قبل عام من الآن، سالت دماء 73 شهيدًا على مدرجات استاد بورسعيد الرياضى، بعد أن هاجم مشجعو النادى المصرى، مشجعى النادى الضيف (الأهلى)، محاولين الفتك بهم، وإبادتهم، مستغلين حالة الانفلات الأمنى التى كانت تعيش فيها البلاد، لتنفيذ مخطط تم رسمه بدقة لجماهير النادى الضيف، الذى كان يأمل أن يشاهد فريقه منتصرًا ليعود للاحتفال بهذا الفوز بمقر ناديه فى القاهرة. عشاق «النادى الأحمر» زحفوا خلفه من جميع المحافظات، وكل حلمهم أن يعودوا منتصرين مع فريقهم للاحتفال، لم يكن يدور بخلد أى منهم أن هناك مكيدة حيكت بليل، لإبادتهم، من قبل من لا يعرف الرحمة، وكما أنه لم يتوقع أكثر المتشائمين أن يحدث ذلك فى مباراة كرة قدم، لم يكن أهالى الشهداء يتوقعون أيضًا أن دعواتهم بالسلامة لأبنائهم المسافرين خلف فريقهم لبورسعيد، إنما هى كلمات الوداع. رغم مرور عام على مصرع «شهداء المجزرة» إلا أن كلماتهم مازالت تتردد فى آذان ذويهم، تلك الكلمات التى رواها الأهالى ل«الصباح»، مؤكدين قبولهم بقضاء الله الذى لا راد لقضائه.. * «الصباح» ترصد حكايات 5 من شهداء المجزرة فى ذكرى مرور عام على المجزرة. * حسام الدين.. إمام المسجد الذى عشق الأهلى فاستشهد فى محرابه حسام الدين سيد عبدالفتاح، أحد شهداء مجزرة بورسعيد، لم يمهله الأجل حتى يكمل عامه الثامن عشر، كان يدرس فى المرحلة الثانية من الثانوية العامة، يسكن بحى دمنهور بمنطقة شبرا الخيمة، أصغر أشقائه الثلاثة، فكان المقرب من قلب أبيه وأمه، زرع جده فيه عشق النادى الأهلى، فملأ حجرته بصور لاعبى النادى، أصدقائه الذين يجهلون اسمه، فكان لا يخلد للنوم قبل أن يملأ عينيه بمشاهدتهم، بعد أن حجبت الصور جدران حجرته، فعرف وسط أصدقائه بأنه «عاشق الأهلى المتيم». تحدث والد الشهيد حسام الدين قائلا: «حسام كان متدينا، ووصل لدرجة توقعه ما سيحدث له ولأقاربه، ومحبيه، خاصة أنه كان يجيد قراءة القرآن الكريم بالتجويد، وكان حريصا على تنظيم أوقاته بين المذكرة، والقراءة، وتشجيع فريقه، وكان متفوقا فى دراسته، حيث كان يحصل على الدرجات النهائية فى جميع المواد، بفضل جده واجتهاده، كما أنه كان حريصًا على حضور دورس حفظ القرآن فى المسجد، حتى أصبح إمام المسجد القريب من المنطقة». وأكد «عبدالفتاح» أن نجله الشهيد حسام كان لا يستطيع ترك أى مباراة للنادى، فكان حريصا على جمع مصروفه وعدم التفريط فيه حتى يستطيع مشاهدة المباريات فى الاستاد، وكان يصر على الذهاب للمباريات، حتى وإن كلفه الأمر الذهاب سيرًا على قدميه، وكان كثيرا ما يعود للمنزل سيرا على الأقدام لتوفير ثمن تذكرة المباراة، حتى وإن كلفه الأمر السير لمدة ساعتين. حلم «حسام الدين» الذى راوده منذ الصغر كان دخول كلية الطب والتخرج فيها ليصبح طبيبًا يعالج مصابى الثورة، وتمنى فى آخر أيامه أنه يلحق بالشهداء وهو يدافع عن وطنه. يوم وفاته طالب والدته بالدعاء له قائلا لها: «ادعى يا أمى إنى أرجع.. أنا حاسس إنى مش راجع، أو الأهلى هيخسر المباراة، وفى الحالتين أنا كده كده مش هكون مبسوط، ادعى يا أمى»، قبل أن يقبل يديها، بعدها ودعته والدته داعية له بالسلامة. توفى الشهيد «حسام الدين» متأثرًا باختناق