ربما يتعجب زوار الإسكندرية حينما يعبرون شريط السكة الحديد أثناء خروجهم من قرية «المعمورة» السياحية، وهم يشهدون التناقض الكبير بين حياة الترف والشاليهات والقصور، وبين مواطنين يعانون من الفقر، والعشوائيات، ويقتلهم تلوث المصانع، وهم مواطنو «المعمورة البلد» الذين يفصلهم عن عالم الأغنياء شريط السكة الحديد. يعيش آلاف المواطنين فى المعمورة البلد شرق الإسكندرية، تلك المنطقة التى تشارك مناطق أبوقير والطابية الذين يجاورونها شرقا فى متاعبهم، حيث المناخ الملوث بين أدخنة المصانع، وشوارع متهالكة يصعب السير فيها، وغياب الأمن عن تلك المنطقة التى تعد شبه محرومة من الخدمات. يقول حسين على، أحد سكان المعمورة البلد «وأنا مروح كل يوم ببص على باب قرية المعمورة السياحية، وبلاقى النظافة والأمن، وبحس إن بلدنا جميلة، لكن بعد ما أمشى شوية بعد شريط السكة الحديد أدخل منطقتى وأحس بالفقر والإهانة والحرمان». وتساءل حسين «هو إحنا مش بشر زى اللى عايشين جوه المعمورة دول». «المعمورة البلد» أصبحت ملجأ للعديد من شباب الإسكندرية المكافحين الذين لم يتمكنوا من تجميع عشرات الألوف لشراء وحدة سكنية وسط المدينة، فيلجأون للعديد من مافيا البناء بتلك المنطقة لشراء وحدات سكنية بأسعار زهيدة. يقول أحمد إبراهيم، 28 سنة، «أنا اضطريت اشترى شقة فى المعمورة بدون ترخيص عشان صاحب العمارة إدهالى بسعر أقدر أدفعه، بس بعد اللى حصل فى العمارة اللى وقعت، أنا مش مطمن للسكن فيها وحاسس إنى خاطرت بحياتى وممكن أموت فيها». ويقول الدكتور أسامة الفولى، محافظ الإسكندرية الأسبق، إن المعمورة البلد من ضمن المناطق التى شهدت فوضى فى البناء، وتعد إحدى القنابل الموقوتة فى المدينة، لأن معظم قرارات الإزالة الصادرة فيها لم تنفذ. وتابع: «لما المحافظ قراراته لا تنفذ لازم يمشى.. وعشان كده أنا مشيت». وتسبب ضعف شبكة الصرف الصحى فى فصل المعمورة عن باقى أنحاء الإسكندرية بشكل تام، إذ يعد طريق أبوقير هو المنفذ الوحيد لأهالى المعمورة، وطوسن، والطابية، للخروج إلى وسط الإسكندرية. ويقول اللواء مدحت قريطم، مدير مرور الإسكندرية: «إن ضعف حالة الصرف الصحى بالطريق المؤدى إلى المعمورة أدى إلى حالة من الشلل المرورى التام، والذى عانى منه سكان المنطقة». وعلى الرغم من وجود أراض زراعية بتلك المنطقة، فإن التلوث أصبح العدو الأكبر لآلاف الفلاحين الذين يعيشون فى المعمورة البلد، ومنطقة الأحواض التى تحيط بها، إذ يتسبب تلوث مياه الصرف والجو، نتيجة وجود العديد من المصانع بتلك المنطقة، فى تدنى مستوى المنتج الزراعى. واضطر المئات من الفلاحين بتلك المنطقة إلى ترك أراضيهم، وتجريفها، وبيعها نتيجة عدم قدرتهم على مقاومة التلوث. ويحيط بمنطقة المعمورة العديد من الشركات التى تتسبب فى انبعاثات ضارة بالبيئة وتسببت فى إصابة المئات من سكان المنطقة بأمراض خطيرة مثل «شركة الورق الأهلية، وشركة أبوقير للأسمدة، ومصنع 10 الحربى». ويقول مصطفى عطا، أحد فلاحى المعمورة البلد، «إحنا تعبنا مش عارفين نلاقيها من الجو الملوث ولا الميه الملوثة والمصانع قتلتنا، وفى الآخر البلد تحاسبنا لو جرفنا الأرض». وتابع: «أنا عايز المسئولين اللى بيفتحوا عينيهم على الفلاح لما يجرف أرضه يروحوا يشوفوا مافيا المقاولات عاملة إيه فى المعمورة البلد». وأضاف «فيهم ناس بتاخد الأراضى بالإكراه من الفلاحين، ويبنوها بدون تراخيص وطبعا البيوت بتقع لأنها مبنية على أراضى زراعية». وقال «أنا من سنين مشوفتش مسئول فكر ييجى المعمورة يشوف إيه أخبارنا، إلا فى انتخابات مجلس الشعب، بييجوا يضحكوا علينا ومنشفش وشهم بعد كده». أخبار متعلقة: لا أحد ينام «آمناً» فى الإسكندرية عقار الإسكندرية ينهى حياة 24 مواطناً مع أذان الفجر «الوطن» ترصد بالأرقام: الإسكندرية مدينة الكوارث العقارية حكايات ضحايا عقار المعمورة المنكوب من داخل مستشفى طوسون هبة ومحمد.. نهاية الحب تحت الأنقاض محمد عادل عثمان.. أخرج زوجته وأولاده وذهب لإنقاذ الجيران فلقى حتفه «آلاء» أصغر الناجين.. عمرها سنتان ونصف.. وشهود العيان: «أنقذناها والعروسة اللعبة فى حضنها» اللجان الشعبية: انهيار العقارات بالإسكندرية سببه إهمال الحكومة الإخوانية التى انشغلت بالسيطرة على السلطة