عينان امتزجت فيهما الدموع والابتسامة وملامح لم تعرف سوى شقاءً اتخذ ألوانا في أدق ثناياها، تمشي هائمة لا تدري أين ستذهب، تهرول إلى كل امرأة تراها في حاجة للمساعدة لتسارع قائلة "عندك شغل؟"، فيبادر بعضهن بتقديم المساعدة لها وأخريات يتوجسن خوفا من أن تكون لصة، فتمضي في طريقها حتى تصل إلى جامع السيدة "فاطمة النبوية" لتشبع حاجتها إلى الأمان ثم تعاود أدراجها للشارع بحثا عن العمل. لم تعرف "فواكه الورداني" عملا سوى الخدمة في المنازل، لكن الظروف لم تسعفها، وازداد حظها سوءًا، منازل عديدة قصدتها لخدمة المسنات قضت بها سنوات عديدة بدأت باستقرار وهدوء وجاء الموت ليسطر نهاية موحدة ومؤلمة داخلها جميعا: "اشتغلت عند مسنين كتير وأغلبهم كان في باب الشعرية، لكن كل ما أقعد كام سنة مع واحدة فيهم تموت يا إما عيالها يطردوني وياخدوا الشقة أو صاحب البيت يمشينى"، 20 عاما قضتها المرأة الخمسينية بمفردها بعد أن مات والداها وطلقها زوجها، تجوب الشوارع بحثا عن عمل وسكن. "اتولدت في الموسكي واتجوزت ابن عمي، ولما خلفت بنت ونزلت ميته طلقني ورماني بعد 3 سنين، خدت العفش بتاعي وبعته كله علشان أكل، عيشت مع أبوايا وأمي وبعد ما ماتوا صاحب البيت خد الشقة وبقيت في الشارع"، أشهر طويلة قضتها "فواكه" في الشارع، في النهار تبحث عن عمل وفي الليل تحتمي بإحدى الجوامع، وتغرق في سبات عميق: "أول مكان اشتغلت فيه باب الشعرية، قعدت في الشارع قدام جامع كذا يوم، صاحبة العمارة ست كبيرة روحت اشتغلت عندها وكانت بتنيمنى تحت بير السلم، كان اللي يرمي عليا سجاير وزبالة بس كان مكان أمان ليّ، قعدت معاها 5 سنين لحد ما ربنا افتكرها، وخرجوني من العمارة ورجعت الشارع تاني، لأنهم فتحوا تحت بير السلم مخزن للجزم". وتضيف: "اشتغلت عند ست كبيرة شارع الفواطية 8 سنين، كنت بجيب ليها الطلبات، كانت وحيدة وعلى قد حالها مكنتش باخد منها فلوس، ولما ماتت صاحب البيت خد الشقة وأنا طلعت برة، الحاجة حمدية اشتغلت عندها 3 سنين وكان عندها شقة فاضية في النهضة قعدتنى فيها وهى كانت في باب الشعرية، كنت بروح أخدمها، ابنها كان مادي ولما ماتت خرجنى من الشقة"، مشقة كبيرة تتكبدها "فواكه" كل لحظة وألم لا يفارقها من شدة الجوع، تقول: "دايما معايا كيس بلح من بتاع رمضان علشان بيجيلى هبوط كل شوية، معدتى نشفت من قلة الأكل، لما بدوخ باكل واحدة، أنا عذرت اللي بيمد إيده، مش طالبة حاجة غير أمان وحتة أوضة أنام فيها متطمنة وشغل أكل منه".