إحدى عشرة بحيرة عملاقة فى مصر صالحة لتنمية الثروة السمكية، لكنها تعانى من التلوث المائى، وممارسات الصيد الجائر والانفلات الأمنى، وأيضا تجاهل المسئولين فى وزارة الثروة السمكية لها، رغم أنها من أخصب بحيرات العالم، وتحتوى على جميع أصناف الأسماك المهمة كالطابور والبورى والقاروص والدنيس والثعبان والجمبرى. وتواجه البحيرات مشاكل كثيرة تتنوع ما بين تعديات وتلوث مائى و بلطجة واحتكار أماكن للصيد وكثافة الحشائش وغيرها، ويبقى الضحية فى النهاية الصيادون الذين طفح بهم الكيل وساءت أوضاعهم كثيرا ولا يلتفت لهم أحد. أهم بحيرات مصر وأخصبها، وهى قارون بمحافظة الفيوم، وبحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية، ومريوط بمحافظة الإسكندرية، لكل منها ما يعكر صفحتها، ويجعل الاستفادة من ثروتها السمكية مستحيلة. وتعانى بحيرة قارون الواقعة شمال محافظة الفيوم، من نقص الزريعة، بسبب ممارسات الصيد الجائر، وغياب الرقابة على البحيرة، فضلاً عن ردم مساحات من المسطح المائى، لصالح رجال أعمال النظام السابق. ويقول رجب خيرالله، صياد، يبلغ من العمر 63 عاماً: إن البحيرة بها الكثير من المشكلات التى يعانى منها الصيادون وأهمها: مشكلة نقص الزريعة والتى تعتبر المشكلة الأساسية عندنا ما يؤدى إلى قلة الإنتاج السمكى بنسبة كبيرة، موضحا أن أسباب نقص الزريعة تعود إلى تجريفها من قبل صيادى «الفتلة الحمراء» والذين تقدر نسبتهم بحوالى 60% من الصيادين فى البحيرة. ويضيف أنه فى ظل غياب الرقابة من قبل هيئة المسطحات والثروة السمكية، لا يتورع الصيادون عن مخالفة قوانين الصيد، كما يقوم أعضاء من هيئة المسطحات بتهريبها من البحيرة، وبيعها وهذا يعد من أخطر المشكلات التى تهدد الثروة السمكية وتهدد مستقبل البحيرة بشكل عام. ويقول محمد عوض، الصياد الذى خرج لتوه من البحيرة: إن المشكلات لا تقف عند هذا الحد، فهناك تعديات رجال الأعمال التابعين للنظام السابق على البحيرة، حتى إن بعضهم ردم مساحات منها وبنى عليها، مشيراً إلى أن من بين هؤلاء وزراء سابقين، اقطتعوا مساحات من البحيرة بجوار فلل يملكونها وقصور، وتوسعوا فى البناء من دون أن يراجعهم أحد. ويؤكد صياد آخر، يدعى عمر عبدالله أن التعديات الأخرى على البحيرة تتضمن احتكار بعض ذوى النفوذ أماكن معينة للصيد، ومنع الصيادين من الاقتراب منها، ما يؤدى إلى الكثير من المناوشات والمشادات بين الصيادين وبين المحتكرين، تصل إلى حد المعارك بالأسلحة البيضاء مما يسفر عن حدوث إصابات، وكل هذا وسط غياب واضح من شرطة المسطحات وهيئة الثروة السمكية التى لاتقوم بدورها فى الرقابة على البحيرة وتنظيم عمليات الصيد بها. ويقول جمعة عبد الجواد، صياد 59 عاما إن لديه ظروفا خاصة، فهو يعانى من كسر قديم فى ذراعه، ومازال يعانى منه حتى الآن، ولايقدر على العمل، ومع ذلك يسعى لكسب رزقة لسد رمق أسرته، مضيفا: «لا يوجد أمامى وسيلة أخرى وأوضاع البحيرة الآن سيئة للغاية، وإننا فقدنا الأمل فى تحسن الأوضاع حيث إن البحيرة أصبحت مقلبا للقمامة». ويقوم بعض أصحاب المطاعم والمحلات التى تطل على البحيرة بإلقاء مخلفاتهم من الملوثات على شاطئ البحيرة وفى مياهها، كما يتخلصون من الصرف الصحى، فى مياه البحيرة.. من دون أن تبالى هيئة الثروة السمكية، بهذه الكارثة التى يكتوى الصيادون بنيرانها. ولا يختلف الوضع فى بحيرة «المنزلة» عنه فى بحيرة قارون، غير أن المنزلة تعانى أيضاً من أن ضفتيها أصبحتا ملاذا للبلطجية والخارجين عن القانون، كما أنها تتلقى مياه الصرف الصحى والصناعى الملوث، وتنمو على ضفافها نباتات ورد النيل التى تمتص أوكسجين التربة. وتقع بحيرة المنزلة فى محافظة الدقهلية وتمتد إلى بورسعيد ودمياط وتبلغ مساحتها حوالى 100 ألف، وقد تفقدت «الصباح» أوضاع البحيرة ووجدت