وكدمات فى الوجه والجسم، ما أدى لحدوث نزيف داخلى بالرأس أدى لارتجاج فى المخ وفقدان الوعى، الذى سبب الوفاة. * «عمر» لوالدته بعد أن صلى الفجر: لو متنا حنموت شهداء عشق النادى الأهلى منذ نعومة أظفاره، فلم يكن يمر أسبوع عليه دون زيارة النادى، والاتصال بأصدقائه من اللاعبين، ولم يكن يتوقع أن يكون هذا العشق طريقه للوفاة. تقول والدته: «قبل الحادث بيوم أنهى عمر امتحاناته بالفرقة الثانية بكلية الهندسة، وكنت رافضة تمامًا ذهابه لمشاهدة المباراة فى بورسعيد لتخوفى عليه، ولكنه أخبرنى أنه سيذهب لملاهى دريم بارك فى اليوم التالى؛ لقضاء يوم سعيد احتفالا بانتهاء الامتحانات، عندها لم أمانع، داعية له بالتوفيق، وما أشعرنى بالأمان أنه قرر اصطحاب شقيقه الأصغر معه، مضيفة: «كذب عليا علشان أنا كنت رافضة ذاهبه لمشاهدة المباراة فى الاستاد، بعد أن عاد من المباراة السابقة بعد أن تعدى عليه المشجعون قبل مجزرة بورسعيد، بأسبوع، وقتها منعتهما من الذهاب لمشاهدة المباراة، بعد أن اتصل والدهما من الإسكندرية، مقر عمله، وطالبها بذلك، قبل يوم المجزرة». وتؤكد الأم أنها ليلة المباراة جلست مع نجليها وطالبتهما بتنفيذ أوامر والديهما بعدم الذهاب إلى بورسعيد، ورد عليها «الشهيد» حينها «هيحصل إيه يا ماما.. لو متنا هنموت شهداء، ودى أحسن حاجة ممكن تحصل لينا، بعدها صلى الفجر مع شقيقه فى المسجد»، مضيفة: «عقب صلاة الفجر غادرا المنزل، فى طريقهما لمحطة مصر، وقبل المباراة بنصف ساعة اتصل بها عمرو وقال لها: «ما تقلقيش يا أمى.. إحنا جنب البيت»، وبعد المباراة اتصل زوجى بى، وظل يصرخ فيها قالها ابنك مات، إيه اللى خلاكى تسيبيهم يروحوا الماتش، بعدها تلقيت تليفونا آخر من شقيقه الصغير المرافق له قال لها فيه «أخويا سايح فى دمه»، نزلت على إثره إلى الشارع بملابسى المنزلية، فى طريقى لبورسعيد، وفى المحطة تقابلت مع زوجى، وظللنا نتردد على جميع المستشفيات لعلنا نجده بين المصابين، ولم نجده إلا فى المشرحة، موضوعا على الأرض، ملطخًا فى دمائه». وتضيف: «أثبت التقرير الطبى وفاة عمرو نتيجة تعرضه لضرب على مؤخرة الرأس، تسبب فى نزيف داخلى، وارتجاج فى المخ، بعدها قررنا نقله إلى الإسكندرية وتشييع جثمانه فى مقابر الأسرة هناك». وتشير أن الأسرة قررت مغادرة القاهرة والعيش فى الإسكندرية بسبب الأوضاع السيئة فى القاهرة، معربة عن رضائها بحكم الله وقضائه، وأنها صابرة على حكم الله، وأن القضاء المصرى عادل واقتص لأرواح الشهداء، وأن إعدام شخص واحد فقط كان سيشفى غليلها، مختتمة حديثها بأنها تنتظر حكم القضاء فى المجرمين الحقيقيين قيادات وزارة الداخلية فى التاسع من مارس المقبل. * حامد فتحى.. سفاح الأهلى «الوحيد» الذى اغتال البلطجية أحلامه حامد فتحى حامد عبدالرحمن مواليد 1992 طالب بالفرقة الأولى بكلية التجارة بجامعة عين شمس عرب الجزر عين شمس سفاح الأهلى.. لقب أطلقه أصدقاء حامد فتحى حامد عبدالرحمن، عليه، لعشقه للنادى الأهلى، معشوقه الأول والأخير، كما أحب أن يطلق عليه، بعد أن زرع فيه جده حب النادى الأهلى. يقول فتحى حامد عبدالرحمن، والد الشهيد: «ليلة المجزرة أخبرنى نجلى أنه ذاهب لبورسعيد، لمشاهدة