شن البيان الختامي لمؤتمر اتحاد علماء المسلمين بإسطنبول هجوما شديد اللهجة علي الجيش المصري ووصف ما حدث للرئيس السابق محمد مرسي بالانقلاب العسكري الذي لا تقبل به الشريعة وما يزال مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، مطالبين الجميع بالعودة إلى الشرعية والمصالحة الشاملة هي الحل لدرء فتنة أكبر . وفي ذلك المؤتمر الذي عقد في العاصمة التركية أكد الدكتور هشام برغش، عضو رابطة علماء المسلمين وعضو الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح بمصر أن الانقلاب العسكري يمثل انتكاسة كبرى وردة حضارية ويبشر بعودة شريعة الغاب وتعلن رسالة واضحة إلى الشعوب أن الطريق إلى التغيير قد صار مسدودا، وهذه رسالة خطيرة لطالما وقف الحكماء والعقلاء والعلماء يرشدون الشباب والمتحمسين حتى لا ينجروا إلى ممارسات لا ترضي أحدا، لكن مثل هذه الانقلابات رسالة خطيرة في هذا الاتجاه ، فالشعب المصري بكافة طوائفه التي خرجت رافضة ذلك الانقلاب يرسل رسالة إلى كل الأحرار في العالم . الجدير بالذكر أن جميع اعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أيدوا الدكتور محمد مرسى باستثناء 3 فقط، مؤكدين أن ولاية مرسي على مصر ولاية شرعية توجب على المسلمين حق السمع والطاعة والمحبة والنصرة في ضوء ضوابط الشريعة، كما استقر مذهب أهل السنة على عدم جواز الخروج على الحاكم الشرعي إلا بكفر بواح ولا يجوز للحاكم الشرعي أن يخلع نفسه إذا ترتب على ذلك فساد في البلاد والعباد على نحو ما فعل عثمان رضي الله عنه، لكن مرسي أراده أهل التمرد والبغي أن يتنازل ويخلع نفسه فأبى، ولو أجابهم إلى هذا لأَثِم . ومن ثم فالواجب على المسلمين اليوم السعي في إعادة مرسي ورده إلى ولايته، فما قام به العسكر ومن معهم هو من الخيانة والتآمر والانقلاب على الشرعية، ولذلك وجب على قيادة الجيش أن تتدارك خطأها وألا تدفع الشباب إلى اليأس والإحباط فتكون فتنة يُخشى على البلاد منها، والواجب الشرعي يحتم على قادة الجيش رد الأمور إلى نصابها وقفل باب الشر والمحنة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. كما أن الواجب الشرعي على العلماء يلزمهم ببيان الحق في حرمة الخروج على الحاكم المنتخب والسعي في جمع الكلمة ووحدة الصف وحقن الدماء . وقد سبق أن أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانه الأخير أول امس بشان ما حدث أمام الحرس الجمهوري من اعتداءات واشتباكات بين الجيش والمعتصمين، حيث تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببالغ القلق والأسى وباهتمام كبير تطورات ألأحداث الأخيرة، التي أدت إلى مقتل وجرح عدد كبير من المتظاهرين المسالمين، في القاهرة والإسكندرية طوال اليومين الآخرين، بالإضافة إلى حالة الهيجان والتفلت، والقبض على عدد من القياديين الإسلاميين، وإيداعهم في السجون في بعض المحافظات الأخرى، ولكن أسوء شيء هو ما وقع فجر اليوم الإثنين أمام القصر الجمهوري والحرس الجمهوري، حيث استشهد عدد كبير يتجاوز خمسين شخصاً بينهم عدد من الأطفال، وجرح المئات من هؤلاء المتظاهرين المسالمين، الذين يقفون مع الشرعية وينادون بعودتها، وكأن الفتنة بدأت تظهر بقرونها، كما حذرنا منها في بياننا الأول إذ لم يقم العقلاء والحكام بواجبهم نحوها. وأمام هذه المخاطر والمآسي يرى الاتحاد ويؤكد ما يلى: 1. يندد الاتحاد بكل أعمال العنف والإرهاب من أي أحد كان، ويخص بالتنديد والشجب والاستنكار، المجازر التي وقعت أمام الحرس الجمهوري، حيث راح ضحيتها عدد كبير من المتظاهرين المسالمين، بينهم عدد من الأطفال ومئات الجرحى، وهى عمل جبان وإشعال لنار الفتنة، نسأل الله تعالى بتضرع أن يحفظ مصر. 2. يناشد الاتحاد العالمي الجميع أن يتقوا الله في الأنفس والأعراض والأموال، التي حرمها الله تعالى كحرمتها في البلد الحرام، والشهر الحرام، والبيت الحرام، والله الله في إراقة الدماء فقد قال تعالى }أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٍ فِى الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا{ سورة المائدة -32 وقال