مدرسة متطوعة: فوجئت بشباب يبدو متدنيا يصورون الأطفال فى الفصول لعمل «بوسترات» جمع المساعدات تحصيل رسوم من الطلبة السوريين رغم أن المدارس خيرية.. والإدارة التعليمية لا تتحرك فصل تلاميذ التحقوا بمدارس الحكومة ثم بالموازية لتجاوز أيام الغياب.. وضياع العام الدراسى عليهم رغم أن قلوب المصريين تنفتح دائمًا للغرباء، وأن سر عبقرية مصر، أرضًا وشعبًا، يكمن فى أنها تحتوى، كل الذين يقصدون أمنها وأمانها، وسرعان ما «يتمصرون»، وتصبح بينها وبينهم ألفة، وبينهم وبين شعبها، «عيش وملح».. لكن هذا لا ينفى أن بعض أولى النفوس الخربة، وأصحاب القلوب السوداء، لا يماثلون مصر نقاءً وطيبة وعطفًا على الغرباء. هؤلاء الذين ينقبون عن الأرباح من مصائب الناس، هرعوا إلى جنى الغنائم، وحصد الأموال، من إخواننا السوريين اللاجئين، واسترزقوا من أوجاعهم، دون أن يشعروا بوخز الضمير، وبغير خوف من العقاب، فى ظل الدولة المرتعشة المتراخية، وتاجروا بكل شىء، وأى شىء، حتى بمستقبل أطفال سوريا، وتعليمهم فى مدارس ليست ذات صفة قانونية. فمع تزايد أعداد اللاجئين السوريين بمصر، أصبح ضروريا إيجاد أماكن لأطفالهم فى المدارس، حتى لا يضيع عليهم العام الدراسى، فتأسست «المدارس الموازية للسوريين»، التى تقوم فكرتها على أن يدرس الطلبة السوريون فيها المنهج المصرى، ويتولى مدرسون سوريون تدريسهم حتى يتجنبوا الصعوبات التى تنجم عن عدم استيعاب اللهجة المصرية استيعابًا كاملًا. باسلة محمد، وهى إحدى المدرسات التى عملت بمدرسة سورية موازية، المدار السورية، لكنها لم تستمر طويلًا لأن العملية التعليمية التى تجرى داخل هذه المدارس ليست سوى عملية متاجرة باسم السوريون فى مصر، كما تقول. وتضيف «أنا ميسورة الحال الحمد لله، ولما قرأت عن فكرة المدارس الموازية، قررت التطوع للتدريس مجانًا، لأبناء وطنى من السوريين اللاجئين إلى مصر، فتوجهت إلى أحد المراكز التى يتواجد بها هؤلاء الطلبة وقابلت بعض المختصين وأوضحوا لى أن المرتب 800 جنيه شهريا، فلم أبد اعتراضًا لأنى توجهت على سبيل التطوع، لكنى فوجئت بعرض أموال رغم أن ما تناقلته وسائل الإعلام حول المدارس الموازية، أكد أنها جهد تطوعى. وتقول: بعد فترة عرفت أن المسئول عن تلك المدارس قيادى بحزب الحرية والعدالة، فطلبت مقابلته للاستفسار عن بعض الأشياء التى كانت مريبة بالنسبة لى، ومنها تكرار تصوير الطلبة من قبل أشخاص لهم لحى، وعن سر هذه الكاميرات، ففوجئت بعد 48 ساعة بأن إدارة المدرسة تستغنى عن خدماتى.. بدعوى أن عدد المدرسين أزيد من حاجة العمل، ولأن هذا المبرر لم يكن مقنعًا فقد أرسلت صديقة سورية إلى المدرسة، تطلب عملًا فوافقوا على تشغيلها على الفور، وعندئذ تأكدت من وجود أمر مريب، ومن أن هناك سرا ما يراد طمسه. نوايا خبيثة الفكرة فى البداية، لاقت استحسان الكثيرين، لكن الأيام كشفت عن أن خلفها نوايا أخبث من خبيثة، كما يقول يوسف أبوالدهب مدير عام أكاديمية مصر التى شكلت مقرًا لإحدى المدارس الموازية. ويروى أبوالدهب تفاصيل ما يسميه بالصفقة المحرمة على أوجاع وآلام الأشقاء السوريين قائلا: فى البداية طلب منى شخص قال إنه وسيط من حلمى الجزار، أمين عام حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، استخدام مقر الأكاديمية ليكون مقرا لمدرسة موازية، مؤكدًا أن المشروع تطوعى وإنسانى فى المقام الأول، فالمدرسون السوريون سيعملون بأجر رمزى، أو مجانًا، أما سعر الكتب فسوف تتحملها جمعية «نسائم الجنة»، وطلب منى التطوع بالمكان، فوافقت على الفور، انطلاقًا من الإيمان بضرورة وقوف كل مصرى إلى جوار الأشقاء فى محنتهم. ويضيف «بعد فترة عرفت أن أحد قيادات حزب الحرية والعدالة تلقى تمويلا بمليون جنيه من أحد الرجال بمسجد يسمى الحصرى، وأنه استطاع إقناع عدد من أصحاب المقرات التى تصلح للتدريس بتقديم مقراتهم مجانًا أو بأجر رمزى، وأنه يجمع التبرعات من هنا وهناك، كما لاحظت أن رجالا من حزب الحرية والعدالة، أصبحوا دائمى التردد على المدرسة، وبدأت ألاحظ صراعًا على إدارة المشروع، وفوجئت بأشخاص من الحزب يعرضون عليّ تأجير المقر، وعرض تسديد ضعف القيمة الإيجارية التى أتقاضاها. تصوير المدارس ومن الملاحظات الغريبة، أنه كان يتم تصوير التلاميذ فى الفصول الدراسية، وعرفت أن هذه الصور تستخدم لعمل «بوسترات» لجمع تبرعات، فقررت إغلاق المقر، وبعدئذ تلقيت تهديدات من أحد مسئولى حزب الحرية والعدالة بأن الأمر لن يمر على سلام، وقال لى هذا الرجل حرفياً: إحنا أقوى حزب فى مصر، وإذا ما رجعتش عن قرار غلق الأكاديمية، أنا إيدى طايلة لحد الرئاسة.. لكنى رفضت التراجع، فلن أكون شريكًا فى لعبة قذرة. وتروى مدرسة شاركت فى المشروع، ما حدث معها قائلة: لم أشارك فقط فى المشروع، لكنى صاحبة الفضل فى ظهوره إلى النور، فمع ازدياد معاناة السوريين، واستمرار الحرب لوقت لا يعلمه إلا الله، فكرت فيما يمكن أن يخفف عنهم. وتقول السيدة التى ترفض ذكر اسمها: أنا تربوية ولى باع طويل فى العمل الخيري، وقد طرقت أبواب وزارة التربية مرات، فقيل لى هناك، عليك الذهاب إلى أحد قيادات الإخوان، فهم يحكمون البلد الآن، وبيدهم كل الأمور. وحصلت على رقم القيادى الإخواني، وهو غير معروف للرأى العام، فاتصلت به، وتواعدنا فى مكتبه، ولما قصدته رأيت مكتبًا رثًا باليًا، فتخيلت بأنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا.. لكنى حدثته عن فكرة المدارس الموازية، فأبدى اهتمامًا كبيرًا بالأمر، واتفقنا على أن المشروع سيكون خيريًا لمساعدة الطلبة السوريين، وألا نكبدهم جنيهًا واحدًا، فأكد لى أن هذا عمل عظيم، وألقى خطبة عصماء عن نجدة الملهوف وإغاثة المحتاج وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنته الحميدة فى إكرام كل ذى حاجة. وبدأ العمل فعليا بحصر أعداد اللاجئين السوريين ممن فى سن المدارس، وتوزيعهم على المراحل التعليمية المختلفة، وتم الاتفاق مع أكاديمية مصر، لكن ما هى إلا أيام، حتى أصبح كل شىء مثيرًا للريبة والشكوك. كنت قد توليت مهمة إدارة المدرسة الموازية المقامة بأكاديمية مصر ومع الأمور المريبة لم أستطع الصمت. وتضيف: الرجل الإخوانى البسيط الذى كان يتواصل معى بشكل دائم، ظهرت عليه سمات الثراء، وعرفت من مصادر لا أشك فى صدقها، أن القيادى الذى طالما تحدث عن البر والتراحم ونجدة المحتاج، تلقى مبالغ تقدر بما يزيد على مليون جنيه لمصلحة المدارس الموازية، فقررت مواجهته بالأمر فما كان منه إلا أن أقصانى عن المشروع، وأخذ يشيع فى كل مكان أنى ملاحقة أمنيًا. وبعد طردى من المشروع، توجهت إلى وزارة التربية والتعليم، للتعرف عما يجرى من وراء ظهرى، فحذرنى موظفون هناك من أنى أنطح الصخر، ومن أنى لن أتمكن فى النهاية من هزيمة الإخوان، و«أحسن لك تلمى الدور وتسكتى». وتقول: توجهت إلى مكتب مدير الإدارة التعليمية بمدينة أكتوبر، سلامة طراد، كون المدرسة الموازية تابعة جغرافيًا لها، فكشف لى أن المدارس الموازية ليست تابعة للإدارة والتعليم فيها غير معترف به من قبل الوزارة، مؤكدًا أن «هناك عملية مشبوهة» لا يمكن السكوت عنها.. وطالبنى بالتوجه لمديرية أمن الجيزة لتحرير محضر، لكنى خشيت أن أفعل لأنى بدأت أتلقى تهديدات، وطلبت منه أن يحرر المحضر بصفته الرسمية لكنه لم يفعل. وفى رده على هذه الواقعة، يقول مدير الإدارة: إن الإدارة التعليمية ليست مسئولة من قريب أو بعيد عما يسمى بالمدارس الموازية، ويجب على السلطات المختصة اتخاذ الإجراءات اللازمة، موضحًا أن هناك معلومات تفيد بأن طلبة وطالبات سوريين التحقوا بها، وبدأوا يتغيبون عن المدارس المصرية المعتمدة وسيتم تطبيق اللوائح عليهم وسيتعرضون لعقوبة الفصل إن زادت مدة الغياب على شهر مثلهم مثل الطلبة المصريين. وفيما كان مدير الإدارة يدلى بتصريحاته ل «الصباح»، دخل رجل المكتب وطلب من المحرر إثبات شخصيته، ثم طلب رجال الأمن إخراجه بعد مسح التسجيلات وإطلاق التهديدات «لو نشرت كلمة هنحبسك وإحنا معانا صورة من بطاقتك الشخصية». مأساة.. مفصولون من التعليم المصرى و«المدارس الموازية» غير معتمدة استقطبت المدارس السورية الموازية عددًا كبيرًا من الطلبة والطالبات السوريين اللاجئين إلى مصر، خاصة تلاميذ المراحل التعليمية الدنيا من الأطفال الذين لا يستطيعون استيعاب دروسهم باللهجة المصرية على نحو كامل. ومع التحاق الطلبة بالمدارس التى يقال إنها خيرية أصبحوا فى موقف حرج، لأنهم أصبحوا بحكم القانون متغيبين عن مدارسهم الحكومية، ومن ثم مهددين بالفصل منها، تطبيقًا للوائح الانضباط المدرسى التى تنص على فصل الطالب فى حال تغيبه لأكثر من ثلاثين يومًا. ولا تعترف وزارة التربية والتعليم بالمدارس الموازية التى لا تخضع لإشرافها من قريب أو بعيد ولا أحد يكاد يعلم عنها، إلا أن جمعيات خيرية ذات صلة بحزب «الحرية والعدالة» تشرف عليها. وتقول الطالبة ديما سيد، من الملتحقات السوريات بالمدارس الموازية: فى البداية سجلنا فى المدارس الحكومية وكنا ننتظم بالحضور فيها وبعد فترة ظهرت المدارس السورية، فتوجهت كغيرى من أبناء سوريا إلى هذه المدارس. بعد فترة فوجئت بأن هذه المدارس غير معتمدة، وأصبح الطلبة السوريون فى كارثة حقيقية، لأنهم بمقتضى اللوائح مفصولون من مدارس الحكومة، فيما لا تحظى شهادات المدارس الموازية بالاعتراف، ما يعنى أن عامًا دراسيًا ضاع بلا فائدة. وتضيف: «لا يطلب منا تسديد رسوم إلا فى أحوال نادرة، لكن من الأشياء الغريبة أنهم يصورون الفصول بصفة شبه يومية، وسمعنا من مدرسين سوريين أن بعض الناس أصبحوا أثرياء من وراء هذه المدارس. أما أحمد كاظم ومحمد أحمد فلم يبديا اهتمامًا بالأمر، لأن الشعب السورى يموت تحت نيران الأسد، ولا يوجد من يهتم به، حسب تعبيرهما. ويقول أحمد: إن الشعب المصرى طيب ولم نشعر بالغربة هنا، لكن الغريب أن المدرسة تطلب منا تسديد ثمن الكتب وتجبرنا على الانضمام إلى مجموعات تقوية مقابل أجر، هذا رغم أن المدارس الموازية أعلنت عن أن خدماتها مجانية 100%، ففى الأمر ما يريب بالطبع، وهناك أشياء لا أحد يعلم عنها، فيما يقول محمد: لست مهتمًا بضياع العام الدراسى، فالسوريون يتساقطون كل يوم، وأصبحنا مجرد أرقام يتم حصرها بعد رحيلنا، والعالم كله يريد الاستفادة من المذبحة والمتاجرة بها. نغم محمد: سمعت أن شهادات مدرستى «مش منيحة» تحمل الطفلة نغم محمد ذات العشرة أعوام بداخلها الكثير من الحزن الذى لا يناسب طفولتها ولا يليق بها، فهى كما تقول، تلميذة شاطرة وممتازة وكانت متفوقة فى سوريا، لكن الأسد «الله لا يوفقه» دفع أهلها إلى الهرب، بعد أن صارت «الحرب» فى كل مكان. وتقول: فى مصر أتعلم بمدرسة فيها مدرسون سوريون، وهم يعاملوننى بشكل طيب، لكنى سمعت عن أن شهادات المدرسة «مش منيحة». وتضيف: لا أفهم شيئًا، فأنا صغيرة لكنى أريد أن أتعلم حتى أصير طبيبة وأعالج الشعب السورى مجانًا، لأنه شعب مسكين وطيب. ولا تجد «نغم» سببًا يجعل شهادتها «مش منيحة» لأنها تدرس كثيرًا وتؤدى واجباتها المدرسة ولا تتغيب عن المدرسة مهما كان البرد قارسا. وتتمنى الطفلة انتهاء «الحرب» فى سوريا لأنها تريد العودة إلى بيتها وتقول: بيتنا فيه حديقة زرعناها نعناعاً وليمونًا وعندى قطة لم أستطع أن أصطحبها إلى مصر، ومدرستى هناك فيها صديقاتى ومدرساتى، وأنا «كثير مشتاقة إليهن».