المبارة فى استاد المصرى، وقال له حينها «ما تقلقش عليا يا بابا، أنا مش راجع بالدم يا بابا أنا راجع منتصر»، وبعد انتهاء المبارة تلقيت اتصالا من صديق له طالبه فيه بالحضور لبورسعيد، لأن حامد فقد الوعى، ونزلت بعدها مسرعا بملابس المنزل، وعندما وصلت لبورسعيد، ظللت أبحث فى كل المستشفيات، ولم أجده، عندها قررت الذهاب للمشرحة، التى كانت تتوافد عليها سيارات الإسعاف حاملة جثث الشهداء، وبعد أن أمضيت يومًا كاملاً من البحث، وجدت جثته فى المستشفى العسكرى، موضوعا داخل كيس لحفظ الموتى، وعندما فتحت الكيس وجدت الدماء تلطخ وجهه، عندها ظللت أصرخ وأنا أردد حسبى الله ونعم الوكيل.. إنا لله وإنا إليه راجعون». توقف «عبدالرحمن» عن الحديث بعد أن غرقت عيناه فى الدموع، متذكرًا نقل جثمان «نجله» إلى مقابر عين شمس، حيث لازمه فى سيارة الإسعاف التى نقلته للمقابر رافضًا الركوب فى السيارات التى لازمت الجنازة. أعرب «الرجل» عن رضاه بحكم الله وقضائه الذى قال إنه «لا اعتراض عليه»، وأنه لن يفرط فى حقه فى القصاص من قتلة نجله، الشهيد، حتى وإن كان ذلك يوم القيامة، وأنه ينتظر الحكم العادل فى التاسع من مارس المقبل، والحكم على باقى المتهمين فى القضية». يقول «عبدالرحمن»: «وهبنى الله حامد، وكان طفلى الوحيد، وأخذه منى وأنا صابر؛ لأنه لا اعتراض على قضاء الله، إلا أننى لن أسامح فى حقه أبدًا، وأنتظر تنفيذ حكم القضاء العادل بالقصاص من القتلة، وهو الحكم الذى سيصل للشهيد فى قبره عند تنفيذه ليرتاح». * إسلام.. أخذ الشهادة قبل الشهادة «الإعدادية» الشهيد إسلام أحمد أفندى 17 عاما كان تلميذا بالشهادة الإعدادية حبه لناديه الأهلى أدى إلى رسوبه فى الامتحانات، مما أدى إلى إعادته «الإعدادية» مقيم بالكونيّسة بحى العمرانية بالجيزة لديه 6 أخوات بنات، وأخ رضيع، أبوه «على المعاش»، وأمه بائعة خضار . تحدث والد الشهيد إسلام ل«الصباح» قائلا: «إنه عاشق لناديه، وأنه أهلاوى صميم، كان دائما يجلس أمام بوابة النادى منتظرا أيا من اللاعبين حتى يتصور معه، و ظل يحلم أنه سوف يصبح صديقا مقربا لأحدهم». دائما كان يلعب الكورة فى الشارع مع جيرانه، وكان يطلق على نفسه «شهيد الأهلى» على الرغم من أنه لم يسمع أحد بموت مشجع كروى . إسلام كان يعمل بأحد المقاهى بجانب دراسته لتحصيل المال الكافى للذهاب خلف ناديه ومؤازرته». أبوه المسن غير قادر على العمل بعد موت سنده إسلام «رجل البيت» فهو كان يعمل باليومية وليس له دخل ثابت فظلت بناته الست يعملن مع أمهن فى السوق، والبعض الآخر فى تنضيف الشقق لسكان العقارات المحيطة بهم، فهم من الطبقة الفقيرة التى لا تقدر إلا على تناول الفول والعدس دائما . «شهيد الأهلى» كان دائما يحلم بأن يصبح إعلاميا حتى يلتقى لاعبى ناديه المفضل، مشاجرة أبيه معه على تركه المذاكرة لمشاهدة مبارايات «نادى القرن» كان يرد عليها بخفة ظله قائلا: « النادى الأهلى يجرى فى عروقى و دمى»، وكان دائما يترتدى ملابس النادى الأهلى سواء كان فى المنزل أو خارجه، فحتى جواربه الخاصة به كانت باللون الأحمر. إسلام «ثورجى» وطنى كان موجودا بالميدان منذ 25 يناير، ودائما كان أصدقاؤه وجيرانه