سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإسكندرية من نافذة قطار أبوقير: قصور فى رشدى.. وقبور فى الظاهرية المناطق العشوائية تجاور قصر المنتزه.. والمسرح الرومانى تحت سيطرة الباعة الجائلين وسائقى الميكروباص
لم تعد الإسكندرية «ماريا» ولم يعد ترابها «زعفران»، لم يبق شىء على حاله فى عروس البحر الأبيض المتوسط، التى كانت أجمل من أثينا وروما ومقدونيا، تحولت إلى مثال حى للعشوائية، سكان القصور فى رشدى يفصل بينهم وبين سكان القبور فى الظاهرية شريط السكة الحديد، ستصدق ما نقوله حين تطل بعينيك من نافذة قطار أبوقير وهو يمر عبر 16 محطة تمتد من غرب الإسكندرية لشرقها، سترى مدينة مليئة بالمشكلات المزمنة، التى تراكمت على مدى عشرات السنين. نضع مشكلات عاصمة مصر الثانية بين يدى الرئيس القادم، الذى ندعوه إلى أن يستقل قطار أبوقير ليرى المشاكل بعينيه. فى الطريق من محطة الإسكندرية وحتى محطة أبوقير شرقاً لا يمكن أن تشعر بالراحة ليس بسبب الحالة المتردية للقطار فحسب، لكن ما ستراه بعينيك من مشكلات مأساوية يعانى منها أبناء المدينة الساحلية. على بُعد أمتار من المحطة تصدمك الحالة المتردية للمسرح اليونانى الرومانى، ذى القيمة الأثرية الكبيرة، الذى يعانى من إهمال شديد وحراسة وهمية لا تتناسب مع قيمته التاريخية. بجوار المسرح الأثرى لا يمكن أن يمر السائح باطمئنان فى ميدان الشهداء حيث يتجمع المئات من الباعة الجائلين بجوارهم العشرات من سيارات الميكروباص التى صنعت لنفسها مواقف عشوائية تسببت فى شلل مرورى بقلب الإسكندرية. يقول أستاذ التاريخ اليونانى والرومانى بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية الدكتور أحمد غانم: إن الوضع المتردى للمسرح اليونانى والمنطقة المحيطة به يمثل نموذجاً للعديد من المناطق الأثرية المهمة فى مصر التى تحتاج إلى قرار سياسى قوى يحمى تلك المنشآت، ويحول المناطق المحيطة بها لواجهة حضارية لنتمكن من دعوة الوفود السياحية للتعرف على تاريخنا ونحن مرفوعو الرأس. وينطلق القطار متجهاً إلى محطة «سيدى جابر» التى بدأ مشروع لتطويرها منذ سنوات ولم ينتهِ دون أسباب واضحة، وقال وزير النقل الدكتور جلال سعيد إن المشروع سوف ينتهى فى نهاية يونيو الحالى، وذلك بعد أن أرجأت هيئة السكة الحديد بالإسكندرية تسليم المشروع لمدة كبيرة لحين إنشاء مبنى جراج السيارات التابع للمحطة، وتسبب هذا القرار فى شلل مرورى حول المحطة التى تستقبل يومياً آلاف المسافرين. سار القطار مسرعاً نحو محطة «الحضرة»، ذات الكثافة السكانية العالية، أهلها يعيشون فى شوارع ضيقة، يفتقدون أبسط مظاهر الحياة الآدمية، تكبلهم المشكلات، تنتشر الأسلحة النارية مع المسجلين خطر، كثافة الطلاب فى المدارس تصل إلى 80 طالباً فى الفصل. مقابر الظاهرية تحيط بالمنطقة السكنية.. لا يوجد فرق كبير بين الأحياء والأموات، المقابر أصبحت مأوى لعدد كبير من الأهالى الذين لم يجدوا بديلاً عنها، وتحولت الحياة فى المقابر إلى أمر واقع، يعجز أى مسئول عن تغييره ونقل المقابر من وسط المنطقة السكنية المكدسة. فى الاتجاه المقابل لمنطقة المقابر، وفى محطة «باكوس»، سوق يصعب السير فيها بشكل طبيعى لكثرة انتشار الباعة. قالت ماجدة غريب «40 سنة»، ربة منزل، من سكان المنطقة: «أشعر أننى أمشى فى علبة سردين، رغم أن عرض الشارع 30 متراً». ويعانى سكان باكوس من صعوبة الوصول إلى أعمالهم والعودة لمساكنهم نتيجة ندرة وسائل المواصلات فى تلك المنطقة. تقول عبير محمد «معدة بالقناة الخامسة»: «أنا قبل ما اشترى عربية كنت باتعذب كل يوم عشان أروح شغلى، لأن أى تاكسى أقول له (باكوس) كنت أحس إنه عايز يدوس عليّا من كتر الشوارع المتكسرة اللى هو عارف إنه هيمشى فيها». أما فى المحطة الخامسة «غبريال» ذات الشوارع الضيقة والبيوت القديمة التى تمتد على جانبى شريط السكة الحديد، يعانى الأهالى من طوابير الخبز اليومية، التى تمتد لساعات نتيجة للكثافة السكانية فى المنطقة، وقلة الأفران، وبيع الدقيق فى السوق السوداء. ويسير القطار متجهاً إلى محطة «الرمل الميرى» التى تنتشر بها الورش فى المناطق السكانية، تقول دعاء على «30 سنة»، أحد سكان المنطقة: «نعانى باستمرار من تلك الورش التى لا تراعى أنها تعمل وسط بشر طبيعيين يحتاجون إلى الراحة والهدوء فى بعض الأحيان». وفى محطة «فيكتوريا» يوجد مزلقان الموت الذى تناثرت على قضبانه أشلاء المئات من الضحايا أسفل عجلات القطار نتيجة لتصميم المحطة. يقول ياسر سيف «30 سنة»، أحد سكان المنطقة: «أضطر للمرور من ذلك المزلقان بشكل يومى حتى أتمكن من الذهاب لمنزلى، وأجد القطار يخرج فى كل مرة فجأة من بين المنازل، مما يسفر عن اصطدام القطار بالعديد من السيارات». وفى محطة «سيدى بشر» تجد العشرات من المناطق العشوائية، يقول محمد محمود «27 سنة» أحد سكان سيدى بشر: «حينما أعبر شريط السكة الحديد وأسير عبر شارع القاهرة أشعر وكأننى دخلت الجحيم لأن هذا الشارع على الرغم من اتساعه، فإنك تسير فيه بصعوبة بسبب تحوله إلى سوق يحتله الباعة الجائلون حتى منتصف الطريق». وفى محطة «العصافرة» عشرات المنازل العشوائية التى بنيت خلال فترة ثورة يناير دون ترخيص وتهدد حياة العديد من المواطنين، وتنتشر تجارة المخدرات فى العديد من المناطق مثل «أبوخروف»، والازدحام الشديد فى شارع الملك حفنى المجاور لطريق السكة الحديد. وتأتى محطة «المندرة»، لتحمل وحدها 4 مشكلات يعانى منها أهالى المدينة، أبرزها موقف عشوائى للسيارات على شارع مصطفى كامل بجوار المحطة، ومساكن الحرمين التى تضم آلاف المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وانتشار البلطجة، وورش تصنيع السلاح. وضبطت قوات الأمن أكثر من ورشة لتصنيع السلاح بمنطقة المندرة يقوم عدد من المسجلين بإدارتها، إلا أن العديد من هذه الورش لا يزال يعمل فى الخفاء. يقول محمد نبيل «28 سنة»، أحد سكان المندرة: «انتشار البلطجية فى المندرة أصبح وباء بسبب غياب الأمن». ويسير القطار حتى محطة «المنتزه» التى تضم أحد أعرق القصور الجمهورية المطل على البحر وبالقرب منه انتشرت المناطق العشوائية، وفى مقابل القصر على الاتجاه الآخر من شريط السكة الحديد مركز شباب المنتزه الذى لا يكفى لنحو 1% من شباب المنطقة الذين يتوافدون. يقول حسام توفيق «37 سنة»، ناشط سياسى: «شباب الإسكندرية لا يجدون متنفساً فالأندية الاجتماعية مثل سموحة وسبورتنج يستحيل عليهم مجرد التفكير فى دخولها، لأن الاشتراك فيها بعشرات الآلاف من الجنيهات، كما أن مراكز الشباب فى الإسكندرية لا تكفى الشباب». أما محطة «الإصلاح»، فتجد فيها تردى الحالة المعيشية للمزارعين، وسوء الخدمات من إنارة وطرق وصرف، وغياب تام الأمن، وعدم توفر وسائل المواصلات. أما محطة «المعمورة»، فهى تعد نموذجاً آخر لطبقتين، يفصلهما شريط السكة الحديد، ففى الاتجاه البحرى تجد سكان الفيلات والشقق الفاخرة على شاطئ المعمورة، وفى الاتجاه القبلى تجد سكان الأحواض بالمناطق الريفية، التى تعانى من نقص شديد فى الخدمات. تقول «علياء عوض» ربة منزل، فى ريف المعمورة: «اختفاء أفراد الأمن من شوارع أطراف المدينة أدى إلى عدم انتظام الدراسة فى المدارس، فضلاً عن عدم انتظام طلاب الجامعات من ساكنيها فى دراستهم، بسبب خشية الاعتداءات التى تقع عليهم أثناء ذهابهم إلى المدارس والجامعات بشكل يومى». وفى «طوسون» يتعرض الكثير من الطلاب للاعتداء من البلطجية أثناء دخولهم أو خروجهم من المدرسة. ويصل القطار إلى محطته الأخيرة فى «محطة أبوقير» أقصى شرق الإسكندرية، وهى منطقة تعكس الطابع الجمالى المميز للمدينة الساحلية حيث المنازل بجوار شواطئ البحر. وتعانى «أبوقير» العديد من المشكلات، على رأسها انتشار العقارات القديمة التى لم تجد من يرممها بشكل دورى، وانتشار عربات «الكارو» بشكل يعوق حركة المرور ويشوه المنظر الحضارى للمنطقة التى تضم البحر الميت الذى من الممكن الاستفادة منه. يقول محمد حسين «26 سنة»: «أنا ساكن فى أبوقير ومحرم عليا دخول المعسكر دا». مشاكل الإسكندرية، عاصمة مصر الثانية، فى انتظار الرئيس المقبل حتى يتدخل بشكل عاجل ليعيد إلى عروس البحر المتوسط جمالها.