مشاكل كثيرة تهدد مستقبل البحيرة والثروة السمكية بها. يقول العربى شاهين، من صيادى البحيرة: إن البحيرة أصبحت مأوى للبلطجية وأصبحت الحشائش الكثيفة فى البحيرة أوكارا يختبئ بها البلطجية من المحافظات وخصوصا «محافظات الشرقية وبورسعيد والدقهلية» والهاربين من الشرطة، موضحا أنهم يحملون الأسلحة ويمارسون أعمال البلطجة فى البحيرة ويستولون على مساحات من البحيرة «بوضع اليد» ويمنعون سواهم من الاقتراب منها، وإذا حاول شخص الاقتراب يطلقون النار عليه، ويستخدمون معه القوة والسلاح فى سرقة المراكب من أصحابها بالإكراه ويروعون الصيادين حتى أصبحنا «شايلين أرواحنا على كفوفنا» عندما نستقل مراكبنا وننزل إلى مياه البحيرة للصيد. ويقول عباس أبوسعيد، الصياد الذى يبلغ من العمر 50 عاماً: إن أصحاب النفوذ الذين يستولون على البحيرة لا يدركون أنها ليست ملكا لأحد وهيئة الثروة السمكية نفسها لا تدرك ذلك، حيث إنها تقوم بتأجير مساحات فى البحيرة لأشخاص بعينهم، وهذا لوجود مصالح خاصة، كما يقول، ويقوم هؤلاء الأشخاص بعد ذلك بالاستيلاء على مساحات أخرى مجاورة لهم، ورغم علم هيئة الثروة السمكية بكل ذلك فإنها لم تحرك ساكنا. ويؤكد أن من أهم المشكلات مشكلة الصرف الصحى حيث أصبحت البحيرة مصرفا لجميع المحافظات تلقى فيه صرفها حتى أصبحت نسبة الرصاص فى البحيرة تصل إلى حوالى 40% حتى تراكمت كميات كبيرة من الرصاص فى مياه البحيرة، وتابع حديثه قائلا: إن تناول الأسماك التى تخرج من البحيرة ومع مرور الوقت تسبب فى الإصابة بالفشل الكلوى. ويوضح أن هيئة الثروة السمكية متواطئة وتحقق مصالح موظفيها الكبار، من دون النظر لمصلحة الصيادين أو الصالح العام للبحيرة، مؤكدا أن نقابة الصيادين كذلك تعمل لتحقيق مصالح كبار موظفيها الشخصية، كما أن مجلس مدينة المطرية، لا ينظر إلى الصيادين ولا يقوم بأى محاولة لحل مشاكلهم وكذلك شرطة المسطحات. ويطالب الرئيس محمد مرسى بحل مشاكل الصيادين وتحسين أوضاعهم التى ساءت كثيرا، لأنه لا يوجد أى مسئول يلتفت إلينا أو يحل مشاكلنا ونعانى من التجاهل التام من جميع المسئولين الذين لايهمهم سوى تحقيق مصالحهم الخاصة فقط دون النظر إلى أى شىء آخر. ويقول الصياد إبراهيم طه الذى يبلغ «40 عاما»: «مش عارفين ناكل عيش»، فورد النيل انتشر فى البحيرة بكثافة كبيرة وأصبح يعوق حركة المراكب ولا نستطيع الصيد، حتى إن بعض الشخصيات، وضعوا كميات كبيرة من ورد النيل فى أماكن معينة داخل البحيرة يثبتونها فى قاع البحيرة باستخدام أعمدة للاستحواذ على المساحات التى وضعوا الورود فيها «بوضع اليد» ما أدى الى إعاقة حركة المراكب ومن ثم منع الصيادين من الصيد. ويقاطعه الصياد إبراهيم شبانة، 39 عاما قائلا: نعانى من هذه المشكلات وقد تضرر الصيادون من سرقات البلطجية مراكبهم، ومتعلقاتهم الشخصية، فنحن لا نشعر بالأمان ونحن نعمل فى البحيرة ولا يوجد من يحمينا من هؤلاء البلطجية. ولم تسلم بحيرة مريوط فى محافظة الإسكندرية من نفس الانتهاكات والتى تبلغ مساحتها حوالى 16 ألف فدان، فالصيادون يؤكدون الإهمال الجسيم للبحيرة والفساد الذى يعتقد الصيادون أنه السبب الرئيسى فيما يعانونه. وقد اصطحبنا فايز عبد الكريم، 50 عاما، ويطلقون عليه «شيخ الصيادين» فى مركبه، حيث اتضج للعين انتشار الحشائش، التى تعوق حركة المراكب، ويصل طولها إلى عدة أمتار. ويقول: إن هذه الحشائش تملأ البحيرة ونحن نسير بصعوبة شديدة فيها وهناك أماكن معينة فى البحيرة لانستطيع الابحار فيها بسبب الكثافة الزائدة للحشائش، موضحا أنه ليست الحشائش هى المشكلة الوحيدة التى تقابلنا فى البحيرة، لكن هناك الكثير من المشكلات الأخرى، من بينها تلوث المياه بسبب الصرف الصناعى الذى تلقيه شركات البترول فى البحيرة، وتوجد فى أماكن قريبة من البحيرة، وخصوصا فى منطقة حوض «الثلاثة آلاف» الموجود بالبحيرة. ويتابع: إن شركات البترول تتعاون معنا للقضاء على التلوث الناتج من إلقاء الصرف الصناعى فى البحيرة، وقد وعدتنا «شركة العامرية للبترول» بتقديم مبلغ مالى لإنشاء مصرف من منفذ خارج الشركة حتى المصرف العمومى لإلقاء الصرف فيه بدلا من إلقائه فى مياه البحيرة. ويقول أحمد إسماعيل، 40 عاما: إن مشاكل البحيرة كثيرة، فمياه البحيرة بها، نسبة عالية من التلوث حيث إن الصرف الصحى لمحافظة الإسكندرية يلقى فى البحيرة، ما أدى إلى تلوثها وقد أصيب البعض بأمراض مثل الفشل الكلوى وأمراض الكبد بسبب تناول أسماك ملوثة، موضحا أن الصيادين قاموا بعدة محاولات، وقمنا بإبلاغ هيئة الثروة السمكية فى الإسكندرية لكن لا أحد يستجيب ونحن كصيادين أصبحت أحوالنا سيئة للغاية «حالتنا تحت الصفر» ونحن نعمل يوما بيوم والمعيشة صعبة للغاية فماذا سنفعل؟. ويقول ياسين سعد الله «عضو نقابة الصيادين الذى يبلغ من العمر 48 عاما»: إن من بين المشكلات الأساسية التى تقابلنا مشكلة نقص الزريعة فى البحيرة ما يؤثر على الإنتاج السمكى، ويؤثر على مستقبل الثروة السمكية فى بحيرة مريوط. ويقول إن هناك تعديات كثيرة على البحيرة من قبل رجال الأعمال حيث يقوم بعض المسئولين ببيع شواطئ البحيرة لبعض رجال الأعمال، وكان يحدث ذلك قبل الثورة من قبل رجال أعمال فى النظام السابق، ومازال يحدث ذلك حتى وقتنا هذا ولا يقوم أحد من المسئولين فى هيئة الثروة السمكية بالتصدى لتلك التعديات. ويتحدث رجب ربيع ياسين 35 عاما، عن مشكلة أخرى فى البحيرة وهى مشكلة نقص منسوب المياه، فمنسوب المياه فى البحيرة منخفض ويسبب ذلك مشكلات أثناء الصيد، وهناك قلة فى الإنتاج السمكى حيث إن انخفاض منسوب المياه يجعل هناك صعوبة فى سير المراكب وصعوبة، أيضا، فى صيد الأسماك من البحيرة. ومن جانبه يكشف الدكتور محمد فتحى عثمان، رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية عن أن البحيرات تعرضت إلى الكثير من التعديات حيث كانت المساحة الأصلية للبحيرات تزيد على مليون فدان تقلصت هذه المساحة إلى حوالى 300 ألف فدان، وهذا نتيجة التعديات المختلفة على البحيرات، ونتيجة، أيضا، تجفيف مياه البحيرات الذى تم بشكل عشوائى دون النظر إلى خطورة ذلك على البحيرات، وقال عثمان إن هذا من أهم المشكلات التى تواجه البحيرات. كما يشكل إلقاء الصرف الزراعى فى مياه البحيرة، وما به من مخلفات من مواد كيماوية ومبيدات، إلى جعلها بيئة طبيعية لانتشار البوص والحشائش، وهذا يؤثر على بيئة المياه والثروة السمكية فى البحيرات، فانتشار البوص يؤدى إلى انسداد البواغيز التى تمد البحيرات بالمياه. ويقول عثمان إن الهيئة لاتملك اعتمادات مالية لشراء معدات لتطهير البحيرات من البوص والحشائش ما أدى إلى وجود صعوبة كبيرة فى التبادل المائى بين البحيرات والمسطحات المائية الأخرى، وأدى فى النهاية إلى تدهور البحيرات وتلوث المياه داخلها، مؤكدا أن الهيئة قدمت عدة حلول لتلك المشاكل منها وضع عقوبات للمخالفات فى الصيد مثل اصطياد الزريعة التى تعتبر البحيرات حضانات طبيعية لها، وقامت الهيئة بتشكيل لجان فنية للكشف عن المشاكل التى تواجه البحيرات ووضع اقتراحات وحلول لها. ويتابع عثمان أنه تم عمل تصوير فضائى للبحيرات من قبل هيئة المساحة وجهاز استخدام أراضى الدولة لتحديد مساحات البحيرات حتى لا يتم التعدى عليها وتم عمل خرائط لبحيرات المنزلة ومريوط والبرلس وإدكو بعد أن تم التصوير الجوى لها، ويتم الآن اعتماد هذه الخرائط من هيئة المساحة. كما يتم تصوير البحيرات جويا كل عام لمعرفة هل تقلصت مساحة بحيرة منهما أم لا والوقوف على حجم التعديات عليها، وأن جميع أنواع التعديات على البحيرات غير قانونية وقامت الهيئة بإزالة حوالى 5 آلاف فدان من هذه التعديات.