يشكون منه من كثرة عصبيته وحددته تجاه الوطن. إسلام كان يشعر بمكروه سيصيبه، قبل الحادث فزار كل أقاربه، وكأنه يراهم لآخر مرة فى عمره، زارهم فى جميع المناطق لدرجة أنه سافر ليسلم عليهم واحدا واحد»، وحين جاء وقت الذهاب خلف ناديه لبورسعيد قال لأبيه: «أنا إحساسى إنى مش هرجع غير باللون الأحمر ولكن على وجهى وجسدى». فتوفى بضربة فى الجانب الأيمن بالرأس، مما نتج عنه نزيف داخلى أصابه بفقدان الوعى ثم توفى بعد دخوله المستشفى بيومين. * محمد ياسين.. «عيد ميلاد شهيد» والده: حصل على ثمن التذكرة من شقيقته.. و«حسبى الله ونعم الوكيل» فى القتلة. بعينين امتلأتا بالدموع جلس أحمد محمد ياسين، المحامى، بعد أن فشلت قدماه على حمله، وهو يروى قصة استشهاد نجله «محمد» فى مجزرة بورسعيد، مؤكدًا أنه كان يسعد للاحتفال بعيد ميلاده الخميس الماضى، حيث كان من المنتظر أن يتم عامه التاسع عشر، غير أن «البلطجية» كما أسماهم لم يمهلوه للاحتفال بمولده، الذى صمم أصدقاؤه على الاحتفال به فى منطقة شبرا بوسط البلد، أسفل منزله، داعين الله أن يجعله من الشهداء، مرددين هتافات «عيد ميلاد شهيد». أكد والد الشهيد أن نجله «محمد» الذى كان يدرس فى السنة الثالثة من الثانوية العامة، قرر يوم الحادث الذهاب مع أصدقائه لتشجيع فريق النادى الأهلى فى بورسعيد، فى مباراته أمام النادى المصرى، وقام قبل يوم المباراة بالاتصال بجميع أصدقائه، وتجميعهم، وقال لهم: اللى ماعرفناش نعمله فى التحرير هنعمله فى بورسعيد، وقام بعدها بتقبيل يد والدته، وطالبها بالدعاء له، بالنجاة والعودة من المباراة سالمًا، غير أن ما حدث فى المباراة حال دون رجوعه. توقف «الرجل» لالتقاط أنفاسه بعد أن قبل صورة نجله التى وضعها أعلى سريره الذى رفض أن ينام عليه غيره، وتركه مرتبًا، كما تركه نجله، واستكمل حديثه بقوله «أنا السبب إنه فقد حياته.. أنا اللى زرعت فيه حب النادى الأهلى.. علمته حب النادى.. بس ماكنتش أعرف أن ماتش كورة قدم ممكن يحصل فيه كده.. الله يرحمه». وأضاف «ياسين»: «يوم المجزرة كنت أشاهد المباراة فى التليفزيون وتلقيت اتصالا هاتفيًا من نجلى الشهيد قال لى فيه «يا ريت يا بابا تخلى أختى ما تزعلش منى لأنى أخدت منها فلوس التذكرة، يا ريت يا بابا تدعيلنا إننا نرجع سالمين»، عندها شعرت بالخوف، وإنتابنى شعور أننى لن أشاهد نجلى مرة أخرى، بعدها تلقيت اتصالا هاتفيًا من أحد أصدقائه يخبره فيه أن نجله فى حالة خطرة فى المستشفى، عندها تركت خط التليفون مفتوحًا، وقررت السفر لبورسعيد، وأنا أعلم أن نجلى مات، وعندما ذهبت إلى مستشفى بورسعيد العام، وجدت إنه توفى بالفعل نتيجة الأحداث، وأكد التقرير أنه أصيب باختناق وكدمات بالرأس والوجه، أدت لنزيف داخلى، تسببت فى الوفاة، عندها وجدت نفسى أقول «حسبى الله ونعم الوكيل فيمن قتل محمد». وأوضح أن نجله الذى ولد يوم 31 يناير عام 1994، عاشق متعصب للنادى الأهلى، ويحرص على أداء الصلوات فى أوقاتها، وكان يعمل بوظيفة مندوب مبيعات، عقب انتهاء الدراسة، لتوفير ثمن تذكرة دخول مباريات النادى الأهلى التى حرص على مشاهدتها مع أصدقائه فى الاستاد، مشيرًا إلى أن نجله كان يحلم بدخول كلية الطب.