تعالى }وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" سورة النساء -93. والأحاديث الكثيرة الدالة على أن حرمة المؤمن أكبر من الكعبة المشرفة، وأنه (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، لذلك نطالب الجميع: الشرطة، والعسكر، والمتظاهرين، بالحفاظ على سلمية المظاهرات، ومنع المفسدين والمندسين والبلطجية من تعكير أجواء الديمقراطية والسلمية، فهذه هي مسئولية الجيش، والأمن، والشرطة، بصورة خاصة، كما أنها مسئولية كل مسلم، وكل مواطن بشكل عام. 3. يدعو الاتحاد الشعب المصري العظيم، وبخاصة الثوار الذين اتحدوا على أهداف ثورة 25 يناير المجيدة، إلى الالتفاف حول هذه الأهداف، وحماية ثورتهم ومكتسباتها العظيمة والديمقراطية، والقضاء على الظلم والفساد والطغيان وفاء لدماء الشهداء وتضحيات الشرفاء من أبناء مصر الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقرار. 4. يطالب الاتحاد حكماء مصر وعقلاءها بالتدخل الفوري لعودة الشرعية، وحماية مصر العظيمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما يطالب كل أحرار العالم والمدافعين عن قيم الحرية والديمقراطية والحياة الدستورية للتدخل السلمي الايجابي لحماية القيم الإنسانية المشتركة، وعودة الحق إلى أصحابه، واحترام إرادة الشعب المصري مرتين، مرة باختيارهم الرئيس، ومرة بموافقة حوالي الثلثين على الدستور، وإذا أهينت إرادة الشعب فأيّ خير يبقى، وأيّ مصلحة موهومة ترجح؟!! و من غير المنطق أن يطالب التحالف الوطني لتأييد الشرعية بالعودة إلى بيوتهم ومساجدهم، وهم يطالبون بعودة الشرعية واحترام إرادة الشعب المصري العظيم، ولا يطالب الآخرون بالعودة إلى الحق والشرعية؟ 5. يثمن الاتحاد مواقف الدول التي وقفت مع الشرعية بالدعم والتأييد، ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة، ويتمنى الاتحاد من جميع دول العالم الديمقراطية الحرة والمحبة للسلام أن تتعامل مع قضية الشرعية الدستورية في مصر بمنطق الشفافية والوفاء والصدق بعيداً عن الازدواجية والانتقاء. 6. يحذر الاتحاد دول المنطقة وشعوبها من خطورة السكوت والتغاضي عن انتهاك الشرعية الدستورية والانقلاب عليها فإن الخروج المسلح على شرعية الدستورية والانتخابية يشكل سابقة خطرة يمكن أن تهدد أمن واستقرار المنطقة. 7. يؤكد الاتحاد حق جميع الأطراف والقوى السياسية، في المشاركة السياسية العادلة، دون إقصاء أو تهميش لأي من تلك القوى المجتمعية، فمصر لجميع المصريين بمختلف أديانهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية. 8. يدعو الاتحاد جميع القوى السياسية في مصر، بجميع مكوناتها وبمختلف توجهاتها، للاستفادة من التجارب المريرة التي مَرُّوا بها، ونبذ التوجهات السياسية الإقصائية لبناء مصر المستقبل، وتحقيق تطلعات شعب مصر العظيم، وبما يحفظ لمصر قوتها وعزتها، ويحفظ دورها المركزي في قيادة الأمة العربية والإسلامية، فقوة أي دولة من قوة جميع قواها. 9. ومع كل ما تقدم فإن الاتحاد مقتنع بأنه لا بديل لحوار مجتمعي واسع، تشارك فيه كل الأطراف، وتشترك في صياغة نتائجه كل الأطياف لإخراج مصر من انسداد أفق لا يخدم مصلحة أحد، فالتنازلات المتبادلة وتجاوز المصالح الشخصية والفئوية، من أهم أسس حل المشكلات والمعضلات، بعيداً عن روح الإقصاء والانتقام. وأخيرا ففي حالة الاستعداد لهذه الروح العالية من التضحية والبذل في سبيل إعادة الشرعية وإصلاح ذات البين، تطبيقاً للآيات والأحاديث المعروفة، فإن الاتحاد مستعد للقيام بالوساطة امتثالاً لقوله تعالى : "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً " 10. يهيب الاتحاد بجميع الإخوة الكرام الذين وقفوا مع الشرعية من الإسلاميين وغيرهم من أطياف المشهد السياسي في مصر أن يحافظوا على سلمية المظاهرات، ومنع المندسين لإحداث الفتن. ولا نشك في أن الله ناصر جنده، ودينه، وهو يحق الحق ويبطل الباطل، ولكن لكل أجل كتاب، ولكل شي قدره، كما أنه ابتلاء عظيم آخر يأتي بعده النصر القريب بإذن الله تعالى "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .