كما يأتى أبريل بكذباته ودعاباته، وابتساماته الساخرة، يأتى كذلك بأعياد اليتامى، وموسم تذكرهم السنوى، وبين الكذب والصدق المؤلم نكتب عن الطفولة اليتيمة فى عيدها. اليتيم ذاك الطفل الذى فقد أحد أبويه أو كليهما، إما باقياً فى بيته أو مرتحلاً إلى دار أيتام أو مفترشاً الأزقة والطرقات. اليتم واجع القلوب ومدميها نتغلب عليه أحياناً وعلى شعوره القاسى بمساعدة بعض دور الأيتام وإمدادها بالأموال، لكن ماذا بشأن باقى الأيتام من هم بالبيوت وبالطرقات؟! حتى من هم داخل الدور، أتكفى تلك الجنيهات؟ ماذا يفتقد اليتيم بالأساس؟ وما هو عوزه الأول والأولى بالتعويض؟ إنها الرعاية والرحمة والحب!! حنان الأمومة والأبوة لا يعوض، لكن يمكن أن يسد جزءاً من هذا الفراغ أو على الأقل يمكننا المحاولة. اليتيم يفتقد الحماية والذود عنه إذا ما تعرض للخطر وما أكثرها مخاطر الأيتام وما أقسى عالمهم بين تعدٍ وانتهاك واغتصاب حقوق وميراث وأجساد وأرواح!! أحوال الأيتام متنوعة مختلفة باختلاف ظروفهم، وأوجاعهم، يتيم الأسر والبيوت الكبيرة أو المتوسطة العليا ومحاولات السطو على ممتلكاته وحياته، أو يتيم الأسر العادية وقهر أقاربه وعدم الاهتمام به، أو ربما انتهاك كرامته وحريته وتجاهل رغباته وأحلامه وأمنياته، أو يتيم الشارع الذى يشاطر القطط والكلاب الضالة مصيرهم وأكلهم وطقوس حياتهم. أما يتيم دور الرعاية الخاصة والعامة فمشاكله هى الأعم والأكثر والأقدم، إن خطر ترك هؤلاء الملائكة اليتامى لقساة القلوب الغلاظ أو للإهمال من شأنه أن ينتج أجيالاً وأجيالا من عديمى الرحمة والمحبة والإنسانية، إذ إن فاقد الشىء لا يعطيه، بل فى كثير من الأحيان يتعمد إيذاء غيره كعقاب لا إرادى لمجتمع لم يقف معه ولم يحمه ولم يحبه يوماً. دور الأيتام ببلادنا كثيرة، وخلف أسوارها مصائب كبيرة وأهوال خطيرة، بالقطع هناك وزارة تنتمى إليها، لكن ما حدودها وما تخصصاتها وكيف يمكن التحايل عليها! ليستمر مسلسل الدمار وتفريخ الإجرام وتفجير الآلام! من توظف الوزارة للقوامة على شئون الأيتام ورعايتهم؟! ومن الرقيب عليهم؟! وما كيفية الرقابة وأبعادها وخطواتها وطريقتها؟! وتبعاتها!! الملف شائك ملىء بالتجاوزات والإجرام والانتهاكات، للطفولة والإنسانية وللحياة والمواطنة. هنا فى هذا الوطن الكثير من الأموال ورجال الأعمال، هنا الأطباء والمهندسون والمعلمون، والأهم هنا من لم يرزقوا بالأطفال ولديهم حنان جم، ربما أكثر بكثير من آباء وأمهات حقيقيين، لهذا.. أطالب: بأن تكون هناك لجان من المواطنين من الشرائح سابقة الذكر، متخصصة تضم أسماء وكيانات مجتمعية موثوقة للإشراف على هذه الدور، ومراقبتها وتسجيل ملاحظاتهم، وتقديم المساعدات من كل نوع: مبانٍ جديدة، خدمات طبية وتعليمية ورياضية، والأهم من كل هذا، تقديم الحب. جلسات الحب، جلسات الود والإنسانية وتقديم العطاء، باليابان ذاك البلد المبهر والمتقدم بسنين ضوئية عن باقى العالم اخترعوا نظام الأحضان لمن يفتقد الحنان والمحبة من البشر، وهؤلاء الأيتام هم أحوج الناس لتلك المحبة، وللدعم بالمشاعر والرعاية، قبل الطعام والكساء، الأمر ليس رفاهية أو دعابة، الحب والحنان احتياج أساسى لليتيم، وهناك أناس بالفعل يملكون هذه المنحة والنفحة من الرحمة والإشفاق، لماذا إذاً لا يتبرع هؤلاء بوقتهم لتوزيع الحب على الأيتام ودعمهم النفسى والاهتمام بأمورهم وأحلامهم والاستماع إليهم بصدور رحبة؟!! أطالب أيضاً: بعمل قوافل للمحبة تطوف بدور الأيتام بكل المحافظات، من كوادر ثقاة، لا يغلق بوجوهها الأبواب ويقال لها ممنوع الحديث إلى الأيتام أو ممنوع التصوير، كى لا يفتضح الكثير!!!! ولتتصل تلك القوافل اتصالاً مباشراً بأعضاء المجلس النيابى بكل منطقة لطرح مشاكله أمام المجتمع، على مرأى ومسمع كل الوطن، وعند وجود مخالفات، أو ثبوتها فليعاقب المسئول وبكل عنف وشدة، ربما حينها قدروا قدر المسئولية أو استشعروا خطورة الأمر. كلنا يعلم أن هناك دوراً للأيتام، تتخذ الأيتام ستاراً لجمع أموال تغذى الإرهاب وتجارة السلاح ونشر التطرّف والفساد والعنف، دور تخرج قنابل موقوتة، حملت الأطفال الصغار يوماً أكفاناً يسيرون بها متخفياً وراءهم طواغيت التطرّف والقتل والدمار، إلى متى السكوت على مهازل ومآسى وفواجع الأيتام ودورهم وحياتهم؟! اليتيم مواطن مصرى بالأساس، جارت عليه الدنيا وحرم أغلى ما فى الوجود، ألا نحمد الله على بيوتنا وأبنائنا بمساعدة هؤلاء الأيتام، وبالاهتمام بهم وبأمورهم والفاعلية فى رعايتهم، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ).. أنا أطالب.