤتمر الوطني العام في طرابلس قانوناً لإنشاء الحرس الوطني. هذا المؤتمر، الذي يزعم السيطرة على الجزء الغربي من البلاد ولكن لايحظى باعتراف الحكومات الدولية، تُهيمِن عليه ميليشيات "فجر ليبيا"، وهي عبارة عن تحالف مؤلّف من فصائل من مصراتة ومن الأمازيغ، وفصائل ذات ميول إسلامية. وقال الدراسة: أظهرت مقابلات أُجريَت في أوائل العام 2015 أن فكرة الحرس الوطني كانت لاتزال إلى حدّ كبير نتاج الميليشيات المصراتية النافذة، أي أنها قد لاتحظى بدعمٍ واسع النطاق، ولاسيما من فصائل "عملية الكرامة" المتمركزة في الشرق، ومن سلك الضباط الأقدم وقد سبق أن برزت هياكل حرس شبه وطنية في "فجر ليبيا" وأحد الأمثلة الأساسية على ذلك هو "القوة الثالثة" المصراتية بمعظمها، التي يبلغ عددها 15000 عنصر، والتي نُشِرَت في جنوب البلاد ووسطها، حيث اصطدمت مع تنظيم الدولة الإسلامية في أوائل العام 2015. لكن في هذه الحالة أيضاً، ومع أن "القوة الثالثة" تُجنِّد أفراد الميليشيات للعمل بالمداورة لعشرة أيام مقابل عشرين يوم عطلة، إلا أن تماسُك الكتائب والألوية الثورية لايزال موجوداً في صفوفها. الدروس المستفادة من تجارب الحرس الوطني الفاشلة أوضحت الدراسة , أن المحللين وصانعي السياسات يركّزون عادةً على حالات النجاح، إلا أن فهم جذور فشل السياسات مهم أيضاً لتحسين النتائج المستقبلية فعلى المدى الطويل، لايزال شكلٌ ما آخر من الحرس الوطني يمثّل أفضل أمل لاستعادة الاستقرار في كلٍّ من ليبيا والعراق, ففي ليبيا، تعد الميليشيات المُشكَّلة جغرافيا، والتي لها روابط عضوية مع المجتمعات المحلية والقبائل، حقيقةً لا مفرّ منها فهذه الميليشيات مدمجةٌ في نسيج الاقتصادات المحلية في العديد من البلدات والمناطق، وهي تؤمّن قدراً من الحماية للمجتمعات المحلية. في الوقت نفسه، لاتزال الخطط لإنشاء جيش وطني نظامي حبراً على الورق. وفي هذا السيناريو، قد يكون السبيل الوحيد إلى الأمام هو إيجاد طرق لدمج القوات المتحاربة القائمة والمنظَّمة محلياً في هيكلية قيادةٍ وطنيةٍ تشرف عليها السلطات المُنتَخَبة. وأضافت الدراسة : على نحو مماثل، وإن بدت آفاق الحرس الوطني العراقي ضئيلةً في منتصف عام 2015، قد يكون وجود نموذج ما مشابه هو السبيلَ الوحيدَ لإحراز تقدم في العراق على الرغم أن عناصر الميليشيات الشيعية كان لها دور في إخراج قوات تنظيم الدولة الإسلامية من المحافظات الشمالية، إلا أن قدرتها على الحفاظ على قواتها والسيطرة على تلك المناطق ليست مؤكّدةً البتة فقوات الحشد الشعبي تبقى بشكل أساسي قوةً غير رسمية من المتطوّعين تعمل بدوام جزئي، وليست جيشاً محترفاً ومقاتلو هذه القوة يحاربون بعيداً عن ديارهم، فيما يحظون في أفضل الأحوال بدعم لوجستي وتقني محدود ولذا، سيكون على الحكومة العراقية أن تجد شركاء محليين بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار ضمن المعقل السنّي، إلا إذا أصبحت قوات الحشد الشعبي بشكل من الأشكال جيش احتلال كاملاً في المناطق السنّية. وتُظهِر المحاولات الفاشلة لإنشاء قوات حرس وطني بعضاً من التحديات الأمنية الأوسع التي تواجه لا ليبيا والعراق وحسب، بل أيضاً الدول كافة في العالم العربي حيث مستقبل الأنظمة السياسية غامض. فداخل الجيش نفسه، غالباً ما ينظر الضباط المحترفون إلى الحرس الوطني، في أفضل الأحوال، على أنه متطفّل هاوٍ وفي أسوء الأحوال، على أنه منافس مباشر على السلطة والتمويل والنفوذ وهذه المشاكل تتفاقم عندما يُعتبَر أعضاء الحرس الوطني المحتمَلون أنهم حاربوا ضد الدولة في مرحلة ما. كما أن تأسيس الميليشيات وحظرها يمكن أن يزعزع موازين القوى ضمن الدولة الأكبر حجماً فطالما يُعتبَر أن فصيلا ما يمتلك مجموعة مسلحة، يُحتمَل أن تسعى فصائل أخرى إلى الأمر نفسه كوسيلة لمواجهة أي خطر محتم. يجب أن يُنظَر إلى إنشاء قوات حرس وطني على أنه جزء من الجهود الأشمل المبذولة لإصلاح قطاع الأمن، وتسريح المقاتلين غير الحكوميين وتجريدهم من السلاح وإعادة دمجهم. إضافة إلى ذلك يمكن للميليشيات عموماً وقوات الحرس الوطني خصوصاً أن تعقّد الارتباطات الثنائية الدولية فالدول الخارجية غالباً ماتعتبر الميليشيات دمى أو وكلاء في سعيها إلى التدخل في شئون جيرانها الداخلية وقد تفتقر الدول الديمقراطية الخاضعة إلى الإشراف التشريعي لأنشطة المساعدة الأمنية، مثل الولاياتالمتحدة، إلى السلطة القانونية والبيروقراطية للانخراط والارتباط مع الميليشيات شبه الرسمية، على عكس الجيش الرسمي. كذلك ينبغي ألا تصمم المبادرات المستقبلية لإنشاء حرس وطني، كما حصل في ليبيا والعراق، كسلسلة من التدابير المرتجَلة وقصيرة الأمد الآيلة إلى معالجة الاحتياجات التكتيكية المحددة والمباشرة ويجب أن يُنظَر، عوضاً عن ذلك، إلى عملية إنشاء قوات حرس وطني على أنها عنصر من الجهود الأشمل المبذولة لإصلاح قطاع الأمن، وتسريح المقاتلين غير الحكوميين وتجريدهم من السلاح وإعادة دمجهم ويجب أن يتم التجنيد في الحرس الوطني على المستوى الفردي – لا على مستوى الوحدات – بغية منع أعضاء الميليشيات من مجرّد ارتداء الزي الحكومي، فيما هم يُبقون على ولاءاتهم السابقة وتماسُكهم بصفتهم جهات فاعلة غير حكومية كما يتعيّن توفير الفرص لعناصر الميليشيات لتنتقل إلى العمل المدني أو القطاع الخاص أو لتحصل على مزيد من التعليم. فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يترافق إنشاء الحرس الوطني مع الجهود المبذولة ضمن صفوف الجيش والآيلة إلى مراجعة سلاسل القيادة التي تربط الحرس والجيوش النظامية ومختلف هيئات الشرطة والأمن الأخرى، تحت إشراف مدني وفي إطار المهمة العامة لجهاز الأمن ككل ومسئولياته. ويمكن أن تبدأ هذه الجهود بإجراءات وتوجيهات رسمية، إلا أنه يجب توسيعها لتشمل تغيير العادات وثقافات انعدام الثقة المتجذّرة بين الجيش والمدنيين، والتي تُعَدّ ميراثَ عقودٍ من الحكم السلطوي. كذلك لابد لأي مبادرة متعلّقة بالحرس الوطني أن تترافق مع مفاوضات تهدف إلى اتفاق سياسي شامل يتضمّن تقاسم السلطة والتوصّل إلى تسويات ونجاح الحرس الوطني لايعتمد، في نهاية المطاف، على فعاليته التكتيكية على المدى القصير وحسب، بل أيضاً على درجة التأييد المحلي، الذي يمكن أن يُشجَّع من خلال تعزيز الدمج والتبادل كما يمكن أن تساعد التعديلات الدستورية في توطيد العلاقة المتبادلة وتعزيز الثقة بين حكومة مركزية وقوات ميليشيا دون وطنية ونظراً إلى الروابط الجغرافية لمعظم الميليشيات، تؤدّي قوات الحرس الوطني دوراً أساسياً في أي خطوة نحو الفيدرالية ونقل السلطة. لكن في نهاية المطاف، هذه التدابير القانونية والدستورية يجب أن تترافق مع خطوات غير رسمية تضمن ولاء مقاتلي الميليشيات للدولة والتزام الحكومة المركزية بالاستقلالية المحلية. أما الحكومات الغربية فيمكن أن تساهم في هذه التدابير بعددٍ من الطرق والطريقة الأكثر وضوحاً هي من خلال برامج التدريب والتجهيز فالولاياتالمتحدة استندت إلى حدّ بعيد إلى خبرتها الخاصة في دمج الحرس الوطني ضمن جيشها النظامي كنموذج لإنشاء قوات حرس وطنية أخرى. لكن بلداناً أخرى تمتلك هيكليات أخرى لقوات ميليشيات بدوام جزئي، قد تشكّل أمثلةً أفضل تحتذي بها الدول العربية ونظراً إلى الصلات الأوسع القائمة بين قوات الحرس الوطني وبين إصلاح قطاع الأمن والانفتاح السياسي، يجب أن تُحدَّد أيُّ مساعدة تُقدِّمها جهات خارجية لحرس وطني تحديداً دقيقاً لتفادي قلب الموازين في المفاوضات الدقيقة بين أصحاب السلطة الجغرافيين والحكومة المركزية. ويمكن للقوى الغربية أن تساعد أيضاً في متانة مكانة قوات الحرس الوطني من خلال العمل على تخفيف التهديدات الأمنية الإقليمية وكبحها. وبما أن العديد من الحكومات تبدي قلقها إزاء احتمال أن تتحوّل قوات الحرس الوطني إلى وكلاء للقوى الأجنبية وتُستخدَم لزعزعة الدولة داخلياً، فإن إيجاد وسائل لتخفيف هذه التهديدات الخارجية يمكن أن يساهم في جعل الحرس الوطني مستساغاً أكثر. واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن قوات الحرس الوطني هي مؤسسات سياسية وليست مجرّد أدوات عسكرية فهذه القوات يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى على الاستقرار والتماسك السياسيَّين وهي ليست ترياقاً للتحدّي الخاص ببناء دول فعّالة، لكنها يمكن أن تؤدّي دوراً مهماً في معالجة المخاوف الأمنية والمضي قدماً نحو تقاسم للسلطة أكثر فعالية.